ابن آدم والخطيئة الكبرى.. هل يدرك الإنسان الحقيقة كاملة

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

 

يتناقل الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما نشره الكاتب البرازيلي الشهير "باولو كويلو" كقصة قصيرة حول مفهوم بنائية الإنسان؛ ليقول فيها:

"كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة، وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة.. ثم عاد لقراءة صحيفته.. ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم.. إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة! فتساءل الأب في ذهول وعجب: "هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟!

رد الطفل قائلا: لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم"... كانت عبارة عفوية؛ ولكنها كانت جميلة وذات معنى عميق.

كيف ننبني من جديد؟ وكيف تكون البناية؟

يسعى المرء منا كل يوم أن يعدل شيئًا ما في حياته، ربما مهاراته، ربما أخلاقه، ربما يتنازل عن خصلة سيئة كان يمارسها.

يقولون أنَّ بناء سور الصين العظيم، لم يكن خط الدفاع الأول ضد شعوبها التي كانت تعاني ويلات الغُزاة، وأنَّ خيانة أحد الحراس التي عينتهم السلطة حينئذ على باب السور، كانت السبب في دخول الغزو لهم في كل مرَّة، إلى أن عرفوا الحقيقة بأن "بناء الإنسان خيرٌ من التطاول في البُنيان، وأنَّ ألف حصن مهما بلغت قوته، لن يغنيهم عن إنسان ذوي ضمير حيّ".

إن الضمير الحيّ الذي ينبض فينا هو سر هذا البناء، فكلما كان السقوط، أو التخلُّف عن الركب كان اللحاق واستكمال المسير، وكلما كانت الغفوة أشد كان الضمير سبَّاق نحو اليقظة من جديد.

خطيئة آدم

يقول أحد المتأملين في حقيقة الحياة أن خطيئة آدم كانت الاختبار الأول الذي من خلاله أدرك ضرورة الهبوط إلى الارض، فالنزول كان حاصلًا لا محالة، فالله يقول في الذكر الحكيم " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة الآية 30.

فيبدو هنا أنَّ مخالفة آدم وخطيئته التي تاب منها كانت الباب لحمل المسؤولية وبداية القصة.. قصة الدنيا.  فالجنة التي كان فيها آدم، كانت مرحلة الإعداد الكبرى له؛ لتولي المسؤولية على وجه الأرض.

الجميل في الإنسان

الجميل أن هذا لإنسان قد جُبِل على الخطا وكذا على النسيان، وربما لولا هاتان الخصلتان لما استطاع إكمال الحياة. فيروي أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن الرسول صلى الله عليهع وسلم في حديثه الشريف: " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله  -تعالى، فيغفر لهم". "رواه مسلم". 
وفي حديث آخر يرويه عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم قال: " ما مِن عبدٍ مؤمنٍ إلَّا وله ذنبٌ يعتادُه الفَينةَ بعدَ الفَينةِ أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يُفارِقُه حتَّى يُفارِقَ وإنَّ المؤمنَ خُلِقَ مُفْتَنًا توَّابًا نَسَّاءً إذا ذُكِّرَ ذكَر."

وبالنظر إلى هذهين الحديثين ندرك تمامًا أننا لسنا بملائكة، وأنَّ الخطيئة فينا نرثها وكذلك النسيان، ومن يتكبَّر على الخطيئة، بخلاف أن يقع في الخطأ، كمؤكدٌ أنه لا يرى التجربة.

تُرى؟

كم مرة أخطأت الطريق نحو عملك أو بيت أحد أقرانك، فتعلق بذهنك خريطة طرقاته ولم تعد تنساه؟
كم مرَّة كنت تحتاج إلى نسيان فشلك ومخاوفك كي تكمل طريقًا قد بداته.. دراسةٌ أو غيرها؟

ليست دعوى للخطيئة

بالطبع هذا ليس مجالًا أو دعوة لأجل ممارسة ما يعدَّ داخلًا في مفهوم "الخطيئة"، لكنّ الحقيقة الكبرى أن من لم يعترف بالخطايا لم يدرك الحقية كاملة، ومن لم ينس أو يتناسى الويلات والآثار سيظل مُجبرًا على العيش في وهم كبير، وهم أنه فوق البشر.

ودمتم،،