د. محمود جلال يكتب: الابتكار في كينيا من منظور مؤشر الابتكار العالمي (ج2)

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

التحديات التي تواجه تمويل الابتكار والحلول التي تقدمها مجموعة إيكويتي

يشكل الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يخضع للضرائب أو الرقابة الحكومية جزءًا كبيرًا من الاقتصاد في كينيا، بسبب انخفاض الثقافة المالية خاصة بين الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يصعب عليها الانتفاع بالخدمات المالية المختلفة بما فيها القروض بسبب عدم توافر البيانات والسجلات المالية اللازمة لحساب الدرجات الائتمانية لأعمالهم، وبدونها تكون هناك خطورة في فشل هذه الشركات وتخلفها عن سداد القروض إذا تمكنت من الحصول عليها. 

ونظرًا لضعف حماية حقوق الملكية الفكرية مثل براءات الاختراع والعلامات التجارية في كينيا وعدم وجود إطار قانوني لاستخدام حقوق الملكية الفكرية كضمان للحصول على القروض، مما يصعب على رواد الأعمال والمبتكرين تقديم الضمانات الكافية للحصول على القروض لتمويل ابتكاراتهم، 

كما يواجه تمويل الابتكارات الزراعية الأكثر أهمية لتوفير الغذاء بها صعوبات أكبر تتمثل في مخاطر التغيرات المناخية التي تزيد من مخاطر التمويل الزراعي.

أيضا نجد أن جهات التمويل تقوم بتمويل الابتكار فقط في الشركات التي تقدم منتجات وخدمات ونماذج أعمال وتكنولوجيات ذات مستقبل تسويقي واعد. 

وللمساعدة في مواجهة هذه التحديات التي تواجه تمويل الابتكار في إفريقيا قامت مجموعة إيكويتي بإطلاق مجموعة من برامج التمويل التي تدعم النظام البيئي للابتكار، وتتوائم مع جميع أنواع الشركات في جميع القطاعات الاقتصادية عبر المراحل المختلفة لدورة حياتها من الشركات الناشئة متناهية الصغر إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وحتى الشركات متعددة الجنسيات.

ومنها برنامج لنموذج مبتكر قائم على الإدخار للتمويل وفيه تقوم الأسر الفقيرة بالادخار بالمجموعة حتى تتمكن من الحصول على قروض بشروط مرنة تساعدهم على استمرار وتطوير أعمالهم الصغيرة، وزيادة استثماراتهم بإختلاف أنواعها من تجارية أو صناعية أو زراعية. كما يتم تعليمهم المهارات الأساسية للإدارة المالية لمساعدتهم على إدارة مواردهم بشكل أفضل.

حيث يساعد هذا النموذج المجتمعات الفقيرة على زيادة دخلها من خلال تسهيل خدمات الادخار وإمدادهم بالتمويل اللازم دون تكبدهم ديونًا مفرطة أو فوائد عالية، وحماية مدخراتهم المالية المحدودة وتحويلها إلى استثمارات تحقق عائدات على مدخراتهم. 

حيث وصلت تكلفة التمويل من خلال المجموعة إلى 2.9% في ديسمبر2019 وهي أقل بكثير من باقي البنوك، الأمر الذي أدى إلى نشر ثقافة الادخار بين عموم الشعب وزيادة الودائع بالمجموعة من 1.15 مليون دولار أمريكي في عام 1994 إلى 4.82 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2019، وزيادة حجم القروض المقدمة من 350 ألف دولار أمريكي في عام 1994 إلى 3.66 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2019، 59% منها لتمويل الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، في حين بلغ نصيب الشركات الكبيرة فقط 13%. 

كما قامت المجموعة بتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المشاركة في الصادرات التجارية الدولية بقيمة بلغت 36% من إجمالي قيمة القروض التي تقدمها بالعملة الأجنبية، والتي بلغت 1.32 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2019، وذلك لدمجها في سلاسل القيمة العالمية من أجل تعزيز القدرة التنافسية للصادرات في كينيا، حيث قامت المجموعة لتوفير هذا النقد الأجنبي باقتراض بلغ 567 مليون  دولار أمريكي في ديسمبر 2019 من مؤسسات تمويل التنمية، مثل مؤسسة التمويل الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومجموعة KfW، وبنك التنمية الأفريقي، بالإضافة للتحويلات المالية من الكينيين في الخارج.

الأمر الذي جعلها تعتبر رائدة في احتضانها وتمويلها لرواد الاعمال في كينيا، إيمانًا منها بقدرة رواد الأعمال على حل أكثر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تحديًا وتقديم حلول ابتكارية لها قابلة للتطبيق والتوسع في نطاقها.

