حامد بدر يكتب.. الحب الحقيقي.. الباحثون عن المشاعر بين القبول والرفض

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

 

"الحب الحققيي بيعيش يا حبيبي.. بيعلمنا نسامح بينسينا امبارح.. بيعلمنا نفكر دايمًا في أيامنا اللي جاية"، عساك عزيزي القارئ تذكرت هذه الكلمات لأغنية "الحب الحقيقي" التي غنَّاها النجم "محمد فؤاد"، والتي تلخصت في كيفية أن يتسامح الشريكين والإطراف المتحخابين، والتفكير في المستقبل السعيد.

كيف تغيَّر الحب؟

عسانا نرى هذه الأيام عبر مواقع الواصل الاجتماعي، وبخاصة موقع "الفيس بوك" ما تكرر نشره من حالات عن الحب والمتحابين، وكيف أنَّ الشباب يعيشون معاناة مع شركائهم سواءًا بين الجنسين دون تخصيص.

تبدو المسألة طبيعية، كما يحدث دومًا، فهما فريقين بين الذكور والإناث، وكل يؤيد بني جنسه، وتتوالى التحديثات، والحالات (status)، وتنمو صفاحات ومجموعات من وراء هذا الصراع اللطيف، الذي نشاهده ونبتسم.

كيف تعرض (الحب) شخصيًا للاستغلال؟

إلا أن الأمر أخطر من هذا، فلقد اصبح النشء يقرا ويتابع، وربما تترسخلديه هذه الأفكار، فتصبح قناعات، بأن هذا  الصراع اللطيف الناشئ بالفعل بين "أم وحوَّاء"، هو أساس العلاقة بينهما. فالحقيقة خلاف ذلك، بل هي أخطر من كونها حالات نتابعها عبر التواصل الاجتماعي، أو قصة  روائية، أو أحدوثة درامية أو حتى سنيمائية.

على الرغم من أنّه معروف جيدًا هذه الخدعة، لكن دعني أسرد عليك القصة مرة أخرى، تعتمد الدرما بشمل عام على الجانب العاطفي، فيُزَجُّ باسم الحب، داخل أروقه هذه البناءات والسياقات المعروضة علينا كمشاهدين، منذ سنين.  

لقد بدأت الأحدوثة، على سبيل التقريب، في تاريخ العشق العربي بين قيس وليلى، ثم عنترة بن شداد وعبلة، وكذا قيسُ ولبنى التي نجد للمأساة دورٌ فيها بأن مات قيس بعدما عادت له لُبنى، وعلى الرغم من صدقها، إلا أنَّ المحاور السنيمائية والدرامية استغلَّت الأزمة والعقدة العاطفية؛ كي يصل بك الكاتب والسيناريست نحو حبكة ترضيك أن ترى الحب يتحقق بعد "وجع القلب".

ولكي نكون منصفين نجح هذا الاتجاه في امتاعنا، فاستخدم كل ما كان بالإمكان من قدرات أدبية، وإبداعية، وتقنية تكنولوجية، وكذا الخيالية، فالخيال دومًا يلعب اللعبة ويؤدي الدور الذي لا تستطيع أنت وأنا والجميع أن نتلعبه بمفردنا، وهذا مطكلوب. إلَّا أن حدثًا ما لم يكن يُحسب له أو ربما كان في استراتيجية الميديا، أن يكون الحب ضحية.. نعم ضحية الاستغلال الإبداعي، فمهما تطورت القضية التي تدور حولها قصة العمل الدرامي أو السنيمائي، تحاول دومًا يد الكاتب ان تسوق مشاعرنا نحو "قصة الحب الخالدة".

لم يكن مقصدودًا

لا أقول بالطبع أنها مؤامرة على قلوب النشء والعاشقين، فلا يصح أن تكون القراءة النظرة هكذا.

لكنَّ مالم يكن في الحسبان، أن يكون الحب السلعة التجارية ذات الماركة العالمية التي لاتردأ ابدًا داخل هذه القصص، وهذا منطقي جدًا؛ لأن الحب مشاعر، والمشاعر معدنق نفيس، إلا أنَّه تحوَّلت هذه المشاعر فاتجهت اتجاها مغايرًا لطبيعة كينونتها، فتحوَّلت إلى غاية.

والغايات ربما لا تُدرك، وهنا تكون الأزمة في إحدى سمات الدراما والسنيما، وهي "الواقعية" التي تجعل المشاهد أو المتابع دومًا في موضع المصدق والمتيقن داخل إطار المساحدة الزمنية التي يتابع فيها هذا العمل، بأن هذه المشاعر هي غاية ما يصل له. وهنا بدأ البعض من المؤلفين أن يضعوا مساقات جديدة في الكتابة، فتلاعبوا بهذا لعقل بان واجهوه بالحقية تارة "عدم تحقق هذا الحب"، وكذلك "تحقق هذا الحبشخص آخر أخرى، وربما "عدم تحقق هذا الحب"..

هنا نجحت الدراما في كتابة قصة الحب، التي في حقيقتها حالة يتعامل معها الفرد بتشخيصات محددة إما المبادلة أو الرفض.

الحقيقة

الحقيقة ليس للحب ظرف معين أو مكان معين أو كيفية معينة.

إن خضوعه لأي نمط من أنماط المعايير أو الشروط المحدد، يفقده حلاوته، وهذا جيدًا ما نجح منتجو الأعمال الأدبية والفنية في اللعب على أوتاره لأنهم أركوه جيدًا، فتفننوا في تحوراته أمام المتلقي الذي أخذ من الحب اتجاهًا نمطيًا، وهذا لا سيما ما يحدث للنشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلا أنَّه يحلُّ أصحاب الصفحات والمجموعات محلَّ هؤلاء المنتجين.

يعيش بعد هذه الرحلة الأفراد ذات قصة الصراع، وهم في صراعات أخرى، فيتحوَّل الحب، والزواج، إلى غاية قد تفوق غاية تكوين الأسرة.. وهذا ما لا يبني الحياة.