مصطفى عمار يكتب: كيف تصنع «ترند فاسد»؟

مقالات الرأي



لا يمر أسبوع دون أن يتحفنا العالم الافتراضى بقضية جديدة.. نلتف حولها ما بين مؤيدين ومعارضين لها.. وقبل أن نصل لنقطة لحل هذه القضية.. ينفجر العالم الافتراضى فى وجهنا بقضية جديدة.. وهو ما يطلق عليه بلغة عالم مواقع التواصل الاجتماعى «الترند».. هذه الكلمة المكونة من أربعة حروف أصبحت الشغل الشاغل للجميع.. وكأننا فى رحلة البحث عن كنز على بابا.. كاتب هذه السطور يزعم أنه واحد ممن يجيدوا صناعة المحتوى البرامجى على مدار أكثر من 20 عامًا.. قضيتها متنقلًا بين قنوات مصرية وعربية وتعاونت فيها مع أغلب نجوم مهنة تقديم البرامج فى مصر والوطن العربى.. ورغم كل هذه السنوات من الخبرة والنجاح والفشل والصعود والهبوط.. أقف عاجزًا عن الرد عندما أحضر أى اجتماع للتحضير لبرنامج جديد وأستقبل جملة «عاوزين نبقى ترند» من مقدم البرنامج أو صناعه.. إلى هو حضرتك ده طلب ولا أمنية ولا رجاء ولا شرط لإتمام التعاقد؟!
وهو ما جعلنى أفكر فى أن أكتب لكم طريقة صناعة «الترند» الفاسد الذى يحقق النجاح سريعًا ولكنه سيختفى أيضًا سريعًا!
إذا كنت ممن يقدمون برامج المرأة التى تختص بالحديث عن العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة.. ما عليك سوى أن تتخذى أحد الطريقين.. الأول أن تصبحى عدوة للرجل فتوجهين له الإهانات وتحرضين السيدات على معاملته دون ية وحذر وأن تعرضيه لأبشع أنواع العذاب النفسى كلما سنحت لك الفرصة.. وأن تمزجى هذه الخطة بمجموعة من الألفاظ التى تجعلك تتربعين على عرش هذا الترند الفاسد بالحديث عن ضعف الرجل الجنسى وكرشه وخيانته وكل العيوب التى من الممكن أن تجعل الرجل ينهار عندما يرى أن أى سيدة فى الكون تراه من هذه الزاوية فقط،
الطريق الثانى هو أن تتحولى إلى جارية بإرادتك.. وتوجهى كلامك للسيدات بأن عليهن معاملة الرجال كعاشيقات لهم.. يرقصن لهم فى غرف النوم.. يقبلن أقدامهم.. يقمن وهم يأكلون.. يجلسن تحت أقدامهم.. وكل ما تزيد المذيعة هذه الجرعة فى حديثها وتحط من شأن المرأة وتجعلها تشعر وكأنها جارية اشتراها زوجها بثمن بخس.. تحقق مرادها فى ركوب الترند الفاسد وهجوم الناس عليها وتتحول لمادة خصبة للمواقع الصحفية وجلسات النميمة النسائية.
أما إذا كنت ممن رزقهم الله فرصة لتقديم برنامج حوارى مع نجوم الفن والتمثيل.. فما عليك لركوب الترند الفاسد سوى أن تمسح بكرامة ضيوفك الأرض وتسألينهم عن علاقاتهم غير المشروعة.. وإدمانهم للمخدرات.. وتعرضهم للتحرش والاغتصاب لو كن نجمات.. أو تجعلينهم يسبون فى زملائهم من النجوم الكبار ويشكون جحودهم.. وكلما أضفت على هذا الطريق أصبح الترند الفاسد «حليفك» ورفيق مشوارك فى النجاح..
أما إذا كنت ممن يقدمون البرامج الرياضية فما عليك سوى أن تسب جمهور الفريق المنافس وتسخر منها وتقدس نجوم
فريقك وترفعهم لمرتبة الصديقين.. وأن تضع فى خلطتك الإعلامية توليفة تعرض فريقك لمؤامرة من الدولة ليخسر البطولة مقابل النادى المنافس.. ولا تنسى أن تشكك فى الجميع، تحكيم وزارة شباب ورياضة وإعلام رياضى ومحللين الجميع فاسد باستثناء ناديك الذى تشجعه ويمولك بالعمولات وبرنامجك الذى يجب أن تؤكد فى كل مناسبة أنه البرنامج الرياضى الوحيد المحايد والذى يقف على مسافة واحدة من جميع الأندية المصرية..
أما إذا كنت ممن يقدمون البرامج المسائية المختصة بالشأن العام فمن المؤكد أنك تعلم أن الحديث فى السياسة والحكم لم يعد يصنع ترند وإنما يصنع أشياء أخرى لا داعى لذكرها.. فالأفضل لك أن تختار الشخصيات والأحداث والأماكن التى لها قداسة فى نفوس العامة والخاصة.. فمثلًا تهاجم شرب ماء زمزم وتؤكد أنه ماء قاتل.. أو تهاجم فريضة الحج وتؤكد أنها عادة وثنية.. أو تناقش هل الحجاب من الإسلام أساسًا.. ولا تنسى أن تصنع من نفسك قاضى أخلاق على المجتمع تنتقد وتحاسب المواطنين على أفعالهم حتى ولو وصل الأمر أن تحضر مواطنا لضربه بالحذاء على الهواء.. وقتها فقط ستصنع الترند الفاسد.. والأسهل أن ترمى بنفسك فى أحضان دولة شقيقة لتنتج لك برنامجك ووقتها تتفرغ لانتقاد دولتك وشعبك وكشف عوراتهم، سيكون المقابل أكثر نفعًا لك من الترند