وتتوافق هذه الرؤية مع دراسة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وفيها أن الشركات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة لديها القدرة على تحويل الأفكار والتكنولوجيات والاختراعات والمعرفة الصناعية الجديدة إلى منتجات وخدمات وأسواق ومؤسسات جديدة ومربحة. ولكنها في ذات الوقت معرضة للكثير من المخاطر التي تهدد بقاء هذه الكيانات، ومنها عدم القدرة على إدارة نشاط تجاري والاستمرار في الابتكار واحتمالية تخلفها عن سداد القروض، ففي دراسة في عام 2018 صادرة عن مكتب دعم إدارة الأعمال الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية أفادت بأن فقط 50% من الشركات الناشئة استطاعت البقاء لمدة 5 سنوات، في حين استطاعت فقط 30% من هذه الشركات البقاء حتى 10 سنوات.

لذلك تقوم مؤسسة Equity Group التابعة للمجموعة لتحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي في كينيا  برعاية رواد الأعمال والمبتكرين من خلال برنامج البداية والتحسين الخاص بمنظمة العمل الدولية حيث قامت منذ عام 2011 بتدريب أكثر من 52،000 من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على ريادة الأعمال، والتي أدت لخلق وظائف إضافية بعدد أكثر من ضعف هذا الرقم من الشركات المتدربة. 

كما قامت المؤسسة بإطلاق برنامج المعرفة المالية لإفريقيا لتنمية الثقافة المالية بالشراكة مع MasterCard Foundation حيث يقدم البرنامج تدريبًا لأكثر من مليوني شاب وفتاة على الميزانيات والادخار وإدارة الديون والخدمات المالية، وبلغ قيمة الانفاق على هذه البرامج التدريبية 53.5 مليون دولار أمريكي في ديسمبر 2019 بما يمثل 13% من إجمالي البرامج الاجتماعية الخاصة بالمؤسسة.

وفي القطاع الزراعي الذي يعتبر من القطاعات الرئيسية بكينيا تساعد المؤسسة الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة العاملة في معالجة المنتجات الزراعية وتسويقها ونقلها في الحصول على التمويل لمساعدتها في التطور من خلال استخدام التكنولوجيات الحديثة بحيث تصبح أكثر استدامة، وكذلك للمزارعين لمساعدتهم في التغلب على مخاطر الطقس من خلال تمويل تطبيق التكنولوجيات الزراعية مثل الصوبات الزراعية، والري بالتنقيط أو بالرش، أو تمويل زراعة المحاصيل عالية الغلة والمقاومة للجفاف وأصناف المحاصيل الغذائية المختلفة.

حيث تقدم لهم أنظمة تمويل مبتكرة تتضمن ضمانات تشاركية لمجموعة من المقترضين، أو استخدام المخزون الحالي (تمويل ما بعد الحصاد) أو المنتجات الزراعية المزمع إنتاجها (تمويل ما قبل الحصاد) كضمان، أو استخدام بيانات التدفقات النقدية السابقة أو المتوقع أن تتلقاها في المستقبل كضمان دون الحاجة لضمانات مادية من أصول أو ممتلكات، وكل هذه الجهود المبذولة بحيث يتم دعم جميع مراحل سلاسل القيمة الزراعية.

كما قامت وكالة التأمين EIA التابعة للمجموعة بتقديم برامج مبتكرة مع شركات التأمين، مثل التأمين على المحاصيل والثروة الحيوانية لمساعدة المزارعين في إدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ.

التقدير المحلي والدولي لنجاحات مجموعة إيكويتي في كينيا 

لقد كللت جهود مجموعة إيكويتي في كينيا بالكثير من النجاحات فمنذ عام 1994 والمجموعة تحقق معدل نمو بمقدار عشرة أضعاف كل 5 سنوات سواء في عدد العملاء أو حجم القروض المقدمة أو إجمالي قيمة الأصول أو الأرباح المحققة، حيث نجد أن عدد العملاء قد ارتفع من 12 ألف في عام 1994 إلى 13.9 مليون في سبتمبر 2019، وأيضا نما إجمالي أصول المجموعة من 1.22 مليون دولار أمريكي في عام 1994 إلى 6.73 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2019 بما يمثل 6.88٪ من الناتج المحلي الإجمالي لكينيا. 

