الكلمة الحلوة.. حين ينتصر العلم على التريند

مقالات الرأي

حامد بدر
حامد بدر


ليس ضروريا أن نحاسب كل إنسان عن كلمة قالها، لكن أحيانا بل وغالبا في هذا الزمان صارت الكلمة تبني الحواجز وتفعل ما تعجز أشد الرصاصات فتكا من تنفيذها.


قلَّة دراسة


أثارت تصريحات سابقة عن قلة دراسة وخبرة دينية حفيظة الكثيرين، بعدما كادت تُخَرِّبَ بيوتا، ووضعت الأسرة المصرية وسط جدال لا طائل منه، حول وجوبية أو عدم وجوبية عل المرأة في بعض شؤون بيتها. 
وبما أننا في بلد عربي له من الطابع الإسلامي كان تصدُّر الأزهر، كما كان جرُّه نحو الأزمة المُصظنعة.

فؤاد المهندس 


في الأثناء ذاتها كانت صفحة من صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) نشرت حلقة قديمة من الحلقات الإذاعية الراحل فؤاد المهندس "كلمتين وبس" بعنوان "الكلمة الحلوة"، التي راح يسردها عبر دقائق قليلة وبأسلوبه العامِّي البسيط والقريب جدا من قلوب الناس، بإستخدام قصة درامية قصيرة تجمع اثنين، كالتالي:
"سيد أفندي لاحظ إن الكلمة الحلوة قربت تختفي من المجتمع ومن حياة الناس.. قال لعبده أفندي الحكاية دي..
عبده: قصدك ايه بالكلمة الحلوة يا سيد؟ 
سيد:  قصدي كلمة الحب، كلمة التشجيع،  كلمة الصدق، كلمة التسامح.. دلوقتي الواحد يدور على أي كلمة من دول ما يلاقيش.. الدنيا جرا لها ايه يا عبده؟ 
عبده: انا مش فاهم لحد دلوقتي انت قصدك ايه بالظبط؟ 
سيد: انا باتكلم كلام عام.. مش باشتكي بشكل شخصي..  حديلك مثاب عشان تفهم انا قاصد اقول ايه؟ 
سيد بيكمل كلامه:
بسأل ديك النهار واحد تاجر صاحبي عن فولان الفلاني التاجر ده  "عني ولا نص نص؟"، قال لي غني جدا أملتك،  قلت له فلوسه دي جابها منين؟  سؤالي كان برئ أقصد فلوسه دي عملها من خلال تجارة ايه؟
فرد التاجر: تفتكر تجارته دي من ايه؟ 
وورط الراجل في إشاعة إنه بيتاجر في المخدرات، لحد ما عمل فلوس جامدة وبعد كدة اشتغل بالتجارة. 
ومع إن الراجل أمين ونشيط،  وبسبب نشاطه واملنته عمل فلوس.  
يكمل سيد:  كان زمان يا عبده لما حد يسأب تاجر عن تاجر يمدح فيه، دلوقتي يدي له بومبة ليه؟.. الحقيقة متفهمش ليه الناس نسيت كلمة الصدق؟ 
دلوقتي مين بيقول الكلمة الحلوة؟..  نادر اللي بيقولها،  نادر إنك تسمعها.. اللي يقولك بيغش أو ده حرامي أو  نصَّاب.. المفروض إن الكلمة الحلوة يكون لها تأثير أكبر من تأثير أي قوة  عارف الكلمة الحلوة زي إيه؟ 
عبده: زي ايه؟

نقطة المَيَّة


سيد: زي نقطة المية (الماء)،  لو روحنا لصخرة ضخمة وضربناها بالمدافع الرشاشة، الطلقة أو الرصاصة هتخدش الصخرة،  لكن مش هتقدر تثقبها أو تحرمها. 
إنما نقطة الماء على الصخرة دي بشكل متواصل لمدة كام يوم أو كام شهرهتعمل كدة وهتنجع فإنها تخرمها.. يبقى نقطة المية أقوى ولا الرصاصة؟ 
المية أقوى.. والكلمة الحلوة أقوى.. 
كلمة التشجيع مطلوبة في البيت والمدرسة والشارع والنادي والشغل.. من غير تشجيع الناس تقف مكانها متتقدمش..
الكلمة الحلوة تمسح متاعب الإنسان.. َتخليه يستمر في حياته..  
سهل إن الإنسان يشخط وينتفض.. لكن الأصعب لو يقول كلمة حلوة"

شيخ الأزهر  ينهي الجدل


خرج علينا شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيِّب بتصريحه الموزون كالعادة،  شارحا مبدأ الوجوبية والفرص في الإسلام بأسلوب بسيط، فانتصر الشيخ العالِم على تريند التواصل الاجتماعي. 
لقد كان ردَّ فضيلة الإمام بمثابة انتصار للفقه الإسلامي الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح.

الكلمة الحلوة عالية المقام


والآن وسط عضب النشطاء والمستخدمين والحقوقيين والإعلاميين، تغيب الكلمة الحلوة، ولا يكون لها مكان، حتى الاعتذار يفقد حلاوته حين نطلق التصريحات ونحن نظن أننا في مأمن من حساب الله، ويد القانون، ونظرة  الناس.  فلقد أفقدنا التواصل الاجتماعي مهارة التريُّث في كتابة ما يدور بداخلنا.. ولزاما علينا حساب النفس وتقييدها، فلا نصبح على ماقلنا نادمين.

تبقى الكلمة الحُلوة عالية المقام وسيدة مجالس العُقلاء.