د. محمود جلال يكتب: (4) الابتكار في البرازيل من منظور مؤشر الابتكار العالمي (ج1)

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

الدور الحكومي في تحفيز الاستثمار في الابتكار

يعد الابتكار وما يتبعه من تقدمٍ تكنولوجييٍّ أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية، ولا تؤدي الابتكارات فقط إلى سد إحتياجات السوق، ولكن لها أيضا تأثيرات إيجابية قوية غير مباشرة تفوق بكثير الفوائد المباشرة، مثل الفوائد الاجتماعية، ومثال على ذلك، الابتكارات في مجال الرعاية الصحية والتي ليست فقط تولد الكثير من الأرباح لمبتكرها ولكنها أيضا تخلق العديد من الفوائد الاجتماعية، مثل تحسين نوعية الحياة وزيادة متوسط أعمار المواطنين. الأمر الذي جعل الدول تسعى حثيثًا لدعم الابتكار بها لتحقيق هذه الفوائد. 

ولكن في ظل غياب السياسات العامة المحفزة للابتكار تكون النتيجة ضعف مستويات الاستثمار في الابتكار، بل والفشل فيه عمَّا هو مطلوب لتحقيق الفوائد الاجتماعية المرجوة، ويظهر ذلك جليًا في البلدان النامية مثل البرازيل على عكس ما يحدث في البلدان المتقدمة.

وبالنظر إلى الأسباب الرئيسية في ضعف مستويات الاستثمار في الابتكار نجد أنها  كالآتي:

- مخاطر الاستثمار في المشاريع الابتكارية أعلى منها في المشاريع الاستثمارية التقليدية، وتتمثل هذه المخاطر في حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبرازيل، مما يجعل الفائدة على الإقراض لهذه المشاريع أعلى ويجعل تكاليف الاستثمار في الابتكار أعلى منها في البلدان المتقدمة، فنجد أن معدلات الفائدة على الإقراض في البرازيل أعلى من بقية العالم، مما يؤثر على رغبة المستثمرين في الاستثمار والمخاطرة في المشاريع الابتكارية.

- عدم توافر قنوات للتواصل الجيد بين المستثمرين والمخترعين، حيث نجد أن المخترع هو الاكثر دراية بتفاصيل ابتكاره وبالتالي لديه المعلومات الكاملة اللازمة لتقييم احتماليه نجاح هذا الابتكار تجاريًا، في حين نجد أن المستثمرين يجدون صعوبة كبيرة في التمييز بين المشاريع الابتكارية الجيدة والسيئة، مما يجعلهم يميلون إلى الاستثمار في المشاريع ذات المخاطر الأقل، ويجعل تكلفة الاستثمار في الابتكار مرتفعة.

- تميل البنوك إلى عدم تمويل مشاريع الابتكار، بالإضافة لقيامها بطلب ضمانات للإقراض يصعب على الشركات الجديدة المبتكرة تحقيقها، مما يحتم عليها البحث عن مصادر أخرى للتمويل مثل التمويل الحكومي أو رأس المال الخاص أو صناديق رأس المال الاستثماري.

- ندرة الكوادر المؤهلة والمدربة تدريبًا متقدمًا خاصة في بلدان مثل البرازيل، فنجد أنه وفقًا لمؤشر الابتكار العالمي، لدى البرازيل 888 باحث لكل مليون نسمة في عام 2021 (المرتبة 53 عالميًا) وهو عدد أقل بكثير مما هو عليه في البلدان الأكثر تقدمًا كالولايات المتحدة على سبيل المثال والتي لديها 4،408 باحث لكل مليون نسمة (المرتبة 22 عالميًا). مما يجعل الشركات تبقي باحثيها حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية مما يزيد من تكاليف الاستثمار في البحوث والتطوير عنها في الاستثمارات التقليدية.

وكل هذه الأسباب تجعل الدول -خاصة النامية منها- تقوم بالعمل على تحفيز الاستثمار في البحوث والتطوير سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الآتي:

- تخصيص ميزانية من أموال الدولة للعلوم والتكنولوجيا، 

- تقديم  حوافز ضريبية للابتكار لتقليل تكلفة الاستثمار في الابتكار،

- إقرار سياسات عامة لتحفيز صناديق رأس المال الاستثماري على الاستثمار في الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيات الفائقة.

- تقديم منح وقروض مدعومة للشركات المبتكرة.

- شراء الحكومة لمنتجات الشركات المبتكرة لتحفيز تطوير تكنولوجيات جديدة تهم قطاعات معينة بالدولة، مثل الصحة أو الدفاع.

ومن هذا المنطلق سنستعرض في الأجزاء القادمة من المقال آليات دعم وتمويل الابتكار في البرازيل، والتحديات التي تواجه الابتكار في البرازيل وكيف يمكن التغلب عليها.

وللحديث بقية،