د. رشا سمير تكتب: لا نسوي ولا نسائي..إنها قعدة مصاطب حريمي!

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

قد يكون للكلمة ألف معنى، وقد يكون للمعنى ألف مغزى وقد يحمل المغزى حل أو قد ينتهي بورطة..هكذا يختلف المعنى برغم تشابه الحروف، وهكذا تصبح للقضية قيمة حتى لو كانت الوسيلة باهتة اللون..ومن هنا كان السؤال نسائي أم نسوي؟

هل قضايا المرأة في مصر هي قضايا نسائية أم قضايا نسوية؟ أم هي مجرد شعارات وعناوين لا ترتقي إلى مستوى التنفيذ أو الدعم الحقيقي؟!

إجتاحتني تلك الكلمات وأنا أجلس في مقاعد المتفرجين لأتابع الحرب الكلامية والتراشق بالألفاظ بين مذيعتين طلتا علينا من خلال الشاشة الفضية بلا مقدمات حقيقية تستدعي ظهورهما، ومن ثم جلست أتابع رد فعل المشاهدين والمشاهدات والنقاد والمثقفين وأخيرا وليس أخرا..المجلس القومي للمرأة!.

تساءلت وأنا أضحك على كم تفاهة وسذاجة القضايا التي باتت تشغل الرأي العام في مصر، هل أصبح كل ما يشغل بالنا في خضم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم علاقة فنانة مدمنة بزوجها الذي يتاجر بسمعتها، أم الصراع الأبله بين مذيعتين ما يشغلهما هو التربع على عرش الترند؟!

والنتيجة في كل الأحوال..خراب البيوت ومجتمع بأسره يهبط إلى القاع ويستقر فيه!.

الترند وما أدراك ما الترند:

تبدأ القصة بمذيعة قررت أن تجد لنفسها مكان تحت الأضواء، ولما أكتشفت أن السياسة لم تعد مجدية وأن برامج الطهي أصبحت كثيرة وأن الثقافة لم تعد تأتي بإعلانات، إذن فالتفاهة هي عنوان المرحلة، والمرحلة هي الطريق للسبوبة، والسبوبة الأبدية طبعا هي قضية الرجل والمرأة إنه ذاك الصراع الغير مجدي الذي لم تُخلق البشرية من أجله، ولم يعد له وجود إلا في الدول التي لا تمتلك قضايا حقيقية تشغل الرأي العام.

مما لا شك فيه أن تقاطيع المذيعة الجذابة رغم تفاهة المحتوى جذبت شريحة معينة من المشاهدين، مثل الشباب الذين ليس لديهم مصدر معلومات سوى تلك البرامج، وشريحة المطلقات بعد زيجات مريرة والفتيات الساذجات، ومع الوقت تحولت المذيعة التي يعمل خلفها جيش من صُناع المحتوى وبضربة حظ ودعم خارجي إلى ترند..والترند لمن لا يعلم هو ببساطة أشبه بالجُملة التي كانت جداتنا تقوله لنا قديما: " إبعدي يا بنتي عن العك علشان ماتبقيش سيرة على كل لسان"!.

نعم..فالترند ببساطة هو أن تصبح سيرة على كل لسان!.. فهناك من يرفعونك للسماء وهناك من يخسفون بك الأرض، ولكنك في النهاية، حلو أو وحش..سيرة على كل لسان!.

هنا غارت باقي المذيعات وقررن هن أيضا أن يسلكن نفس الطريق لتصبح سيرتهن أكثر ذيوعا،

وكما ظهرت المذيعة الشقراء، جاءت المذيعة الصفراء.. 

وكما قررت الأولى أن تسب الرجل وتدافع عن المرأة وتصبح الأستاذة فاطمة وهي تدلي بدلوها ونصائحها التي تسببت في إنهيار الأسرة المصرية..قالت الثانية ولم لا؟!، إذا كان الترند هو الهجوم على الرجل فلا مانع من القليل من الحنية، ولو قررت الأخت الأولى أن تصبح نصيرة المرأة، فلماذا لا تُصبح هي نصيرة الرجل!

