رامى المتولى يكتب: Blonde يكشف الوجه القبيح لمدينة الأحلام

مقالات الرأي

بوابة الفجر

التوقعات فى الغالب تشوش على الآراء فيما يتعلق بمشاهدة الأفلام السينمائية والحكم عليها، كثيرا ما يحكم الجمهور والمتخصصون على فيلم بعينه إنه جيدًا أو سيئ وفقا لتفاعلهم مع موضوعه، وليس حكمًا مبنى على الجودة الفنية وطبيعة تناول الموضوع من قبل المخرج وصناع الفيلم ومبدعيه، وفى بعض الحالات يكون الحكم قادما من انعكاس حالات شعورية على ما يشاهده الجمهور، وهو أمر مطلوب وفى الحقيقة هو الأساس المبنى عليه أى عملية فنية، لذلك دائما ما تكون التوقعات والشعور نوعا من أنواع التفاعلات التى تدل على تأثير العمل الفنى وهى بلا شك علامة نجاح أيًا كانت هذه الآراء، لأن النجاح المقصود هنا هدفه لفت الانتباه وإثارة قضية معينة ومعها إثارة حوار حولها، وهناك أيضًا تشوش نفس الجمهور حول القضية الخاصة بالعمل، والتى تدفع بهذا الجمهور إلى رفضه لمجرد اعتقادهم أنه يناقش قضية معينة وأن تناوله للقضية لا يسير مع أجندتهم ومعتقداتهم وبالتالى يكون العمل سيئًا فى هذه الحالة من وجهة نظرهم، لكن فى الحقيقة العكس هو الصحيح، لأن مجرد تصحيح قضية العمل سيدفع إلى رؤيته بشكل مختلف تمامًا.

كل الحالات السابقة تنطبق بشكل واضح على فيلم Blonde، والذى قوبل بعاصفة من التصفيق الاستحسانى من جمهور الدورة الـ٧٩ لمهرجان فينيسيا عند عرضه الأول، وهو نفس الفيلم الذى انتقده الجمهور وتعاملوا معه من منطلق سلبى لمجرد أنه يدمر صورة أيقونة العصر الذهبى لهوليوود مارلين مونرو، والبعض لأنه كئيب مقبضً يضع صورة شديدة السوداوية والقتامة لمجتمع صناعة الترفيه الأهم فى العالم، وبصورة مناقضة للصورة فى مخيلة الجميع، وهناك قطاع لا بأس به كان متوقعًا أن يشاهد فيلم سيرة ذاتية تقليدى عن شخصية تعد أيقونة الأنوثة والجمال فى العالم، وأنهم سيشاهدون هوليوود الخمسينيات حسب صورة الوعى الجمعى لدى المعظم والمستمدة من الأفلام فى الحقيقة وطبيعة تصويرها للمجتمع آنذاك، وهو ما ليس صحيحًا، لوس أنجلوس فى ذلك الوقت كانت مدينة كأى مدينة تحوى الخير والشر وبدرجات.

على هذا الأساس كانت رؤية المخرج أندرو دومينيك لمارلين مونرو وهوليوود ولوس أنجلوس وصناعة الترفيه هناك من وقتها وحتى الآن صادمة، وهو أمر ليس غريبًا عليه خاصة وأن أعماله دائما -على قلة عددها- تتصدى لوجهة نظر مغايرة تكشف وتعرى الطبيعة البشرية بشكل حقيقى ويلجأ دائما إلى إبراز مواقف صادمة وغير متوقعة لشخصيات أفلامه، وهى نفس الشخصيات التى يرتبط بها الجمهور ويفضلها على غيرها ثم يفأجأ بتصرفاتها البشرية التى تتسم بالضعف أو الندالة أو الصفات السلبية، ثم يوضح تأثير القرارت المتخذة بناء على هذه التصرفات وعظم أثرها على حياة شخص أو أشخاص ليتحول المشهد البسيط الذى يعرضه داخل فيلمه إلى نقاش فلسفى حقيقى عن تصرفات البشر مع إسقاط على الوقت الحالى، هكذا بمنتهى البساطة وباختزال غير مخل مدعوم بجماليات بصرية لا تفارق لقطة واحدة من لقطات أفلامه، وبالتأكيد فيلمه الأحدث Blonde. الحقيقة أننا أمام فيلم مؤلم، يكشف حقيقة مدينة الأحلام المحطمة هوليوود، والتى تصر دائما على أن تحصل ثمن تحقيق الأحلام والأمانى تحت مظلتها، يكشف أيضًا كم الآلآم والعذاب الذى يقع على كاهل الممثل، الذى يتوحد مع شخصيات خيالية لدرجة التأثير على صحته النفسية، وحتى الآن يرحل عدد من الفنانين جراء هذه الضغوط والكثير منهم لا يحظون بحياة اجتماعية تقليدية نتيحة هذه التقلبات، اختار المخرج أن يعبر أيضًا على الضغوط التى تُمارس بمنهجية على السيدات فى أى مكان لمجرد رغبتهم فى تحقيق ذواتهم، والتى لم تختلف كثيرًا من الخمسينيات وحتى الآن، ومشهد تجربة الأداء الأول لمارلين مونرو فى الفيلم والذى لم يتعد ثوانى قليلة لكنه كان مؤلما ضاغطا ويمثل صدمة حقيقة تكسر الصورة النمطية الوردية لدخول النجمات إلى الصناعة، الإحباط القادم من هذا الفيلم فى حقيقته قادم من الصدمة فى طبيعة نمط الحياة الذى يعد حلمًا عند ملايين البشر بتحقق الثراء والشهرة وتبنى نمط حياة يروه رغدًا، وفى الحقيقة هو ليس كذلك، وهى نفس الرؤية التى تبناها داميان شازيل فى فيلمه La La Land قبل سنوات معبرًا عن تحطم الأحلام فى هوليوود على صخرة الطموح، والتنازلات التى يدفعها الفنانون لتحقيق طموحهم، لكن فى Blonde يتبنى آندرو دومينيك تأثير النشئة واستغلال البعض طموحات البعض الآخر لتحقيق مكاسب مادية وجنسية على حسابهم وحساب مشاعرهم. وليس هناك فى أفلام العام حتى الآن أبلغ بصريًا من المشهد الافتتاحى لفيلم Blonde وتصويره المدينة وهى مشتعلة تسيطر عليها النيران من كل حدب لكن دون أن تأكلها ظاهريا، لكنها فى الحقيقة تحول صدور البشر فيها وحالتهم النفسية إلى رماد، فالحقيقة أن والد مارلين مونرو لم يكن شخصًا مهما فى هوليوود حسب الفيلم، وهى معلومة منتشرة وسهل التأكد منها ببعض البحث، لكن فى الحقيقة أن اختيار المخرج تبنى هذه القصة وربط حالة مارلين النفسية بها وبصورة والدها الخيالى حسب رواية الأم فى طفولتها، يدين الاستغلال ويكشف وجهًا قبيحًا لمدينة الأحلام، ويشكل مرثية لسيدة جميلة عاشت فى الأربعينيات من القرن الماضى وحققت شهرة ودفعت فى مقابلها تعاسة لم تكن تستحقها وفى الوقت نفسه هو مرثية لكل سيدة تعانى نفس معاناة مارلين مونرو حتى الآن، أى أن الفيلم ليس سيرة ذاتية عن مارلين مونرو بل هو أكثر سيرة ذاتية للحالمات.