بعد اتصال السيسي.. ما لا تعرفه عن تاريخ العلاقات المصرية التركية

تقارير وحوارات

مصر وتركيا
مصر وتركيا

أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك من أجل تقديم التعازي في ضحايا الزلزال المروع.

اتصال الرئيس السيسي 

وصرح المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن السيد الرئيس تقدم بالتعازي والمواساة في ضحايا الزلزال المروع الذي أسفر عن آلاف الضحايا والجرحى، مؤكدًا تضامن مصر مع الشعب التركي الشقيق، وتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية لتجاوز آثار هذه الكارثة.

ومن جانبه؛ قدم الرئيس التركي الشُكر للسيد الرئيس على هذه المشاعر الطيبة، مشيرًا إلى أنها تؤكد عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي الشقيقين.

تاريخ العلاقات المصرية التركية

العلاقات التركية المصرية هي علاقات ثنائية بين تركيا ومصر، يرتبط البلدان بعلاقات دينية وثقافية وتاريخية قوية، وقد تراوحت طبيعة العلاقات الدبلوماسية بينهما من ودية للغاية في بعض الأحيان إلى متوترة للغاية في أحيان أخرى. بقيت مصر جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، التي كانت عاصمتها القسطنطينية في تركيا الحديثة، لمدة ثلاثة قرون، وذلك رغم شنّ حاكم مصر، محمد علي، حربًا ضد السلطان العثماني، محمود الثاني، في عام 1831.

بداية العلاقات المصرية التركية

أقامت تركيا علاقات دبلوماسية مع مصر في عام 1925 على مستوى القائم بالأعمال، ورفعت مهمتها في القاهرة إلى مستوى السفراء في عام 1948. يملك البلدان سفارات وقنصليات في عواصم الدول الأخرى. وقّع البلدان على اتفاقية للتجارة الحرة في ديسمبر عام 2005. يُعد البلدان عضوين كاملين في منظمة الاتحاد من أجل المتوسط. قُدِّرت قيمة صفقة للغاز الطبيعي بين مصر وتركيا (أكبر مشروع تركي مصري مشترك حتى الآن) بـ4 مليارات دولار. وقعت مصر وتركيا مذكرة تفاهم لتحسين ومواصلة العلاقات العسكرية والتعاون بين البلدين في 16 أبريل عام 2008.

توترت العلاقات بين البلدين بشكل كبير في مناسبات عديدة في تاريخهما، بما في ذلك فترة حكم جمال عبد الناصر لمصر في خمسينيات القرن العشرين وستينياته، وتدهورت بشدة في الفترة التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في 3 يوليو عام 2013 بعد مهلة 48 ساعة في 1 يوليو، وذلك بمناسبة انتهاء الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي وقعت بين 30 يونيو و3 يوليو من ذلك العام.

في 23 نوفمبر عام 2013، طردت الحكومة المصرية السفير التركي في القاهرة بعد أزمة دبلوماسية دامت لعدة أشهر.

العلاقات في عهد جمال عبد الناصر

تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل كبير في خضم الحرب الباردة وفي أثناء حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بسبب عضوية تركيا في حلف بغداد الذي تقوده بريطانيا، الذي اعتبره ناصر تهديدًا كبيرًا لجهوده للقضاء على الوجود الغربي في العالم العربي، وبسبب التأثير المتزايد لأيديولوجيا عبد الناصر العروبية، التي تُسمى التيار الناصري. كانت تركيا الدولة الأولى ذات الأغلبية المسلمة التي اعترفت بدولة إسرائيل (الدولة المنافسة لمصر في ذلك الوقت) وأظهرت المزيد من الانحياز الواضح للغرب. في عام 1958، دخلت مصر في اتحاد قصير مع سوريا (الجمهورية العربية المتحدة)، الجار الجنوبي لتركيا والتي كانت تتقاسم معها نزاعات دبلوماسية وحدودية طويلة الأمد، فتسبب ذلك بتوترات شديدة بين البلدين ردت عليها تركيا من خلال مشاركتها في «تحالف محيطي» سري مع إسرائيل.

وصلت التوترات إلى ذروتها في عام 1957 قبل الوحدة مع سوريا عندما أرسل ناصر، خوفًا من إسقاط حلف بغداد للحكومة السورية، قوةً عسكرية لمساعدة القوات السورية التي نُشِرت بالقرب من الحدود السورية التركية ردًا على تهديد تركي بالهجوم عندما تجمع عدد كبير من القوات على طول الحدود. كانت شبه المواجهة هذه بين القوات المصرية والتركية نقطة سوداء في علاقات البلدين، وأدت في النهاية إلى انسحاب الجانبين وانتهاء التصعيد المحتمل للأزمة.

