الحجر الأسود وفضل تقبيله

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

يقع المسجد الحرام في مكة المكرمة، وهي إحدى مدن جزيرة العرب، ويرجع تاريخ عمارتها إلى عهد إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، كما وُلد فيها رسول الإسلام محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، فكانت مهبط الوحي، والمسجد الحرام يعدّ أول مسجدٍ وُضع للناس في الأرض، بدلالة قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).

 

وتقع الكعبة وسط المسجد الحرام تقريبًا، وهي قبلة المسلمين في كلّ أنحاء الأرض، فالكعبة حجرةٌ كبيرةٌ مربّعة البناء تقريبًا، يصل ارتفاعها إلى خمسة عشر مترًا، وقد بناها إبراهيم الخليل -عليه السلام- بأمر الله تعالى، وقد تعرّضت للغزو من قِبل أبرهة الحبشي، في عام ميلاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فجاءها أبرهة بجيشٍ فيه فيلٌ يريد أن يغزوها، إلّا أنّ الله -تعالى- أرسل عليه طيرًا من الأبابيل رمته وجيشه بحجارةٍ من سجيلٍ، لا تصيب أحدًا من الجيش إلّا وهلك، ففُنِيَ الجيش بأمر الله تعالى.

 

ويضمّ المسجد في حدوده مجموعةً من الآثار الدينية، منها: مقام إبراهيم عليه السلام؛ وهو الحجر الذي كان يقف عليه أثناء بناء الكعبة، ومنها أيضًا نبع زمزم؛ وهو البئر الذي شاء الله -تعالى- أن ينبع لهاجر وولدها إسماعيل -عليه السلام- لمّا عطش، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحجرالأسود ومقام إبراهيم ياقوتتان من ياقوت الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الرُّكنَ والمقامَ ياقوتتانِ مِن ياقوتِ الجنَّةِ، طَمسَ اللَّهُ نورَهُما، ولو لَم يطمِسْ نورَهما، لأضاءتا ما بينَ المشرقِ والمغربِ).

 

ويقع بجوار المسجد الحرام جبل الصفا وجبل المروة أيضًا، ويختصّ المسجد الحرام بمجموعةٍ من الخصائص التي تميّزه عن غيره، منها: أنّه المسجد الوحيد الذي يحجّ الناس إليه من بين مساجد الأرض، كما خصّه الله -تعالى- بجعله آمنًا، وجعل الصلاة فيها تساوي مئة ألف صلاةٍ.

الحجر الأسود وفضل تقبيله

 

إنّ للكعبة المشرفة في وضعها الذي هي عليه أربعة أركانٍ، وهي: الركن الغربي، والركن الشمالي، والركن اليماني، وركن الحجر الأسود الذي يعدّ في الحقيقة حجرٌ نزل من الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (نزلَ الحجرُ الأسوَدُ من الجنةِ، وهُوَ أشَدُّ بياضًا من اللبَنِ، فسَوَّدَتْهُ خَطايا بنِي آدَمَ)،[٤] وقد شُرع في الإسلام تقبيل الحجر الأسود، واستلامه، وأخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن فضل ذلك؛ فالحجر الأسود سيُبعث يوم القيامة مبصرًا ناطقًا، فيشهد على من استلمه بحقّ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ)،.

 

وجاء أيضًا في فضل استلامه والمسح عليه، بأنّ ذلك يحطّ الخطايا عن الإنسان، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ، والركنَ اليمانيِّ، يَحُطَّانِ الخطايا حطًّا)، ويظهر ممّا ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ تقبيل الحجر الأسود واستلامه، والإشارة إليه، والتكبير سنةٌ نبويةٌ، فإذا شقّ ذلك على العبد وصعُب عليه؛ فلا حرج عليه بتركها، والسنة في ذلك أن يفعله المسلم أثناء الطواف بالكعبة المشرفة، وبين الطواف والسعي بين الصفا والمروة، إمّا إن كان ذلك يسبّب الأذى للناس، ويؤدي إلى مزاحمة المسلمين بعضهم بعضًا؛ فلا يكون ذلك مشروعًا حينها، بل يكون ترك ذلك أولى، خاصةً في حقّ النساء؛ وذلك لأنّ استلام الحجر الأسود وتقبيله سنةٌ، أمّا إيذاء الناس ففعلٌ محرّمٌ، فلا يرتكب الإنسان الفعل المحرّم والفعل المسنون في آنٍ واحدٍ.

 

الحكمة من مشروعية تقبيل الحجر الأسود

 

يقبّل المسلمون الحجر الأسود بدافع الحبّ، لا بدافع التعظيم، فالعبد إن أحبّ أولاده، أو زوجته قبّلهم، ولو كان التقبيل دالًا على التعظيم؛ للزم أن يكون جميع الرجال يعبدون زوجاتهم، وذلك أمرٌ غير معقولٍ، وبالتالي فإنّ تقبيل المسلمين للحجر الأسود لا يدلّ على عبادتهم له، وتعظيمهم إيّاه، بل هو امتثالٌ واتّباعٌ محضٌ لسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأفعاله، وهو تعظيمٌ لشعائر الله، وإظهارٌ للعبودية الخالصة له، والتسليم لأوامره، فالمسلمون مأمورن بالقيام بأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم، وليس لهم في ذلك أن يتخيّروا ما يشاؤون، حيث إنّ الله نهى عن عبادة الأحجار، والأشجار، والأوثان، وحرّم ذلك، وهو أيضًا من أمر بالطواف حول الكعبة، وشرع تقبيل الحجر الأسود، ولذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عند تقبيله للحجر الأسود: (إني أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أني رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك).