د. محمود جلال يكتب: الابتكار في البرازيل من منظور مؤشر الابتكار العالمي (ج2)

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

آليات دعم وتمويل الابتكار في البرازيل

على مدى العقدين الماضيين أنشأت البرازيل نظامًا واسعًا لدعم الابتكار، تضمن وضع العديد من السياسات والأدوات الحكومية لدعم وتمويل الابتكار، منها الدعم المباشر للبحث العلمي من خلال تقديم منح للبحوث التي يتم تنفيذها من قبل الجامعات والمعاهد البحثية الحكومية، وكذلك تقديم الحوافز الضريبية والقروض المدعومة للشركات المبتكرة ومنحٍ للمشاريع البحثية في الشركات والتمويل الأولي لإنشاء الشركات وكذلك الاستثمار في الشركات الناشئة.

وكان المتاح فقط لدعم وتمويل الابتكار في البرازيل قبل هذه الفترة الزمنية وتحديدًا في عام 1999 هو إنشاء الصناديق القطاعية (Sectoral Funds) والتي كانت تقوم بتمويل أنشطة البحوث والتطوير في مختلف القطاعات من إيرادات الضرائب المخصصة التي تجمعها وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار لهذا الشأن من نفس هذه القطاعات. فعلى سبيل يتم جمع ضرائب على عائدات النفط مخصصة لتمويل التطوير التكنولوجي في قطاع النفط، ويتم ذلك بالمثل في القطاعات الأخرى مثل الصحة والتكنولوجيا الحيوية والتعدين والطيران وغيرها. 

وبعدها في عام 2004 تم إقرار قانون الابتكار والذي يتشابه مع القانون الامريكي the Bay-Dole Act، حيث سمح هذا القانون ولأول مرة للحكومة البرازيلية بمنح إعانات مباشرة للشركات المبتكرة، كما سمح للشركات بالتعاقد على مشاريع بحثية من الجامعات والمعاهد البحثية الحكومية، وأيضا نظم حقوق الملكية الفكرية الناتجة من هذه العقود. 

وفي عام 2006 تم إقرار قانون الحوافز الضريبية للابتكار (Law of Good) والذي يقدم إعفاءات ضريبية للشركات التي تستثمر في البحوث والتطوير والابتكار سواء داخليًا بالشركات نفسها أو خارجيًا من خلال جهات بحثية أخرى.

كما قام الاتحاد الوطني للصناعة في البرازيل (CNI) من خلال مؤسستيه الخدمة الوطنية للتدريب الصناعي (SENAI) والخدمة الاجتماعية للصناعة (SESI) بإطلاق دعوة للابتكار في الصناعة في عام 2004، وتهدف الدعوة إلى تمويل تطوير الابتكارات وزيادة أداء الشركات الصناعية البرازيلية، واستمرت حتى وصل عدد المشروعات الابتكارية التي تم دعمها حتى عام 2020 إلى 1،150 مشروعًا وتم استثمار أكثر من 134 مليون دولار أمريكي بهذه المبادرة. وقامت هذه المبادرة في مارس 2020 بتخصيص أكثر من 20 مليون دولار أمريكي عبر فئات مختلفة من المشاريع، بما في ذلك تخصيص 6 ملايين دولار أمريكي لإيجاد حلول للمشاكل الناتجة عن جائحة فيروس كورونا (COVID-19).

وتعد مؤسسة الخدمة الوطنية للتدريب الصناعي (SENAI) أكبر مؤسسة للتعليم المهني والتكنولوجي في أمريكا اللاتينية كلها، حيث تقدم تدريبًا احترافيًا عالي الجودة للعاملين المتخصصين في جميع المجالات لتعزيز الابتكار في الصناعة البرازيلية بما يصل إلى أكثر من 2.3 مليون عامل برازيلي كل عام، بل وتقوم بتقديم هذه الخدمات للعديد من الدول الأخرى مثل غواتيمالا وباراغواي وموزمبيق وبيرو، كما تدير عدد 208 مركزًا بحثيًا يقدم خدمات تكنولوجية للشركات في جميع أنحاء البلاد وصل عددها في عام 2011 إلى أكثر من 18 ألف شركة، وتم تنفيذ 139،149 خدمة لدعم الابتكار الصناعي والتطوير التكنولوجي.

كما قام الاتحاد الوطني للصناعة (CNI) أيضا بإنشاء "حشد الأعمال من أجل الابتكار" (MEI) في عام 2008، وهي حركة تجمع رجال الأعمال البرازيليين بهدف جعل الابتكار أولوية استراتيجية للشركات وزيادة فعالية سياسات الابتكار في البلاد. وتساعد هذه الحركة في تحقيق الشركات لأجندة الابتكار بالدولة، وإقامة الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، وتقييم الإجراءات الجارية لتحفيز الابتكار في البلاد، وتطوير وزيادة الديناميكية والقدرة التنافسية للشركات البرازيلية في الاقتصاد العالمي.

ومنذ إنشاء هذه الحركة كان البنك الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (BNDES) شريكًا رئيسًا بها، يشارك باهتمام في الاجتماعات مع رجال الأعمال ويشجع الحركة ويعاون في تطورها، خاصة وأنه بنك حكومي تابع لوزارة الاقتصاد يعمل على توفير تمويل طويل الأجل للمشروعات التي تساهم في تنمية البلاد.  

أيضا أطلقت وكالة الابتكار البرازيلية بالاشتراك مع البنك الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (BNDES) في عام 2013 برنامجًا واسعًا للإقراض المدعوم للابتكار. 

وهذه الوكالة تدعى أيضًا هيئة تمويل الدراسات والمشروعات (Finep) وتتبع وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتختص بتمويل العلوم والتكنولوجيا في البرازيل، من خلال تقديم منح وقروض للمراكز البحثية والشركات لدعم كل مراحل التطوير العلمي والتكنولوجي في البرازيل بجميع مجالاته متضمنًا البحوث الأساسية والتطبيقية، وابتكار المنتجات والخدمات والعمليات وتطويرها، كما تدعم أيضًا حاضنات الشركات التكنولوجية، وإنشاء المجمعات التكنولوجية، وهيكلة عمليات البحث وتوحيدها، والتطوير والابتكار بالشركات، وتطوير السوق. 

علاوة على ذلك، بدءًا من عام 2012، بدأت الوكالة أيضًا في تقديم الدعم لتنفيذ الوحدات الصناعية الأولى للابتكارات المختلفة، بالإضافة إلى دعم عمليات الاستحواذ والاندماج للشركات الابتكارية، والمشاريع المشتركة.

كما تم إنشاء الشركة البرازيلية للأبحاث والابتكارات الصناعية (Embrapii) في عام 2014، وهي مستوحاة من النموذج الناجح لمؤسسة فراونهوفر (Fraunhofer) الألمانية للابتكار، والتي تقدم إعانات مالية من الحكومة تصل إلى ثلث التكاليف الإجمالية للمشروعات التكنولوجية التي تنفذها المؤسسات البحثية لدعم الابتكار في الشركات المحلية، وشارك في هذه المبادرة 42 مركزًا بحثيًا 8 منها تابعة لمؤسسة الخدمة الوطنية للتدريب الصناعي (SENAI).

هذا وقد بلغ إجمالي حجم الدعم الحكومي للابتكار بالبرازيل 17.162 مليار دولار في عام 2018 (القيمة بالدولار المعادل بالقوة الشرائية PPP) مقسمة كالتالي:

1. برنامج القروض المدعومة (بقيمة 2.1 مليار دولار):

قام برنامجا القروض المدعومة للابتكار التابعان للبنك الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (BNDES) وهيئة تمويل الدراسات والمشروعات (Finep) في عام 2010 بتقديم قروضٍ بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي، ثم ازدادت بدرجة كبيرة لتصل إلى ذورتها في عام 2014 بقيمة 4.6 مليار دولار أمريكي، ثم عاد الانخفاض مرة أخرى ليصل إلى 2.1 مليار دولار أمريكي في عام 2018.

