كيف قضى الجيش المصري على وباء الكوليرا عام 1947 ؟

أخبار مصر

مستشفى ميداني
مستشفى ميداني

 

قامت القوات المسلحة المصرية بدور بطولي خلال  الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد بعد انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، وكافحت المؤسسة العسكرية بكل طاقتها وإمكانياتها لحسار ومكافحة الفيروس بالتعاون مع مؤسسات الدولة والجهات المعنية، وكانت إدارة الحرب الكيميائية أولي المقاتلين في مكافحة الوباء فور ظهوره في مصر وبدأت بتنفيذ خطة مُحكمة بتعقيم وتطهير كافة المؤسسات والهيئات فضلًا عن مراكز خدمة المواطنين ومترو الأنفاق وحتي الشوارع ليلًا ونهارًا، حتي فقدت المؤسسة العسكرية اثنين من كبار قادتها ممن يعملون علي الأرض مع جنودهم لمكافحة الفيروس لحماية جموع المصريين من الوباء العالمي.

لم تكن مساهمة المؤسسة العسكرية في مكافحة وباء فيروس " كورونا المستجد " هي الأولي، فقد حاصرت مصر منذ القدم العديد من الأوبئة العالمية وكانت القوات المسلحة هي حائط الصد الأول في محاصرة ومكافحة الوباء، فبعد انتشار وباء " الكوليرا " في العالم وغلق طرق التجارة بين الدول فور ظهورها إلا أنها نفذت إلي مصر بداية من عام 1831 وسنوات أخري متباعدة حتي كان أخرها عام 1947 ميلاديًا.

دخل وباء " الكوليرا " لمصر عام 1947 للمرة الأخيرة بعدما نقله جنود انجليز كانوا قادمين من المستعمرة الانجليزية الرئيسية الموجودة في الهند ليلتحقوا بالكتائب الموجودة في مصر، علي الرغم من توقف حركة التجارة والسفر من وإلي مصر، إلا أن قدوم الجنود الانجليز ساهم في نشر ونقل الوباء بمنطقة " بلبيس " بمحافظة الشرقية، عن طريق مخالطتهم لفلاحين بالمحافظة، وتم نقل الفلاحين في اليوم التالي للاختلاط إلي الوحدة الصحية وتم تشخيصهم بتسمم غذائي ونقلوا للمستشفي العام بالشرقية ومكثوا في المستشفي أيامًا حتي توفوا، وبعدها بأيام توفي العشرات ممن كانوا متواجدين في نفس المستشفي، وقامت وزارة الصحة في ذلك الوقت بشراء واعتماد أجهزة لفحص المشتبه باصابتهم بـ " الكوليرا " بمبلغ 110 جنية، وتم الإعلان رسميًا بعدها بانتشار الوباء في مصر.

وبعد الإعلان عن انتشار " الكوليرا " بالشرقية، شرعت الحكومة ببناء وحدة صحية جديدة بدلًا من الوحدة التي توجه إليها الفلاحين المصابين بالوباء، وبنت ستة طلمبات مياة جديدة بعيدة عن تلك التي اختلط بها المصابين، وأعلنت الحكومة عن فتح باب التبرعات من الأثرياء والبشوات وحتي المواطنين لصالح وزارة الصحة لتجاوز أزمة " الكوليرا "، وبالفعل تبرع المصريون لصالح وزارة الصحة في وقتها بمبلغ  70 ألف جنيها لمواجهه الوباء في مصر. 

بدأت القوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت بالتدخل لحصر انتشار الوباء الذي كاد أن يفتك بالأف المصريين، وتوجهت وحدات عسكرية مجهزة بسترات حماية وأقنعة ضد الغازات السامة تعود إلي الحرب العالمية الأولي والثانية، وحاصر الجيش قرية " الكوربة " بمحافظة الشرقية وهي القرية التي ظهر فيها الوباء لأول مرة ومنع الدخول والخروج إليها. 

ونفذت القوات المسلحة في ذلك الوقت عدد من الجراءات الوقائية لمنع انتشار الوباء في الدلتا، وهدمت العديد من العشش والمنازل الموجودة بالقرية والتي كان احتمالية وجود الوباء بها كبيرًا، نظرًا لعدم وجود أدوات وسوائل التعقيم الموجودة حاليًا، وكان الحرق واستخدام النيران المشتعلة هي الوسيلة الفعالة في ذلك الوقت مع استخدام الجنود لأقنعة الغازات السامة في التعامل مع الحالات والأدوات الموبوءة.

وفرضت القوات المسلحة في ذلك الوقت بالتعاون مع الشرطة حظرًا علي القري المجاورة ومنعت الخروج أو الدخول للقري المصابة، وساعدت الوحدة الصحية في ذلك الوقت علي عزل المصابين والتحفظ علي ممتلكاتهم الشخصية من ملابس وأدوات وأواني طهي ومعيشة، ومنعت تداول الأطعمة وتحضيرها في الأسواق.

ونفذت الوحدات العسكرية في ذلك الوقت حملات لتكسير وسائل الشرب أمام المنازل والشوارع ومنها " الزير والقلل " وكل ما هو فخار ويستخدم في نقل المياة لمنع انتشار المرض بشكل أكبر بعدما تجاوزت نسب الإصابة في ذلك الوقت 20 ألف مصاب. 

وتابعت القوات المسلحة والشرطة في ذلك الوقت تنفيذ إجراءات الحكومة التي فرضتها علي المواطنين المصريين في ذلك الوقت، ومنها الامتناع عن غسل الأواني في مياة الترع، ومنع الاستحمام فيها لحين انتهاء الوباء، وتابعت القوات المسلحة والشرطة تنفيذ تلك الاجراءات بمنتهي الحزم لمنع انتشار الكوليرا للقري الأخري. 

وضخت الحكومة في ذلك الوقت " الكلور " لاول مرة في المياة ظنًا منها ان الكلور سيساعد علي قتل " الكوليرا " ويمنع انتشاره في المياة، واعتمدت بشكل كبير علي القوات المسلحة والشرطة في فرض النظام في القري المصابة وكذلك عزلها عن بقية القري، وتطبيق القانون وعزل المصابين خوفًا من انتشار الوباء، حتي بدأ ظهور علاج  للكوليرا خلال عام من انتشار الوباء ولكن بعد أن توفي أكثر من نصف المصابين بالمرض.