مما جعلها تتمتع بأعلى قيمة سوقية في بورصة نيروبي للأوراق المالية وفي شرق ووسط إفريقيا، حيث بلغت قيمتها السوقية 2.34 مليار دولار أمريكي في يناير 2020، 300 مليون دولار منها هي قيمة ابتكارات حلول التكنولوجيا المالية الخاصة بالمجموعة.

ويرجع ذلك بسبب الحلول المالية المبتكرة التي تقدمها والتي جعلت التمويل متاحًا للجميع، مما جعلها تتمتع بحصة سوقية تزيد عن 50٪ من الحسابات المصرفية في كينيا، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في أن يصبح معدل السكان البالغين في كينيا الذين لهم حسابات بنكية وسيادة الشمول المالي 89% في عام 2019 بعد أن كان فقط 4% في عام 1994.

وتم تصنيف المجموعة عالميا من قبل مجلة بانكر في المرتبة 844 من حيث إجمالي حجم الأصول، والمرتبة 15 من حيث العائد على إجمالي الأصول، والمرتبة 32 من حيث الأرباح على رأس المال.

وبفضل استثمارات المجموعة في الابتكارات المالية عبر الهاتف المحمول تمكنت من الحصول على أكثر من 20٪ من حصة سوق المال عبر الهاتف المحمول في كينيا منذ إطلاق شبكتها الافتراضية للهاتف المحمول Equitel في عام 2015، حيث أدت هذه الابتكارات إلى تسهيل الخدمات المصرفية وأصبحت إلكترونية في متناول الجميع أينما كان الشخص بل وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. 

حيث بلغ نصيب المعاملات الإلكترونية لدى المجموعة في ديسمبر 2019 إلى 97% من إجمالي المعاملات، وتفصيلا بلغت المعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول والإنترنت 79%، والمعاملات عبر وكلاء تابعين للمجموعة 11% الذين وصل عددهم إلى أكثر من 40 ألف وكيل في كينيا، وأجهزة الصراف الآلي (ATM) 4%، وأخرى 3%، بينما بلغت التعاملات من خلال الفروع فقط 3%. 

لقد مكنت ابتكارات المجموعة باستخدام الذكاء الاصطناعي (A.I) والتعلم الآلي (machine-learning) من صرف 93٪ من القروض بكفاءة عبر الهاتف المحمول، وفقط 7% من خلال الأفرع.

وأدى تكاملها مع شركات بطاقات الدفع العالمية وابتكارتها في نقاط البيع المتنقلة (mPOS)، وضمها لتجار التجزئة داخل أنظمتها الإلكترونية، إلى استحواذها على 60٪ من حصة الخدمات المصرفية التجارية في كينيا، حيث استطاعت المجموعة تحويل كينيا إلى اقتصاد غير نقدي. 

كما أدى أيضًا تكاملها مع شركات التكنولوجيا المالية العالمية إلى أن تستحوذ على حصة سوقية تقارب من 50٪ من تحويلات المغتربين الكينيين، لتصل إلى 1.42 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2019.

وتعتبر مجموعة إيكويتي بابتكارتها المتعددة نموذجًا يحتذى به، فمنذ  تسعينيات القرن الماضي وهي تقدم الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية التي أتاحت الخدمات المالية والتمويل لغالبية الكينيين مما جعلها تفوز في عام 2007 بجائزة الرؤية العالمية باعتبار مبادراتها نموذجًا سيغير الاقتصاد العالمي، وتم تصنيفها من قبل جريدة Financial Times ومؤسسة التمويل الدولية كأكثر البنوك استدامة في إفريقيا في عام 2009، وفي عام 2010 لقبتها جمعية الكمبيوتر في كينيا بالأفضل في تطبيقات تكنولوجيا الهاتف المحمول، كما لقبتها مجلة المصرفي الأفريقي في عام 2011 بالبنك الأكثر ابتكارًا في إفريقيا. وصنفتها The Banker في عام 2016 كأكثر البنوك ابتكارًا وأفضلها خدمة مصرفية عبر الهاتف المحمول.

كما حازت المجموعة منذ عام 2015 وباستمرار على جائزة أفضل بنك في مجال الخدمات المصرفية التقليدية وعبر الإنترنت والهاتف المحمول من Think Business. وفي عام 2018 حصلت على جائزة مصرفي شرق إفريقيا كأفضل مقدم عروض إلكترونية وكأكثر  البنوك ابتكارًا في كينيا. كما حصلت على جائزة أفضل بنك للشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا لعامي 2018 و2019 من قبل منتدى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابع للشراكة العالمية لمجموعة العشرين من أجل الشمول المالي GPFI)).

وللحديث بقية.