د. رشا سمير تكتب: ده العادي عندينا !

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

التريند..السوشيال ميديا..مواقع التواصل الإجتماعي..والهُراء على الشاشات..

باتت تلك هي الحياة على أرض مصر..وهي المتحكم الرئيسي في الأحداث وبالتالي هي الوعاء الذي تقتنص منه برامج التوك شو ضيوفها وفرقعاتها ونسب المشاهدات والمرتبات!..

وبغض النظر عن النتائج؟..نعم، بغض النظر عن النتائج!.

وتظل الشرارة الأكيدة لإشعال التريند وظهور أشخاص غير مدركون حجم ما يتفوهون به، وهو ما يعني لهم المزيد من اللايكات والمتابعين والهدايا والمؤتمرات والتكريمات، هي معركة الرجل والمرأة، تلك المعركة التي تنتهي دوما بسقوط ضحايا وأسرى ومصابين هم:

الأبناء ثم الأبناء ثم الأبناء!.

الأكيد أن تلك المعركة تبدأ شرارتها الأولى بتصريحات إستفزازية تخرج على الألسنة دون أن تمُر على العقول على شاكلة:

" المرأة غير ملزمة برضاعة الأولاد!".. أو: "أحلى حاجة في الست هي التلال والهضاب!"..أو: " ريحة البنات المغاربة أكتر حاجة لفتت إنتباهي وهما موزز!".

واحدة تدعي الدفاع عن المرأة، وواحدة تحاول ركوب الترند، والأخرى تدعي أنها نسوية وقوية وهي لم ترى في نساء المغرب المثقفات المتحضرات غير أنهن ريحتهم حلوة وموزز!..

فعلا..البقاء لله، والأكيد أنه لا عزاء للسيدات!.

تريندات الأسبوعين الماضيين كانت وبكل المقاييس مأساة، فهاهي عروس الإسماعيلية تعود لتتصدر التريند من جديد، ويعود السؤال..أليست هذه هي العروس التي تنازلت عن كرامتها يوم قبلت إهانة الزوج لها في الشارع وخرج الأهل ليصفقون..إذن: "تستاهل"!

تسائلت وأنا أتابع تصريحات المجلس القومي للمرأة والإعلام ورواد مواقع التويتر والفيسبوك وهم ما بين مُدافعين وما بين شامتين..هي تستاهل إيه؟!.  

في تصريح لرئيسة المجلس القومي للمرأة على الواقعة قالت: " لن ينصلح الحال بالقانون فقط، ولن ينصلح الحال بالتوعية فقط، ولكن التربية على احترام الآخر هي الأساس".

وهنا أتسائل..على من نطلق الرصاص؟ ومن المسئول عن التربية على أساس إحترام الآخر؟ وما دور المدرسة والمنزل والإعلام والمجلس القومي للمرأة والثقافة؟

ومن المسئول عن وجود زوج يضرب زوجته في يوم الفرح ويعذبها بعده بالشومة ويُعقب على ما فعل بكل سلاسة أمام شاشات التلفزيون: " ده العادي عندينا!"

الحقيقة العارية هي أن "العادي عندينا" سببه الجهل والتعليم الركيك الذي لا يصل إلى أهالي تلك المناطق البعيدة عن المدينة والضوء، والإعلام الذي يدق طبول الحرب كل يوم لمجرد المنافسة بين المذيعات والضيوف على من الأشهر والأكثر ظهورا، ناسين أو متناسين أن المعركة لا بد لها من ضحايا.

وعلى ذكر التعليم تأتي الواقعة الأكثر جدلا وشهرة وأسفا في نفس الأسبوع هي واقعة إصابة الطالبة بالمرحلة الابتدائية في محافظة الدقهلية بنزيف حاد بالمخ إثر تعدي مدرس بالمدرسة عليها بخشبة على الرأس، كما شهد بداية العام الدراسي حادثين آخرين أولهما في مدرسة المعتمدية بمحافظة الجيزة والتي شهدت انهيار جزء من السياج الخرساني لدرج المدرسة ليُسفر عن وفاة طالبة وإصابة 15 أخريات، أما الحادث الثاني فكان في مدرسة سيد الشهداء بنفس المحافظة حيث لقيت طالبة المرحلة الابتدائية منة فراج مصرعها بعد سقوطها من الطابق الثالث خلال محاولتها الهروب من مُدرسها الذي قرر استدعاء ولي أمرها.

والسؤال هنا..هو مين اللي يستاهل؟

هل هي الأسرة التي لا تملك المال لدخول الأبناء مدارس أبناء الذوات الذين يخشون بطش أولياء الأمور، أم الطالبة المسكينة التي إرتعدت من الخوف أمام معلم لا يعرف معنى التربية ولا التعليم وبالتالي ففاقد الشئ لا يُعطيه؟ أم التكدس المُرعب في الفصول الذي يجعل المدرس مستشيطا طوال الوقت؟ أم المدرسة قليلة الحيلة التي لا تكاد تعرف شئ عن المؤسسة التعليمية سوى الدروس الخصوصية وتزيين الفصول بفلوس الطلبة وساندويتشات الحلاوة بالقشطة التي يقتسمونها مع الطلبة!.

أم أن..هذا هو "العادي عندينا"؟!.

نحن شعب يفتقر إلى الأخلاق التي كانت يوما عنوان جيل الأجداد، نحن شعب لم يتعلم شئ في مدارس لازال المسئولون عنها متخبطون، وصراعهم الوحيد هو التابلت والبابل شييت في حين أن المحتوى فارغ، نحن شعب الفهلوة والمحسوبية واللي تكسب به إلعب به ومن دقنه وافتل له!.

هو مين اللي يستاهل؟ العروس التي دفعت ثمن وضع أُجبرت عليه لأنها لا تمتلك الخيار، أم الطالبة التي لم تستطع أن تقف أمام المعلم وترفض أن تسقط عصاه على رأسها لأن عصا الأهل والمجتمع أشد ضراوة؟

نحن نحتاج إلى وقفة لتقويم سلوكنا وتعديل مساراتنا وإعادة تأهيل نفوسنا وتحكيم ضمائرنا فيما نقول..وإلا....

وإلا سيبقى " ده العادي عندينا"!.

                                                     [email protected]