نص خطبتا الجمعة من الحرم المكي والنبوي

السعودية

الحرم المكي - صورة
الحرم المكي - صورة أرشيفية

نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس"، صلاة الجمعة من الحرم المكي والنبوي اليوم، حيث أوصي الشيخ الدكتور بندر بليله، إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين بتقوى الله، ذلك إن التقوى ضياءٌ ف الظلام، وجِلاءٌ في الأفهام، وعُروةٌ مالها انفصام.
وأكد خلال خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام، أن أعظمُ النِّعَمِ وأَولاها، وأكرمُ المِنَنِ وأَسناها: دينُ الإسلام، واسطةُ عِقدِ الأديانِ وتاجُها، وخاتِمةُ الشرائعِ ورِتاجُها، سبيلُ اللهِ القويم، وصراطُهُ المستقيم، فالانتسابُ له عِزٌّ ومَفخرة، والعيشُ في ظِلاله أُنسٌ ومَطهَرة، حقيقتُه الاستسلامُ لله بالتوحيد، ونفيُ الشريكِ له والنَّديد، واليقينُ بخلقه للكونِ وتدبيرُه للكائنات، وإثباتُ ما له من الأسماءِ الحُسنى، والصفاتِ العُلى، وتعظيمُه والإنابةُ إليه، وطاعتُه وطاعةُ رسولِه محمدٍ عليه الصلاة والسلام وأساسُه الكتابُ المفَصَّل، والذكرُ المنزَّل، كلامُ الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا مِن خلفه، وأضاف يقول: الصِدقُ للإسلام شِعار، والحقُّ له دثار والحِكمةُ رائدُه ورايتُه، والرحمةُ رُوحُه وغايتُه، والصلاحُ والإصلاحُ حالهُ وأعمالُه، أحكامُهُ أصَحُّ الأحكام وأسَدُّها، وشرائعُهُ أقومُ الشرائعِ وأحكَمُها، لا حَرجَ فيها ولا مشقةَ ولا عَنَت، وبها زَكاءُ القلوب، وصَلاحُ الأرواح،أباح لنا الطيبات، من المآكلِ والمشاربِ والملابسِ والمعاملات، وحَفِظَ الضروراتِ والمصالحَ والحاجيات، وحرَّمَ علينا الخبائثَ والمضارَّ والمفاسدَ في كل الحالات.
وبين الشيخ بندر بليله أن من محاسن دين الإسلام وفضائله: أنه يأمُرُ بمكارم الأخلاق، ويحُثُّ على معالي الأمور، قال النبيُّ ?: (إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالحَ الأخلاق).
وأردف قائلًا: إن الدين حَفِظَ الحقوقَ لأصحابها، وصانَ الأماناتِ لأربابها، فأمر ببر الوالدين، وصلةِ الأرحام، وإكرامِ الضيف، والإحسانِ إلى الجيران، ورِفدِ المحتاجين والدينٌ يدعو إلى التعاون والمودة والائتلاف، وينهى عن التفرق والتنازُعِ والاختلاف، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضا) مشددا على أن دين الإسلام دينُ سَعيٍ وجِدٍّ وعمل، لا دينَ عَجْزٍ وتوانٍ وكَسل، يجمع بين مطالب الروح والقلب والجسد، ويندُبُ للجمع بين الدينِ والدنيا.
وأوصى إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين بتقوى الله وأن يعلموا أن دينَ الإسلامِ أجلُّ شاهدٍ بتفرُّدِ اللهِ سبحانه بالكمال المطلق، وسَعَةِ الحكمةِ والعلم، وعَظَمَةِ نبيِّه محمدٍ عليه الصلاةُ والسلام، وأنه رسولُ الله حقًّا صِدقا، وأنه لا أحسنَ ممن أسلمَ وجهه لله، وأحْسَنَ إلى عباد الله، واستقام على دين الله، فانصبغَ قلبُه بالإخلاص والتوحيد، واستقامت أخلاقُه وأعمالُه على الهداية والتسديد.
وفي المدينة المنورة، تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي عن أمانة الكلمة، وعِظم مسؤولية النصح للمسلمين، وتذكيرهم بالعلم النافع والعمل الصالح لدنياهم وآخرتهم، مما جاء في كتاب ربنا جل وعلا، وهدي رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة أن الناس لم يسمعوا كلامًا قط أعمّ نفعًا، ولا أقصد لفظًا ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مبينًا أن هذا المنبر النبوي كان منطلق بيان رسالة الإسلام، ومنبر دعوته ومطلع شمسه، من مشرق هجرته إلى مغرب الدنيا، ومنه خطب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فوجِم البلغاء، وأطرق الفصحاء، وأُفحم الخطباء، وأصاخت أُذن الزمان إلى منطق يفيض بالبيان، ويموج بالرحمة، ويتضوع بالعدل، وينضح بالصدق، يتخلل حنايا الصدور، ويستجيش خبايا النفوس.
وقال الشيخ أحمد الحذيفي: كان إذا خطب - صلى الله عليه وسلم - احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كان يتكلم بالكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة وبين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت به قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذ الخطبَ الطوال بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفَلَج إلا بالحق، ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمز ولا يلمز، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب ولا يحصر، ثم لم يسمع الناس كلامًا قط أعم نفعًا، ولا أقصد لفظًا ولا أعدل وزنًا ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى، من كلامه - صلى الله عليه وسلم.
 

وأضاف: إن المنبر صهوة ينبغي أن يرتقيها من كان رابط الجَنان ممسكًا بعنان البيان، جامعًا لذلك عُدةَ العلم مثقفًا لذلك رماح الرأي، متدرّعًا بالإخلاص لله في حاله ومقاله، فهو من أعظم وسائل البلاغ عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - والنصح لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، والتذكير بما يجب التذكير به من العلم النافع والعمل الصالح على منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهج سلف هذه الأمة - رضوان الله عليهم - على أن دعوة الإسلام لا تقتصر على وسيلة المنبر وحده، فلا تقف دونه ولا تنتهي إليه، بل هي رسالة تتجلى في جميع جوانب حياة المسلم، دعوة وعملًا وعقيدة وأخلاقًا، فعن سعد بن هشام بن عامر، قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قالت: "كان خلقه القرآن".
وذكر أن صاحب الكلمة الصادقة حين تختلط حروف بلاغته وبيانه بروحه وعقيدته وإيمانه تشرق كلماته في النفوس والأرواح إشراقة شمس الضحى، وحين تخرج الكلمات خابيةً خامدةً لا روح فيها من روح المتكلم تخرج ميتةً هامدةً، مضيفًا أن روح المتكلم تصطبغ بها كلماته وعباراته اصطباغ الزهر بألوانه، والربيع بأثماره، والزجاج بشرابه، وهنا يتجلى الصدق وتلوح أماراته، فلا تزويق الألفاظ يحرك القلوب، ولا تنميق العبارات يشعل النفوس، ما لم توقد جذوتها بحرارة الصدق.
 

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إن للكلمة في منابر التأثير التي تعدّدت في عالم اليوم خطرًا أي خطر وأثرًا أي أثر، ولا سيما من هشّت إليه الأسماع، وارتاحت له القلوب، ورزقه الله حسن الإبانة عن مراده، وآتاه حظًا من القبول بين عباده، فإنها حينئذ أمانة ثقيلة الإد على حاملها، عظيمة المؤاخذة على قائلها، تستوجب على المتكلم أن يزنها بميزانها، وأن يحلها في مكانها، فربما كانت كالغيث إذا انهلت غواديه، أوك انت كالسهم يُصمي إذا أخطأ راميه، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.