أحمد ياسر يكتب: هل أدارت الهند ظهرها لموسكو؟

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

مرت أكثر من 10 أشهر على غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، ومنذ ذلك الحين غاصت العديد من الدول ودعمت الغرب والاتحاد الأوروبي، في اتجاه مقاطعة روسيا أو فرض عقوبات حتى تسحب روسيا قواتها، أو قد يكون هناك بعض التأثير على الاقتصاد الروسي أيضًا، لكن الحالة كانت عكس ذلك تمامًا حيث انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.4٪ فقط وسيستمر في ذلك بحلول نهاية عام 2022.

ولم تقاطع العديد من الدول حتى الآن روسيا، بسبب صراعها مع أوكرانيا، ومن بينها الهند، التي اتخذت موقفًا محايدًا منذ بدء الصراع، على الرغم من أن الموقف المحايد كان يعمل لصالح الهند، والآن بعد أن استمر الصراع لأكثر من 10 أشهر، فإن العديد من الخبراء يتساءلون عن المدة التي يمكن أن ينجح الموقف المحايد فيها بالنسبة للهند.

العلاقات بين روسيا والهند.. الحرب الباردة والواقع

خلال حقبة الحرب الباردة، شكل الاتحاد السوفيتي شراكة قوية واستراتيجية مع الهند، ويتمتع كلا البلدين، بتاريخ طويل من العلاقات الودية مُتبادلة المنفعة، فمنذ حصول الهند على استقلالها في عام 1947، حافظت دائمًا على علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي، على الرغم من أن الأخير لعب دورًا مهمًا في العلاقة حيث كان الاتحاد السوفيتي مورد الأسلحة الرئيسي للهند من عام 1947 حتى اليوم، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي حافظت روسيا على نفس العلاقات الوثيقة مع الهند.

كانت المبادرة الرئيسية التي تم اتخاذها بين البلدين توقيع الشراكة الإستراتيجية في عام 2000، والتي أصبحت خطوة تاريخية، ومنذ ذلك الحين، نمت العلاقة بين البلدين بالمعنى الاقتصادي بشكل كبير جدًا، حيث كانت روسيا موردًا رئيسيًا للأسلحة إلى الهند، بين عامي 2012 و2016، وشاركت الهند وروسيا في مجموعة متنوعة من البرامج العسكرية، بما في ذلك: برنامج صواريخ كروز، وبرنامج الجيل الخامس للطائرات المقاتلة، وطائرات النقل التكتيكية، وطائرات عمودية ذات محركين، وفرقاطات عديدة.

وقعت كل من الهند وروسيا صفقة دفاعية بقيمة 2.9 مليار دولار في عام 2012، وفي عام 2018، وقعت البلدان اتفاقية أخرى، بقيمة 5.3 مليار دولار أمريكي، ستشتري بموجبه روسيا نحو خمسة أنظمة صواريخ أرض-جو إس -400، والتي تعد واحدة من أفضل أنظمة الدفاع الصاروخي في العالم.

وفي الفترة من 2013 إلى 2018، شكلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى الهند 62٪،  وحددت الهند وروسيا أيضًا هدفًا تجاريًا ثنائيًا بقيمة 30 مليار دولار، يأملان في تحقيقه بحلول عام 2025، وحتى في عام 2022، ارتفعت التجارة بين البلدين إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بلغ 18 مليون دولار، وهو ما حققته في 5 أشهر فقط، وزادت التجارة بمقدار 8 ملايين دولار، حيث بلغ الرقم 10 ملايين دولار في 2019، مع الارتفاع الحاد في التجارة، أصبحت روسيا الآن سابع أكبر شريك تجاري للهند، وهو ما يمثل دفعة كبيرة لروسيا حيث احتلت المركز الخامس والعشرين في عام 2021، وكان هناك عامان فقط في الماضي كانت فيه التجارة الثنائية بين البلدين تجاوز مستوى 10 مليارات دولار، وكانت تلك السنوات 2017 بقيمة (10686.85 مليون دولار) و2019 بقيمة (10.110.68 مليون دولار).

وتكشف الأرقام أن حصة روسيا من إجمالي التجارة الهندية قد ارتفعت إلى 3.54٪، ارتفاعًا من 1.27٪ في 2021-2022، ويمثل هذا زيادة كبيرة عن حصة روسيا السابقة البالغة 1.27٪. على الرغم من أن حصة روسيا من التجارة الكلية للهند كانت تمثل 2.1٪ في 1997–1988، إلا أن هذه النسبة ظلت باستمرار أقل من 2٪ على مدار الـ 25 عامًا الماضية.