جزء كبير منها جاء من هيئة تمويل الدراسات والمشروعات (Finep) التي ضاعفت مدفوعاتها للابتكار ثلاث مرات لتصل إلى 1.2 مليار دولار في عام 2018، 

بينما ظلت نسبة القروض المدعومة للابتكار المقدمة من البنك الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (BNDES) تترواح بين 4% – 5% بقيمة 889 مليون دولار في عام 2018، وباقي القروض التي يقدمها يتم توجيهها إلى أنشطة أخرى غير الابتكار، مثل الاستثمار في البنية التحتية وتوسيع القدرة الإنتاجية في صناعات السيارات والأغذية. 

ومع ذلك نجد أن هذه القروض المدعومة قد أدت إلى زيادة استثمارات الشركات في البحوث والتطوير وتعزيز الجهود التكنولوجية للشركات. 

2. إعفاءات ضريبية للابتكار (بقيمة إجمالية 5.04 مليار دولار):

بلغت الحوافز الضريبية للبحوث والتطوير والابتكار 5.04 مليار دولار في عام 2018، الجزء الأكبر منها مقدم من خلال قانون المعلوماتية (Informatics Law) المختص بتحفيز قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، والذي يقدم تخفيضًا في ضريبة الإنتاج الصناعي (IPI) للشركات التي تستثمر في البحوث والتطوير وتلتزم بنسب مرتفعة محددة من المكون المحلي في منتجاتها، حيث بلغت قيمة هذا الخصم الضريبي 2.837 مليار دولار، ومع ذلك نجد أن الكثير من الشركات يصعب عليها تحقيق نسب المكون المحلي المحددة، الأمر الذي قد يقلل من آثار هذا الحافز في زيادة إنتاجية الشركات أو حتى استثماراتها في البحوث والتطوير. 

ويليه في القيمة الحوافز الضريبية المقدمة من خلال قانون الحوافز الضريبية للابتكار (Law of Good)، والذي يوفر خصمًا في ضريبة دخل الشركات التي تستثمر في مشاريع البحوث والتطوير، حيث بلغت قيمة هذا الخصم الضريبي 1.052 مليار دولار والذي أدى إلى تحفيز الاستثمارات الخاصة في الابتكار وبالتالي زيادة استثمارات الشركات في البحوث والتطوير بنسبة 7 – 17%، بالإضافة لزيادة إنتاجية هذه الشركات ونسبة توظيفها للعمالة المؤهلة تأهيلا عاليًا. 

بالإضافة إلى حوافز ضريبية أخرى للابتكار بلغت قيمتها 1.151 مليار دولار.

وإجمالًا نجد أن حجم الإعفاءات الضريبية في البرازيل بلغ في عام 2018 ما يقرب من 140 مليار دولار أمريكي بما يمثل 3.97% من الناتج المحلي الإجمالي وبلغ نصيب إعفاءات الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والابتكار فقط 3.6% في هذا المبلغ. 

3. استثمارات البحوث والتطوير الإجبارية (بقيمة إجمالية 1.428 مليار دولار):

تقوم الحكومة البرازيلية بإلزام الشركات التابعة لها خاصة في قطاعي البترول والكهرباء بالاستثمار في البحوث والتطوير تحت إشراف الوكالات الحكومية المسئولة عنها، نجد أن وكالة البترول الوطنية (ANP) استثمرت في البحوث والتطوير ما قيمته 996 مليون دولار والوكالة البرازيلية لتنظيم الكهرباء (ANEEL) استثمرت في البحوث والتطوير ما قيمته 432 مليون دولار.

4. التمويل الحكومي المباشر للبحوث والتطوير (بقيمة إجمالية 8.605 مليار دولار).

وهذه هي القيمة الإجمالية لبرامج التمويل المباشر المختلفة الخاصة بالابتكار التي تقوم الحكومة بتمويلها سواء في الجهات البحثية والأكاديمية التابعة لها أو الجهات الخاصة.

وللحديث بقية،