القمص نصيف: الخطية تفصل الانسان عن الله

أقباط وكنائس

الكنيسة
الكنيسة


تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية بنهضة داوود نبي بدء من يوم 1 يناير الله كاتب المذامير التي تقرأ في صلوات المسيحيين أكثر من 80 مرة في اليوم الواحد.
وخطية وتوبة عن داوود النبي قال القمص يوحنا نصيف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم للاقباط الارثوذكس في شيكاغو، في تصريح عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: إن الخطيّة تمّت، ولكن داود لم يَتُبْ ولم يعترف.. على الرغم من أنّ الخطيّة كانت بالتأكيد حاجزًا، فصَلَهُ تمامًا عن الله وعن النور لمدّة طويلة.
الله في محبّته للبشر، لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز33: 11). فأرسل لداود ناثان النبي لكي يقوده للتوبة.. بعد مرور شهور طويلة، كانت فيها المرأة قد ولدت ابنًا لداود.
الله يهتمّ دائمًا بتوبتنا وبتقديسنا، كجزء من اهتمامه بحياتنا الأبديّة.. لذلك يرسل لنا دائمًا رسائل وتنبيهات وتحذيرات، بوسائل متنوّعة، لكي نرجع لحضنه ونتوب فنحيا.
أوّل حقيقة تظهر لنا، أنّ الله لا يترك أولاده يهلكون في خطيّتهم وفي غيبوبتهم، بل يرسل لهم مَن ينبّههم لكي يستفيقوا ويتوبوا.
العجيب أنّه لم يخطُر على قلب داود أنّه هو المقصود في القصّة. وكأنّ خطيّته كانت حادثة صغيرة وانتهت، وطواها الزمن وغطّت عليها الأحداث التالية.. ولكن هذه ليست الحقيقة، فالخطيّة عمل بشع لا يمكن أن يعبر ببساطة، وله آثار مدمّرة، وأيضًا له ثمن سيُدفَع.
يتأكّد لنا أيضًا أنّه ليس خفيّ إلاّ وسيظهر، ولا مكتوم إلاّ ويُعلَن.. كما أوضح لنا الربّ يسوع (لو12: 2).
ونفهم أنّ الخطيّة هي إهانة للروح القدس الذي فينا، واحتقار لعطيّة الله ومحبّته لنا.. فجسدنا هو إناء وهيكل للروح القدس، وعندما نستهين بطهارة جسدنا، فنحن نحتقر الروح القدس الساكن فينا ونُرذله.
في حديث ناثان النبيّ، تتكرّر أيضًا كلمة "قتلتَ".. وهذا النوع من القتل الذي مارسه داود يُسمَّى "القتل بالمسؤوليّة".. فهناك أنواع عديدة من القتل كما يشرحها قداسة البابا شنودة، نيّح الله نفسه، في كتابه الهام: "لا تقتل".. ومنها القتل المتعمّد، والقتل غير المقصود نتيجة الإهمال، والقتل بالمسؤوليّة عن طريق التحريض أو بتكليف أحد بالقتل.. وأيضًا هناك القتل الأدبي والمعنوي، وهو يتمّ بالظلم أو التشهير أو التحقير أو نشر الافتراءات وتشويه السُّمعة.. وأيضًا هناك قتل الأجِنَّة، وهو ما يُسمّى بالإجهاض.. ويوجَد أيضًا القتل الروحي بنشر البدع والهرطقات، أو بإهمال الرعاية والتربية، أو بأحكام الحَرم الظالمة، أو بالقدوة السيّئة والعثرة.. وبالطبع يوجد أيضًا الانتحار، الذي هو قتل الإنسان لنفسه.
نلاحظ أنّ كلام التوبيخ الشديد من ناثان النبيّ لمس قلب داود.. فلم يراوغ مثلما حدث من شاول الملك السابق له (1صم15)، ولم يدافع عن نفسه أو يبرّر خطأه بأيّ شكل، وهذه نقطة هامّة جدًّا تُحسَب له.. بل انسحق واعترف بخطيّته وقَبِلَ أحكام الربّ عليه.. وكان اعترافه وتوبته هما مفتاح نجاته من الموت.
عندما قال ناثان لداود أنّك جعلتَ "أعداء الربّ يشمتون".. فهذا يلفت نظرنا أنّ عدو الخير وأعوانه يشتهون إسقاط الأبرار لكي يَشمَتوا فيهم..
من الواضح أنّ الله ينتظر توبتنا باستمرار.. ولكنّنا نحتاج إلى لحظات صدق مع النفس، تنكشف فيها ضعفاتنا أمامنا، فننسحق ونتوب ونطلب الغفران.. وطوبي للإنسان الذي يعيش مشاعر الصدق مع النفس باستمرار، فتظلّ توبته حيّة كلّ أيّام حياته..
بعد انصراف ناثان، سكب داود نفسه أمام الله في صلاة منسحقة وعميقة.. كانت هي المزمور الخمسين "ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك امحُ اثمي".. وهي أقوى صلاة توبة في الكتاب المقدّس.. حتّى أنّ كنيستنا القبطيّة الواعية وضعَتها لنا لنصلّي بها يوميًّا، لكي تتجدّد وتتقوّى توبتنا، وتتنقّى قلوبنا، ونستعيد حركة وقيادة الروح القدس في داخلنا.
في هذه الصلاة، صرخ داود لله لكي يغسله من اثمه ويطهّره من خطيّته.. كما توسَّل إليه لكي لا ينزع روحه القدّوس منه، كما حدث مع شاول الملك السابق له، والذي فارقه روح الربّ بسبب شروره وكبريائه وعناده وعدم توبته.. وفي نهاية المزمور يتشبث داود بمراحم الله التي تنسكب على القلوب المتواضعة والمنكسِرة أمامه.
على الرغم من توبة داود الصادقة، والقرار الذي أبْلَغَه به ناثان النبيّ؛ بأنّ الربّ قد نقل عنه خطيّته، إلاّ أنّه يوجَد آثار ونتائج للخطيّة، لابد أن تحدث..