أحمد ياسر يكتب: عندما يأتي العملاق الصيني إلى المدينة

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

العديد من الاتفاقيات سيتم توقيعها خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية، وهو أول مشروع له خارج شرق ووسط آسيا منذ ثلاث سنوات، ولا شك أن استقبال السيد شي، سيكون على قدم المساواة من الترحيب علي غرار زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما توجه إلى المملكة العربية السعودية في عام 2017، في أول رحلة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

توقيت السيد بينغ وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مثالي... وتسمح الزيارة لدول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، بتنويع علاقاتها الخارجية وتحوط رهاناتها مع انتقال العالم من نظام أحادي القطب إلى نظام ثنائي القطب، إن لم يكن متعدد الأقطاب..


بالإضافة إلى ذلك، تعزز زيارة السيد شي مكانة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومملكته كقائد بلا منازع في العالم الإسلامي.


على الرغم من أن السيد شي وقادة الخليج يعتبرون زيارة الرئيس الصيني، علامة فارقة وليست أحدث التجمعات الرفيعة المستوى المنتظمة، لا يسعى أي منهما إلى تغيير البنية الأمنية للمنطقة بشكل أساسي مع الولايات المتحدة كضامن لها.


على العكس تماما

في الوقت الذي تتوق فيه دول الخليج إلى تعزيز وتوسيع العلاقات مع الصين، ترى أن زيارة السيد شي وسيلة للضغط على الولايات المتحدة؛ لتوضيح وإضفاء الطابع الرسمي على التزامها الأمني تجاه المنطقة، في الوقت الذي جعلت فيه أمريكا الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ مصدر قلق استراتيجي رئيسي ولم يرق إلى مستوى توقعات المنطقة.
وفي حديثه قبل ثلاثة أسابيع من زيارة الزعيم الصيني، أصر أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، على أن "علاقتنا الأمنية الاستراتيجية الأساسية لا تزال بلا لبس مع الولايات المتحدة... ومع ذلك، من الضروري أن نجد طريقة تأكد من أنه يمكننا الاعتماد على هذه العلاقة لعقود من الزمن من خلال التزامات واضحة ومقننة وغير متكافئة".

اعتقد أن السيد شي، ليس لديه مشكلة مع ذلك، بالعكس، فإن الصين ليست مهتمة وربما غير قادرة على استبدال الولايات المتحدة عسكريًا في الخليج، لذا، في حين أنها قد ترغب في خروج الولايات المتحدة من شرق آسيا، فإن الأمر نفسه لا يجب أن يكون صالحًا للشرق الأوسط.
وهذا يسمح للسيد شي ونظرائه السعوديين والعرب بالتركيز على تفاصيل اجتماعهم.

أصبحت دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، لاعبين أساسيين في أسواق الطاقة العالمية منذ أن أدت العقوبات التي فرضتها واشنطن على قطاع الطاقة الروسي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز في أوروبا والولايات المتحدة.

ولمكافحة ارتفاع الأسعار، سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إيجاد بدائل من خلال التواصل مع الدول التي تفرض عقوبات أمريكية مثل فنزويلا ورفع إمكانية تخفيف القيود المفروضة على إيران، كما حاول الاتصال برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وولي عهد المملكة العربية السعودية، وكلاهما رفض الرد على مكالماته.

المملكة العربية السعودية، مثل العديد من دول الخليج، هي دولة حليفة للولايات المتحدة تسعى لحمايتها من التهديدات الناشئة في المنطقة، ومع ذلك، عندما هاجم الحوثيون اليمنيون مصافي النفط السعودية في وقت مبكر من العام، كان هناك افتقار لنية جادة من واشنطن لملاحقة الجناة.
هذا لا يشير حتى إلى سخرية بايدن من النظام الملكي السعودي خلال الحملة الرئاسية الأمريكية، عندما تعهد بجعل النظام "منبوذًا" - وهي كلمات لم ينسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

والمحاولة الأخيرة كانت بزيارة إلى جدة في يوليو الماضي، وإقناع ولي العهد بزيادة إنتاج الدول الأعضاء في" أوبك +" ولم تحقق الكثير؛ تم تخفيض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا لتحقيق الاستقرار في الأسعار.

وبدلًا من الاستبطان، ذهب بايدن إلى أبعد من ذلك وهدد المملكة العربية السعودية بـ "عواقب" لوضع مصالحها الاقتصادية على مصالح الولايات المتحدة. كما صرح بشكل قاطع أن الولايات المتحدة "لن تنسحب وتترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران".

وتستمر بكين... في طريقها مؤكدة رغبتها في مواصلة العمل مع الدول العربية مستشهدة بقيمها المشتركة: احترام سيادة كل طرف، واستقلاله، ووحدة أراضيه، وعدم اعتداء متبادل، والأهم من ذلك، عدم التدخل في الشئون الداخلية.
هذا في تناقض صارخ مع إعلان بايدن أن لا الصين ولا روسيا ولا إيران يجب أن تفكر في ملء فراغ السلطة الذي خلفته الولايات المتحدة، والتي لها النغمات القاتمة للعقلية الاستعمارية، وبعبارة أخرى، قد لا تتخلى الولايات المتحدة عن ثروات الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يسعى الخليج إلى شق مساراته الخاصة نحو بكين وموسكو، والتي تقدم استثمارات موثوقة وملموسة ذات منفعة متبادلة، بدلًا من وهم الأمن الذي توفره واشنطن حاليًا.. على سبيل المثال، طلبت المملكة العربية السعودية مساعدة الصين، في تطوير برنامجها المحلي للصواريخ الباليستية للمساعدة في مواجهة التهديدات، التي لا تهتم الولايات المتحدة بالتعامل معها.

وجهة النظر التحليلية، تنظر إلى الزيارة على أنها أكثر أهمية من التبادل المعتاد بين قوتين إقليميتين حيث أن هناك اهتمامًا من المملكة العربية السعودية بالعمل على إدراجها في مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال الحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، وربما البريكس أيضًا.
في حين أن الوجود الأمريكي قد شوه المنطقة بالحروب والانقلابات على مدى القرن الماضي، فإن العلاقات الوثيقة مع الصين قد تسمح للشرق الأوسط أخيرًا بالحصول على فرصة للازدهار.

بالنسبة للعديد من البلدان، فإن جاذبية الصين تتمثل في قدرتها على توفير المشاريع التي تركز على رؤية طويلة الأجل مدعومة بالاستثمار والبنية التحتية، والتي تتماشى مع رؤية ولي العهد السعودية 2030، ولسوء الحظ، تركز الولايات المتحدة بشكل كبير على تأمين مصالحها في المنطقة وليس لديه شهية للاستثمار أو البناء أو التنمية.

على الرغم من أن الدول الغربية تعمل على خفض استهلاك النفط لتلبية الأهداف الخضراء، مما يؤدي إلى تحول طبيعي نحو الطلب من الهند والصين، إلا أن المملكة العربية السعودية قد لا تزال تواجه مشاكل في السعي وراء مصالحها بشكل مستقل، حيث من المتوقع أن تواجه مقاومة من الولايات المتحدة.. وفي هذا التوقيت تحتاج إلي شريك وداعم قوي.

المصلحة الأساسية المشتركة هي أساس التعاون الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي بين الجانبين.... وتلك  الخصائص مفقودة في انخراط الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، ولم تقدم الكثير على مدى عقود من وجودها  في المنطقة.