العلاقة بين البلدين على أساس اقتصادي هي أيضًا ودية للغاية، حيث دعم كلا البلدين بعضهما البعض على مر السنين، ودافعت روسيا عن الهند بعد الاستقلال عندما كانت في حاجة ماسة إلى المساعدة، ووقفت روسيا أيضًا إلى جانب الهند خلال حرب عام 1971 ضد باكستان عندما أرادت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دعم باكستان من خلال محاولة الاقتراب من المياه الإقليمية للهند.

 

اليوم.. العلاقة في مرحلة معقدة للغاية

منذ بدء الصراع، رفضت الهند إدانة روسيا وحافظت على موقف محايد، وهذه ليست المرة الأولى التي تساعد فيها الهند أقدم حليف لها، حيث تتمتع الهند بتاريخ غني من التزام الصمت… رئيس الوزراء ناريندرا مودي ليس أول زعيم هندي يفعل ذلك.. فمن نهرو إلى إنديرا غاندي، اتخذت الهند هذا النوع من الموقف لروسيا عدة مرات،  ففي عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، اتُهمت الهند بالجلوس على الهامش، من أجل حماية المصالح الوطنية للهند، فمن المنطقي أن تتجاهل الحكومة العقوبات الغربية على تجارة النفط والدفاع….لكن من الصعب ربط تعليقات السيد ناريندرا مودي بما قاله وزير الشؤون الخارجية س. جايشانكار حول اتباع ميثاق الأمم المتحدة ومدى أهمية حماية السيادة الإقليمية بينما تواصل الهند البقاء خارج جميع الأصوات، التي تنتقد تصرفات روسيا في أوكرانيا، مثل قصف المدنيين والاستيلاء على الأراضي المحتلة.

كانت الهند الدولة الآسيوية الوحيدة التي دعمت روسيا وعارضت العقوبات الغربية، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، أصبح الوضع معقدًا للغاية بالنسبة للهند، عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن منطقتي لوهانسك ودونيتسك في أوكرانيا دولتان مستقلتان، فقد غيّر ذلك الجغرافيا السياسية في المستقبل المنظور. إذا استمر الصراع لسنوات، فقد يؤذي الموقف المحايد  الهند على المدى الطويل، حيث تحتاج الهند إلى روسيا، باعتبار  أن 60 إلى 70 بالمائة من المعدات العسكرية الهندية من أصل روسي، والهند بحاجة إلى شريكها الرباعي لمواجهة الصين، فمنذ صراع غالوان فالي في عام 2020، لا يمكن للهند تجاهل الإجراءات الروسية الأخيرة والأزمة التي حدثت نتيجة لهذا الصراع.


يبدو أن الحكومة الهندية ستغير موقفها باستمرار، وفقًا لتعليقاتها حول المشكلة. أولًا  بدأت بتصريحات، "القلق"، ثم "المؤسف"، لقد تطور رد فعل الهند على هذه القضية، بدأت الهند في الإصرار على أن تلتزم جميع الدول بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، كجزء من هذا الهدف، ومن المهم حماية حقوق الدول في تقرير المصير على أراضيها.


علي الرغم من رفض س. جايشانكار، مرارًا وتكرارًا أسئلة وسائل الإعلام الأجنبية حول الحرب و"لماذا لا تقف الهند مع الغرب وتفرض عقوبات على روسيا"، ما دام استمر هذا الصراع، فسيكون له تداعيات طويلة المدى على الأمن القومي للهند، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله الهند هو اتخاذ موقف دقيق بشأن الأزمة ومحاولة الوقوف لدعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، لأنه إذا كان الخبراء الغربيون محقين بشأن الصراع، فقد يكون من الصعب على الهند البقاء محايد إذا استمر الصراع لسنوات.

وبينما يجري الروس تدريبات عسكرية جديدة مع الصينيين ومع الاشتباك الأخير للقوات الهندية مع الصينيين في جبل أروناتشال براديش بعد اشتباكات وادي جالوان عام 2020، تحتاج الهند إلى دعم الغرب،  أكثر من الروس لاحتواء التهديد الذي يشكله الصينيون، وهي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة إذا كانت تميل إلى تعزيز حدودها وحماية نفسها من الضغط الصيني.