العراقيون بين سرقة القرن ومسارات لاسترداد الأموال المنهوبة.. ماذا يحدث؟

عربي ودولي

العراق - أرشيفية
العراق - أرشيفية

أصبح العراق بلدًا ينهشه الفساد، حتى كاد لا يتبقى منه شيء لمواطنيه الكادحين، وأخذ ينتشر ويتسع نطاقه حتى بات سياسة يسير عليه الطبقة الحاكمة السياسيين في بغداد والذين فشلوا فشلًا ذريعا في وضع المصلحة الوطنية فوق أي شيء آخر.

سرقة القرن

وفي السياق ذاته، قالت الحكومة العراقية يوم الأحد الماضي إنها سوف تسترد جزءا من الأموال المختلسة من مصلحة الضرائب، التي تقدر بـ2.5 مليار تقريبًا، حيث يأتي ذلك في إطار مخطط ضخم يشارك فيه شبكة كبيرة من المسؤولين، حسب شبكة سكاي نيوز عربية.

ومن جانبها، أعلنت الحكومة العراقية في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن هناك نحو 182 مليار دينار عراقي أو 125 مليون دولار من مبلغ مالي مختلس سوف يسترد من خلال مصادرة ممتلكات وأصول مملوكة لرجل أعمال متهم في قضية فساد.

وأوضح السوداني في البيان أن التحقيق لن يجعل أحدًا متورطًا في القضية يفلت منها مهما بلغ الأمر، وأن الحكومة تعمل على قدم وساق من أجل استعادة كامل المبلغ المسروق، مضيفًا أن التحقيق ثبت إدانة اشخاصًا متورطين.

زعيم المخطط

وفي وقت سابق، صرف رجل الأعمال نور زهير جاسم رجل الأعمال، المبلغ المسترد، والذي قبض عليه على غرار تورطه في القضية إلى جانب مسؤولين من مصلحة الضرائب الحكومية، وكان ذلك بعد سحب الأموال من حساب وديعة ضريبية أثناء الفترة الواقعة ما بين سبتمبر 2021 حتى اغسطس 2022.

وأصبح جاسم رئيسًا تنفيذيًا لعملية الاختلاس من خلال شركتين من أصل خمس شركات تمت من خلالها سرقة الأموال، كما أنه اعتقل في أكتوبر الماضي في مطار بغداد الدولي، وحصل خلالها على اكثر من مليار دولار من الحساب، وفقًا لوكالة الأسوشيد برس الأمريكية.

كشف المخطط

تم الكشف عملية السرقة في شهر أكتوبر من خلال تدقيق أجرته وزارة المالية العراقية، أن الهيئة العامة للضرائب دفعت بشكل احتيالي ما يقرب من 3.7 تريليون دينار عراقي، وهو ما يعادل 2.5 مليار دولار، لخمس شركات.

وسددت هذه المدفوعات من خلال 247 شيكًا تم صرفه من 9سبتمبر 2021 و11 أغسطس من العام الجاري، وذلك عبر فرع الرافدين  الذي يقع تحت إدارة الدولة داخل الهيئة العامة للضرائب، وضمت هذه الحسابات مليارات الدولارات من ودائع الشركات التي كانت من المفترض إعادتها إليها فور خصم الضرائب، وقدمت حينها الشركات بيانات مالية محدثة.

ونجح القائم بأعمال وزير المالية إحسان عبد الجبار، في كشف عملية السرقة فور تلقي شكاوي من شركة نفط لم تستطيع استعادة ودائعها الضريبية.

وتحقق الوزير عن الرصيد المتبقي في الحساب، وأشارت  هيئة الضرائب إن به 2.5 مليار دولار، ولكن وفقًا لمسؤول اخر أكد أن الرصيد الفعلي تراجع إلى 100 مليون دولار فقط، وذلك وفقًا لما ذكرته سكاي نيوز عربية.

وأعرب قسم مكافحة غسيل الأموال في بنك الرافدين عن قلقه لوزارة المالية من المعدل الكبير للسحوبات النقدية، وفي فترة سابقة قد طلب الوزير السابق على علاوي أن يوافق على أي سحوبات كبيرة، لكن هيئة كبار مديري هيئة الضرائب تجاهلوا الطلب تمامًا.

وعقب تجاهل طلبه، استقال علاوي في أغسطس المنصرم، موضحًا احتجاجه على الفساد وتدخل العنصر الأجنبي في الشؤون الداخلية العراقية.