المثير للجدل حقا في هذه القضية ليس فقط التراشق بالكلمات ولا التلقيح المستتر بين المذيعتين وكأن البرنامج هو بيت خالتهم، ولكن ما استوقفني حقا هو دخول المجلس القومي للمرأة ورئيسته التي نالت جزء من تعليمها بالخارج في هذه المعركة التي لا تعبر عن شيء سوى التفاهة، قررت الأستاذة مايا مرسي في صبيحة أحد الأيام أن تنشر بوست على صفحتها وتوبخ المذيعة ذات الصوت الشتوي الحنون لأنها تهين المرأة المصرية وتحقر من شأنها وتقوم بتقديم شكوى رسمية إلى المجلس الأعلى للإعلام ضد البرنامج المزعوم، ومن ثم يصدر قرار من نقيب الإعلاميين بإحالتها للتحقيق في مخالفات مهنية تتعلق بمحتوى البرنامج!.

هنا تسائل الكثيرون، لماذا إذن قام المجلس القومي للمرأة بتكريم المذيعة التي هاجمت الرجل وحرضت النساء على الدخول في حرب لا سند لها ضد أزواجهن في الأعوام الماضية؟، لماذا لم نستمع إلى صوت المجلس وإعتراضه وقتها على التحريض على هدم كيان الأسرة بل ورفعها المجلس إلى السماء كأيقونة نسائية؟!

ما هذا التناقض؟

الدولة التي كرمت الأولى هي نفسها التي هاجمت الثانية، الدولة التي أشهرت أنيابها في وجه الخطأ لم تتحرك لترد على نفس ذات الخطأ..إنه يا سادة التكييل بمكيالين كلاهما خاطئ!.

المجلس القومي للمرأة..لماذا؟

بعيدا عن هذا التناقض والهري، أخذتني هذه القضية التي هي بمثابة جنازة حارة والميت وهم!، إلى تساؤل هام..

ما هو دور المجلس القومي للمرأة؟ هل دوره الدفاع عن القضايا النسوية أم النسائية؟ وهل إرتقت هذه المعركة إلى ما نسميه بمعركة الfeminism ؟

الحقيقة أن العالم كله مدرك تماما للمعنى الحقيقي لكلمة الfeminism، أما نحن في مصر فلا نعلم ولا نريد أن نعلم، فهناك فرق كبير بين النسوي والنسائي..

النسوية هي قضايا فكرية ومعرفية تهم المرأة، أو بالأحرى هي مجموعة متنوعة ومختلفة من النظريات الاجتماعية والحركات السياسية والفلسفات الأخلاقية، التي تحركها دوافع متعلقة أساسًا بقضايا المرأة، أما النسائي فهي ما يدل على الجنس البيولوجي..

وبرامج المرأة في مصر لا هي نسوي ولا نسائي، بل من الممكن تصنيفها وبكل حيادية ك (قعدة مصاطب) أو (قعدة شِلت) لأنها وعن جدارة بلا مغزى ولا محتوى.

النسوية في مصر الرائدة:

في عام ١٩٢٣ تم تأسيس أول إتحاد للمرأة المصرية، والتي كانت مطالبه تتلخص في التالي: 

رفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والإجتماعية بالرجل من ناحية القوانين وحرية إلتحاق الطالبات بالمدارس العالية، إصلاح عادات الزواج حتى يتسنى للطرفان التعارف بطريقة سليمة، إصلاح القوانين الخاصة بالزواج لوقاية المرأة من الظلم الواقع عليها بعد الطلاق، وتحديد سن الزواج بال١٦ سنة..المهم أن تأسيس هذا الإتحاد كان يعد إنجازا كبيرا في ذلك الوقت. 

بالمثل حين خرجت هدى شعراوي مع ثلثمائة إمرأة عام ١٩١٩ للتنديد بالإحتلال البريطاني كانت تلك قضية نسوية هامة وأصبح التدليل على هذه المناسبة دائما صورة لأهمية مشاركة السيدات المصريات عبر التاريخ القديم في الحياة العامة ومواقفهن الهامة.

