أزمات مركبة تجعل 2022 عاما ثقيلا على اقتصاد العالم ( تفاصيل )

الاقتصاد

بوابة الفجر

 

ضربت ظاهرة التضخم المتسارع اقتصادات العالم خلال عام 2022؛ الذي يُعد عاما للأزمات والتحديات المتشعبة بامتياز ولقد عانت مختلف الدول، متقدمة كانت أم نامية، لهيب الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، جراء الضغوط التضخمية للأزمة الروسية الأوكرانية التي طالت الغذاء والطاقة، بالإضافة إلى استمرار اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية جراء سياسة صفر كوفيد وتصعيد الولايات المتحدة وتيرة حربها التجارية لتشمل الرقائق.

أمور جميعها دفعت العالم إلى حقبة التضخم، لتسارع الحكومة إلى تشديد سياساتها النقدية؛ حيث أقدمت البنوك المركزية على إقرار سلسلة متتالية من رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم، لكن كان ذلك أشبه بالمسكن الاقتصادي العرضي، حيث زادت تكاليف الاقتراض، لتتضخم معها مستويات الدين العالمي.

 

 

نقص وأزمة الإمدادات

واصلت أزمة إمدادات السلع العالمية سطوتها على حركة التجارة بين الشرق والغرب، بسبب ارتفاع كلفة النقل من جهة، وشح السفن والحاويات الفارغة على مستوى الدول المصدرة.

وحتى نهاية النصف الأول من العام الجاري، شهدت أسعار النقل ارتفاعات بلغت 800% للشحن من الشرق إلى الغرب، وسط ارتفاع حاد في الطلب العالمي على الاستهلاك، للفترة التي أعقبت جائحة كورونا، وفتح الأسواق.

 

 

الحرب الروسية الأوكرانية

فتحت الحرب الروسية الأوكرانية، مجموعة أزمات فرعية أثرت على الاقتصاد العالمي بمجمله، وليس فقط البلدين المتصارعين، إذ لم تلبث السوق العالمية التعافي من التبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا.

كشفت الحرب في شرق أوروبا، عن مجموعة من نقاط الضعف للاقتصاد العالمي، ولا يدور الحديث هنا عن الاقتصادات النامية فقط، لكن الاقتصادات الصناعية دفعت ثمنا باهظا للحرب؛ وتاليا أبرز معالم الحرب الروسية الأوكرانية.

 

 

 

أبرز ما جاء مع الحرب الروسية الأوكرانية

 

 أزمة الحبوب العالمية

واجه الاقتصاد العالمي في الربع الثاني 2022، أزمة نقص إمدادات عالمية في الحبوب، بصدارة القمح، وسط ارتفاع حاد في أسعارها تجاوز 200% كالذرة، وبنسبة 100% مثل القمح.

وتعتبر روسيا أكبر مصدر للقمح عالميا بمتوسط سنوي يتجاوز 44 مليون طن، بينما تأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة كأكبر مصدر للقمح بأكثر من 18 مليون طن سنويا، حسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "ف أو " وبسبب الحرب، تعرضت صادرات القمح من كلا البلدين للعرقلة، فيما استخدمت صادرات الحبوب كورقة سياسية ما مسها طرفا الصراع في شرق أوروبا، قبل أن يتم حل الأزمة اعتبارا من أغسطس الماضي.

 

 

الحمائية التجارية

وبسبب ارتفاع أسعار السلع الرئيسية كالأغذية والحبوب والمعادن، مارست عديد الدول من شرق الكرة الأرضية إلى غربها، حمائية تجارية، تمثلت في تعليق صادرات سلع أساسية للأسواق الدولية، كالقمح والحبوب، والزيوت النباتية، والمعادن النادرة، كالليثيوم، والنحاس، والزنك، والبلاديوم.

 

واردات الدول التي نفذت هذه الحمائية، توفير هذه السلع في السوق المحلية، لمنع ارتفاع أسعارها من جانب، ومن جانب آخر، مخاوف من طول أمد الحرب الدائرة وخلال شهور الحمائية التجارة، تجنبت عديد الدول من تقديم شكاوى لمنظمة التجارة العالمية، بشأن قرارات بلدان مثل إندونيسيا والهند وماليزيا ورومانيا على سبيل المثال، تعليق صادرات سلع حيوية.

 

معدل التضخم

بسبب ارتفاع أسعار السلع عالميا، كالمعادن والأغذية ومصادر الطاقة التقليدية، بسبب الحرب، فقد ارتفعت أسعار المستهلك في غالبية دول العالم، إذ سجلت في الولايات المتحدة قمة 41 عاما، عند 9.1% بينما ارتفعت نسبة التضخم في منطقة اليورو فوق 10% وهو أعلى مستوى تاريخي، ونفس الأمر لدى المملكة المتحدة، وعديد الاقتصادات الرئيسة.

وحتى اليوم لم تنجح جهود الحكومات ولا البنوك المركزية في كبح جماح التضخم، والذي يتوقع أن يستمر خلال العام المقبل، قبل أن يبدأ بالاستقرار خلال وقت لاحق من النصف الثاني 2023 إلا أن مديرة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجينا، أكدتا أن التضخم لن يعود إلى مستوياته الطبيعية مطلقا خلال الفترة المقبلة.

 

 زيادة أسعار الفائدة

وتعتبر زيادة أسعار الفائدة من جانب الاقتصادات حول العالم، إحدى الأدوات الرئيسية لكبح التضخم الجامح، إذ نفذ الفيدرالي الأمريكي أسرع زيادات على أسعار الفائدة منذ ثمانينات القرن الماضي.

بينما بدأت البنك المركزي الأوروبي ينفذ زيادات أخرى على أسعار الفائدة، ونفس الأمر لدى البنك المركزي في المملكة المتحدة، الذي نفذ زيادات عدة منذ نهاية 2021 حتى اليوم، لم ينجح خلالها في وقت التضخم ففي الولايات المتحدة، صعدت أسعار الفائدة من 0.25% مطلع مارس الماضي، لتصل إلى 4% بنهاية أكتوبرالفائت، وتوقعات بزيادة جديدة على أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع يعقد بتاريخ 14 ديسمبرالجاري في المملكة المتحدة، صعدت أسعار الفائدة من 0.10% نهاية العام الماضي، لتسجل 3% بحلول نوفمبرالفائت، بهدف كبح التضخم دون فائدة.

 

 

 تراجع عملات للأسواق الناشئة

كانت كل من الأرجنتين، وتركيا، ومصر، من أكثر الدول التي تأثرت بالزيادات الحادة على أسعار الفائدة، وارتفاع التضخم المحلي، نتج عنه تراجع في سعر صرف العملة المحلية.

في تركيا، وصل سعر صرف الليرة إلى مستوى تاريخي غير مسبوق بلغ 19 أمام الدولار الواحد، ونفس الأمر لدى الجنيه المصري، الذي شهد تراجعا أقدم عليه البنك المركزي ليسجل 24.6 أمام الدولار، بأدنى مستوى تاريخي وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة والمخاوف الجيوسياسية، تخارج النقد الأجنبي من أسواق جاذبة، مثل مصر، التي شهدت خروج أكثر من 18 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال العام الجاري.

 

وتظهر بيانات البنك المركزي المصري، أن سعر الدولار مطلع العام الجاري، بلغ 15.7 جنيها، قبل أن يصل إلى 24.6 جنيها بحلول ديسمبر/كانون أول 2022، وتوقعات بمزيد من التراجعات قبيل الموافقة النهائية على قرض من صندوق النقد الدولي وبسبب تراجع سعر صرف الجنيه، ارتفعت أسعار السلع المستوردة من الخارج المقومة بالعملات الأجنبية، كما تآكلت ودائع ومدخرات المصريين المقومة بالجنيه، بسبب فروقات أسعار الصرف.