وأظهرت التحقيقات أن الشركات، التي تأسيس ثلاث منها قبل أسابيع فقط من سداد المدفوعات، قدمت مستندات مزورة لتستطيع من المطالبة بالدفعات، ولم يتمكن المحققون من متابعة الأموال لأنه تم سحبها نقدًا.

مواجهة الفساد

وعلى صعيد آخر، أمرت هيئة مكافحة الفساد العراقية منع السفر بحق رئيس جهاز المخابرات العراقية السابقة، وذلك يدخل في نطاق سلسلة تحقيقات الفساد بالبلاد، وكان أهمها القضية المعروفة إعلاميا بسرقة القرن. 

وعندما تولى رئيس الوزراء محمد السوداني تعهد باستئصال شأفة الفساد، مؤكدًا على عدم استباحة العراقيين، وفي منتصف نوفمبر قررت هيئة النزاهة العراقية تشكيل هيئة عليا للتحقيق في قضايا الفساد الإداري.

وذكر محللون أن اظهار هذه الملفات يحمل اتجاهين إما رغبة الحكومة الجديدة في التطهير أو فضح جرائم الحكومة السابقة، وذلك من أجل اقتلاع جذورهم وتعيين آخرين، ولكن هذا لا يعني أن الفساد سوف ينتهي ولكنه سيستمر النهب والسرقات، مؤكدين على أن ظاهرة الفساد في العراق أصبحت ظاهرة عامة، وفقًا لسكاي نيوز عربية.

تحركات حكومية

أعلنت الحكومة العراقية عن تحولات إيجابية في مواجهة الفساد، لا سيما فيما يعرف إعلاميا بـ "سرقة القرن"،ووضح المحلل العراقي هشام عبد الكريم أن الفساد يقع تحت مسارين "أصغر " وهو عبارة عن دائرة تضيق اولا في نطاق موظفي الخدمة العامة والرشاوي من أجل إنهاء الخدمات، ثم على شكل "اكبر" في نطاق القيادات الكبرى في الدولة.

واستطرد قائلًا أن الفساد في العراق أصبح سلوم عام لقوى السلطة الموجودة في الدولة وزاد من هيمنتها المليشيات على جميع مؤسسات الدولة، وأن الأرقام المعلنة لا تشبه الحقيقة في الواقع الأليم الذي تمر به البلاد.

ويتسابق المسؤولون الحكوميون على تهريب العملة الصعبة خارج البلاد وتكوين ثروات  ضخمة من خلال آلاف المشاريع الوهمية التي لا وجود لها واقعيا.

وذكر أن قضية القرن ليست الأولى ولا الأخيرة، فهي جزء صغير من عقدة الفساد المنتشر في البلاد، وذلك يرجع إلى اختلال مستوى رقابة أموال الدولة في الإدارة والآليات التي تسمح مرور الفساد دون أن تنتبه له أي جهة أمنية.

وأختتم حديثه لـ "سكاي نيوز عربية" أن هيئة النزاهة وديوان الرقابة غير كافيتين على دولة بحجم العراق، ولكن لا بد من تغيير جذري في النظام الإداري والتوجه نحو اللامركزية واعتماد النظم الإلكترونية لمحاربة كافة أوجه الفساد.

سنوات الفساد

يصنف العراق من أكثر الدول فسادًا في العالم حيث تحتل المرتبة 157 عالميا من أصل 180 دولة، وذلك وفقًا لمؤشرات منظمة الشفافية الدولية لعام 2021.

وأوضحت المنظمة أن البلاد تعاني بشكل كبير من الفساد رغم أنه لم تحدد ارقام دقيقة لحجمه، وفي وقت سابق كشف رئيس وزراء العراق السابق حيدر العبادي، عن وجود فيما لا يقل عن 50 ألف جندي وموظف في وزارة الدفاع يأخذون رواتبهم دون أن يكونوا لهم وجود على أرض الواقع.

وقال وزير النفط عادل عبد المهدي عام 2015، إن الموازنات العراقية منذ عام 2003 وحتى العام نفسه وصلت إلى850 مليار دولار، وهي أرقام باهظه، ولكن الفساد أهدر منها النصف، وأضاف عبد المهدي إلى أن  أصحاب المناصب العليا  استغلوها لمصالح خاصة، وذلك  كلف العراق نحو 25 ملیار دولار.