شبح الوجه الحزين.. القلم يبكي أحيانًا

مقالات الرأي

بوابة الفجر

الكثير منا يتذكر لوحة الطفل الباكي أو المعروفة باسم The Crying Boy، والتي خطَّ ملامحها الفنان التشكيلي الإيطالي برونو اماديو أو المشهور باسم  ” جيوفاني براغولين"، والتي كانت تتضمن صورة طفلًا ذي ملامح باكية دامع العينين، ترى في عينيه ما يثير لديك الشفقة.

ديكور على الحوائط

انتشرت هذه اللوحة بشكل كبير حتى أنها صارت ديكورًا يزين الحوائط والجدران، حتى في بيوتنا العربية، شأنها شأن لوحات الموناليزا، وراعي البقر، ولوحات الأطفال الذين يلعبون في الغابات، والتي وردت لنا من الخارج سواء عن طريق العائدون من أسفارهم أو تجار التحف.

كم كنت أنظر إلى  تلك الصورة التي تزين بيت أحد الأقارب، أدقق في ملا محها، أدرس التفاصيل، ليس عن علم فقد كنت طفلًا لم اتجاوز العاشرة، ولكنني كنت أشعر بتماس غريب بين أدمع هذا الطفل الحزين والكثير مما يدور في دواخلي وربما دواخل الكثيرين.

أستشعر أن بعض اللوحات الفنية كانت تعبيرًا عن موقف ما.

الطفل كان حقيقيًا

أتخيَّل أن هذا الطفل كان حقيقيًا، وكنت أقول أنه قدر رأى واقعًا مأسويا، ربما الفقر، ربما الجوع، روبما الغولة.. نعم الغولة.
أسطورة الغولة المُرعبة التي كانت تحكيها لنا الجدَّات في ليالي البرد القاسية كي نخشى الخروج  إلى الشوارع ليلًا، وربما نخشى أن نستشعر اليقظة فنستسلم إلى النوم، تاركين أحلام اللعب حتى شروق شمس صباح جديد.

تكثر الغيلان في حياتنا.. وكلها غيلان خوف، خوف من الفشل، ومن الابتكار، ومن الخطأ، ومن الحب.

حياة لا وردية ولا حقيقية

نعيش حياة لا هي وردية ولا هي حقيقية نحمل فيها المسؤولية وحرية القرار، نلجأ كثيرًا إلى الفرار؛ لنبني خنادقًا ومآويًا في أزمان الحرب والصراع، فلم نعد "نبني القصر العالي" كما كان يغني الراحل العندليب الأسمر، ولم تعد مقاييس الحب بحدود السماء والبحر كما أمتعتنا السيدة "فيروز".
أصبحت أحلامنا كلوحة الطفل الباكي التي نُسخت منها آلاف الصور لتَركِن إلى حائط الذكريات، تراها من بعيد حزينة، وكانت في الأصل يافعة يملاها الحب..

تُرى..؟ 
هل كُنَّ الجدَّات كاذبات فيما يحكين.. أم كُنَّا نحن مخطئين أن استمعنا إليهن؟

تمر الأيام والشهور وسُرعان ما أصبحت سنينًا طوال، فأذهب إلى بيت ذات الأقارب وأرى تلك الصورة لا زالت على حالها، لم تتغير ملامح الطفل الباكي، كما لم يتغير الكثير من ملامحنا الحزينة.
أخرجتُ ورقة من جيبي فوجدتني أكتبُ المأساة ولا أبكي، فالقلم يبكي أحيانًا.