حين سقطت أول شهيدة مصرية وهي حميدة خليل منددة بالإحتلال في مظاهرة عارمة في منطقة الحسين، ثم توالى بعدها سقوط العديد من الشهيدات مثل سعدية حسن وشفيقة عشماوي وعائشة عمرو وفاطمة رياض وبخيتة إسماعيل، كانت تلك هي القضايا النسوية التي تستحق أن تنحني أمامها الرؤوس.

حين كتبن النساء ليناصرن المرأة وخرجت أقلام حقيقية تدعم قضايا المرأة المصرية وتسلط الضوء على حقوقها، مثل قاموس السير الذاتية للنساء الذي كتبته مريم النحاس عام ١٨٧٩ وكان بعنوان معارض الحسناء في تراجم مشاهير النساء، وفي عام ١٨٩٣ نشرت زينب فواز رواية حُسن العواقب، أو وقتما نشرت عائشة التيمورية نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال..كانت تلك جميعا قضايا نسوية وحركة حقيقية لرفع شأن المرأة المصرية بالتمكين لا بالتنفير!.

العالم والقضايا النسوية:

أما القضايا النسوية التي تشغل العالم الغربي فهي بلا جدال كانت وستظل قضايا المساواة الاقتصادية والاجتماعية في ظروف العمل والأجور وقضايا الحق بالإجهاض والاستغلال الجنسي،

كما يُلاحظ دائمًا وجود نقص في حضور المرأة في العديد من مواقع السلطة العليا في الدول على المستوى العالمي، ولازالت المرأة الأوروبية تناضل باستمرار للوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة في مناصب السلطة العليا ومجالس إدارة الشركات والمحاكم القضائية والقيادة السياسية. ولا يزال نقص النساء في المناصب العليا يعيق التقدّم في القضايا من الأجور إلى المساعدات الإنسانية إلى التمييز بجميع أشكاله.

كما أن توفير الظروف الإنسانية أمام النساء للعمل والنجاح في ظل ظروف معيشية تجبرهن أحيانا للمعاناة هي واحدة من أهم القضايا النسوية التي يسعى إلى تحقيقها الغرب، الأمومة وحق المرأة في تربية أولادها بمفردها في كثير من الأحيان وما يتبعها من أعباء في ظل مهن كثيرة لم يعد للمرأة دور فيها مثل البناء والتشييد الذي يوفر فرص عمل للرجال فقط، وهو واحد من أهم مجالات العمل الآن.

كما أن الغرب يرى بل ويؤكد على أن التغطية الإعلامية المتحيّزة للسياسيات، التي تركّز على أزياء المرأة وتنظّر في تفكيرهنّ بالسياسة، تؤكّد هذه المسألة، ولذلك فليس من قبيل المصادفة أن الكثير من الدول لا تتماشى تمامًا مع التقدم في منظومة تطوير حقوق المرأة، وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بانتخاب امرأة رئيسة.

وأخيرا:

أتمنى أن يكون دور المجلس القومي للمرأة دورا أكثر فعالية، داعما للمرأة والأسرة، وأن يتم الإهتمام بالقضايا النسوية التي يتجه إليها العالم بأسره، والوقوف في محاولات هدم الأسرة المصرية من خلال حملات دعم الشواذ وغياب الهوية المصرية وإضمحلال الثقافة واللغة وتمكين المهمشات وخلق فرص عمل للنساء، وتعليم المرأة في النجوع والكفور وغيرها من القضايا الهامة.  

كما أتمنى أن ينتبه الإعلام المصري والقائمين على محتوى البرامج الفضائية على أهمية ما تقدمه مذيعات لا يمتلكن من أدوات الإعلام سوى الوجه الحسن، والتركيز في تقديم محتوى جاد يرتقي بالأسرة المصرية ويقدم نموذجا ناجحا لشبابنا وبناتنا، 

وأخيرا.. أتمنى من كل قلبي إعادة النظر في إستمرار تلك البرامج، حتى لا تتحول من محتوى بناء إلى وصلات ردح نسائية!.

                                            [email protected]