البابا تواضروس: القدرة على التسامح تنبع من الشبع الداخلي للإنسان وعلاقته بالله

أقباط وكنائس

جانب من المؤتمر
جانب من المؤتمر

شارك قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم الإثنين في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة الدول العربية بمقرها بالقاهرة، بالاشتراك مع المجلس العالمي للتسامح والسلام والذي بدأت أعماله اليوم، ولمدة يومين.
ويناقش المؤتمر موضوع بعنوان “التسامح والسلام والتنمية المستدامة في الوطن العربي”، وألقى قداسة البابا كلمة في الجلسة الافتتاحية حملت عنوان "التسامح في المسيحية ودوره في ترسيخ أسس السلام المجتمعي" وجه في مستهلها التحية للحضور، معربًا عن تقديره للجامعة العربية لرعايتها لهذا المؤتمر، وأشار قداسته إلى أن القدرة على التسامح والغفران تنبع في الأصل من الشبع الداخلي للإنسان، ومن الالتصاق بالله وأن من يتسامح هو من يمتلك إرادة داخلية للتسامح.

وتناول قداسة البابا خمسة مبادئ للتسامح، وهي:
١- التسامح ضرورة وليس اختيار:
حيث أشار إلى الصلاة الربية التي يصليها المسيحيون عدة مرات كل يوم والتي تتضمن طلبة: "وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا" (لو ١١: ٤) وكذلك إجابة السيد المسيح على تلميذه بطرس: "حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: "يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ." (مت ١٨: ٢١ - ٢٢).

٢- التسامح إيمان وعقيدة:
فالمسيحية تؤمن أن الله وحده هو الديان، "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ." (مت ٧: ١ و٢).

٣- فرصة حقيقية للآخر 
على الإنسان أن يقطع سلسلة الكراهية قبل أن تبدأ. ويقول السيد المسيح في الموعظة على الجبل: "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ" (مت ٥: ٩).

٤- ضبط النفس:
القوي هو من يضبط نفسه، وفي سفر الأمثال: "اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً." (أم ١٦: ٣٢). وفي صلاة باكر التي تُصلى كل يوم، يدعونا القديس بولس قائلًا: "مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ." (أف ٤: ٢ و٣).

٥- التسامح نظرة رحمة للإنسانية 
كما يقول الكتاب المقدس "كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ." (أف ٤: ٣٢). نحتاج أن نزرع فضيلة التسامح في العقول والقلوب منذ الصغر.

كما تكلم قداسة البابا عن ثلاثة أبعاد للتسامح، وهي:
١- المحبة: كما قيل "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا." (١كو ١٣: ٨)، وحذر قداسته من التأثير السلبي للميديا حيث أنها تسرق الوقت وتتسبب في جفاف المشاعر، والحل هو الارتباط بالله كلي المحبة "اللهَ مَحَبَّةٌ" (١يو ٤: ٨)
والسيد المسيح يحث على محبة الأخوة إذ يقول: "لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!" (مت ٧: ٣- ٥).
وأعطى مثالًا للمناضل نيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا الأسبق الذي ظل سنوات طويلة في السجن  بسبب دفاعه عن شعبه وحينما خرج أعلن تسامحه مع الجميع وقال مقولته الشهيرة: "الشجعان لا يخشون التسامح".
كما قدم مثلًا من داخل مصر وهو "بيت العائلة المصرية" الذي تأسس بهدف نشر المحبة والتسامح.

٢- صناعة السلام:
وأكد أنها صناعة صعبة ولا بد تتوافر لدينا الشجاعة في تقديمها "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ" (مت ٥: ٩)، وألمح إلى لجنة صناع السلام التي شكلتها الكنيسة القبطية مشيرًا إلى أن لها عمل قوي في تنمية الوعي ونشر الفكر المتسامح.
.
٣- السعادة:
وفي هذا قال قداسته: "إن تقديم المحبة والعيش في سلام يولد سعادة، والسعيد يضفي على الحياة سلامًا". وأضاف: "إن العالم ملئ بالبشر ولا يحتاج إلى مزيد من الناس من حيث العدد بقدر احتياجه إلى بشر لديهم القدرة على تغيير وجه العالم ونشر السعادة فيه، "تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ" (رو ١٢: ٢).

واختتم بالتأكيد على ضرورة إيجاد مجتمعات تنشر السلام، والسعادة وتعمل لصالح كل ما يساهم في الحياة الأفضل للإنسان، مدللًا باهتمام الكنيسة القبطية، باللاجئين السودانيين، حيث تكفلت بإنشاء مدرسة خاصة بهم، كما وأنها تهتم بهم من كل النواحي.