 

 

أزمة الطاقة الأمريكية

وواجهت الولايات المتحدة خلال العام الجاري، ارتفاعا حادا في أسعار الطاقة وصلت فيها لمستويات تاريخية غير مسبوقة، وصلت إلى أكثر من 5.2 دولارات لجالون البنزين، ناتج عن ارتفاع الأسعار العالمية وضعف الإنتاج المحلي وتشهد السوق الأمريكية، تراجعا حادا في استثمارات الوقود الأحفوري، مع استمرار نمو الطلب، رافق ذلك حجب أمريكي لاستيراد النفط الروسي والمشتقات النفطية، ما أوقع البلاد في أزمة معروض حادة.

 

 

 إضرابات العمال

العام الجاري، شهد عشرات الحراكات لنقابات عمالية في الدول المتقدمة على وجه الخصوص، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، واقتصادات أخرى، للمطالبات بتصويب أوضاعهم المالية.

وبسبب التضخم المرتفع، تآكلت أجور العمالة في عشرات القطاعات، نتج عنه إضرابات نفذتها نقابات في قطاعات النقل البري والبحري، وقطاعات تعليمية خدماتية، الأمر الذي أحدث أزمات إمدادات، وأزمات نقل للأفراد.

 

 

 

 انهيار العملات المشفرة:

كان العام 2022، كارثيا على سوق العملات المشفرة حول العالم، مع انهيار بنوك إقراض مثل "سلسيوس"، ومنصات تداول مثل "FTX" وبلوك فاي، وعديد المنصات الأخرى.

ونتج هذا الانهيار مع هجرة واسعة للمستثمرين من الاستثمارات عالية المخاطر إلى الملاذات الآمنة بصدارة الدولار الأمريكي، نتج عنه فجوة بين الودائع المتوفرة والودائع المسجل وأمام هذه الأزمة تراجعت القيمة السوقية للعملات الافتراضية من متوسط 2.6 تريليون دولار نهاية 2021، إلى قرابة 860 مليار دولار خلال ديسمبر2022.

 

 

 أزمة الرقائق

للعام الثالث على التوالي، شهد الاقتصاد العالمي أزمة شح في معروض الرقائق، في وقت بدأت اقتصادات كبرى كالولايات المتحدة والصين، ضخ استثمارات مليارية لتدشين مصانع لإنتاج أشباه الموصلات.

وبسبب أزمة الرقائق، تضررت صناعة السيارات الكهربائية خلال النصف الأول من العام الجاري، قبل أن تخف وتيرة الأزمة بسبب تباطؤ الطلب العالمي، بفعل مخاوف الركود في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

 

الدولار الأمريكي الجبار

يلعب الدولار الأمريكي دورا كبيرا في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي؛ وهو الآن أقوى مما كان عليه منذ عقدين. فعندما يرفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة، فإنه يجعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين في جميع أنحاء العالم.

 

في أي مناخ اقتصادي، يُنظر إلى الدولار على أنه مكان آمن لركن أموالك؛ أي يكون لدى المستثمرين حافز أكبر لشراء الدولارات، عادة في شكل سندات حكومية أمريكية.

 

التضخم العالمي.. والاقتراب من معدل الذروة

لقد بات تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي واسع النطاق وأكثر حدة مما كان متوقعًا، مع ارتفاع التضخم لمستوى أعلى مما شهده العالم لعقود؛ حيث بلغ مستويات قياسية هي الأعلى منذ أربعين عاما في بعض الاقتصادات مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وتتوقف آفاق الاقتصاد على المعايرة الناجحة لكل من السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، ومسار الحرب في أوكرانيا، وآفاق النمو في الصين.

فيما أصبحت الأوضاع الخارجية أكثر صعوبة بالنسبة للأسواق الناشئة والدول النامية، وذلك في ظل الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الأمريكي، وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، مما يجعل الدول النامية معرضة لعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

 

 

الخلاصة.. مستقبل غامض

على الرغم من الإجماع على احتمال حدوث ركود عالمي في وقت ما في عام 2023، إلا أنه من المستحيل التنبؤ بمدى شدته أو المدة التي سيستغرقها.. ليس كل ركود مؤلم مثل الركود العظيم في 2007-2009، لكن كل ركود مؤلم بالطبع.

بعض الاقتصادات، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وربما الاتحاد الأوروبي، لن تكون قادرة بنفس القوة على تحمل الضربة