ما بعد الثورة المصرية 2011

في زيارة الرئيس التركي عبد الله جول لمصر بعد قيام الثورة المصرية 2011 وتنحي حسني مبارك، وناقش فيها سبل دعم التعاون السياسى والاقتصادى والعسكري بين البلدين في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها مصر والتداعيات والأحداث المتلاحقة لعدد من دول المنطقة وتعزيز الشراكة المصرية التركية في العديد من المجالات.
وأكد أيضا حرص بلاده على تقديم الدعم القوى لمصر خلال المرحلة الانتقالية وزيادة آفاق التعاون معها في ظل الصداقة المتميزة التي تجمع الشعبين الشقيقين. حضر اللقاء الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة وعدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والسفير التركي بالقاهرة. وبعدها حضر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة لبحث ومناقشة سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي المشترك بين مصر وتركيا.

العلاقات في عهد عبد الفتاح السيسي

حذرت وزارة الخارجية المصرية من تدهور العلاقات منذ أن أطلق أردوغان على السيسي لقب «الطاغية» في يوليو عام 2014.
أتى ذلك بعد انتقاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي بأنه «طاغية غير شرعي»، قائلًا إنه لا يمكن الاعتماد على مصر للتفاوض على هدنة مع إسرائيل في أثناء عملية الجرف الصامد، وقال أردوغان للصحفيين: «هل السيسي شريك (في وقف إطلاق النار)؟ إنه طاغية بنفسه»، وقال «إنه لا يختلف عن الآخرين»، وأضاف أن حكام مصر الحاليين هم الذين يعرقلون قنوات المساعدة الإنسانية لقطاع غزة التي تحكمه حركة المقاومة الإسلامية «حماس». قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن تصريحات أردوغان «غير مقبولة».

ألغت وزارة الخارجية المصرية التدريبات البحرية المشتركة مع تركيا بسبب تدخل تركيا بالشؤون الداخلية لمصر.

ألغى وزير الخارجية المصري في سبتمبر عام 2014 اجتماعًا مع الرئيس التركي أردوغان بناءً على طلب تركيا بعد أن ألقى أردوغان خطابًا ينتقد مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة. نفى مستشار الرئيس التركي تخطيط قادة الدول للاجتماع. 

سلّمت وزارة الخارجية المصرية في وقت لاحق أيضًا وثيقة مصورة حول اقتراح الاجتماع الذي طرحته تركيا إلى وسائل الإعلام، ونشرتها صحيفة اليوم السابع المصرية. قررت إدارة السيسي إلغاء اتفاقية الرورو مع تركيا، ومنع تركيا من نقل الحاويات التركية إلى الخليج عبر الموانئ المصرية. أدت حملة مكثفة بدأتها مصر والسعودية ضد تركيا إلى فقدانها فوزها السهل المتوقع في عضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان مقابلة مع قناة الجزيرة بعد محاولة الانقلاب التركية في عام 2016 موضحًا أن «الرئيس السيسي ليس له علاقة بالديمقراطية، وأنه قتل الآلاف من شعبه». ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد بهذه التصريحات، وقال إن الرئيس التركي «يستمر بإثارة البلبلة ويفقد قدرته على إصدار أحكام سليمة»، وأن هذا يعكس «الظروف الصعبة التي مر بها الرئيس التركي». أوضح البيان أنه «لا يمكنه التفريق بين ثورة واضحة حيث طالب أكثر من 30 مليون مصري بدعم الجيش المصري وبين الانقلابات العسكرية كما نعرفها».

في 22 نوفمبر عام 2017، أمر المدعي العام المصري باعتقال 29 شخصًا اشتُبه بهم بالتجسس لصالح تركيا ضد المصلحة الوطنية لمصر والانضمام إلى منظمة إرهابية، واتُّهِموا أيضًا بغسل الأموال وإجراء مكالمات في الخارج دون ترخيص وتداول العملات دون ترخيص. تضمنت نتائج تحقيق أجراه جهاز المخابرات العامة تسجيل المجموعة مكالمات هاتفية وتمريرها معلومات إلى المخابرات التركية كجزء من خطة لإعادة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر.

انتقد الرئيس أردوغان الرئيس السيسي بشدة قائلًا إنه رفض التحدث إلى «شخص مثله» بعد إعدامه تسعة أشخاص أُدينوا بقتل هشام بركات في فبراير عام 2019.

اقتراح الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن

تلقت الحكومة المصرية بقيادة السيسي مقترحات للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بسبب التدهور المستمر للعلاقات بين مصر وتركيا، وهو موضوع حساس نددت به تركيا أكثر من مرة. أنتج المخرج السينمائي محمد حنفي فيلمًا بعنوان «من قتل الأرمن؟» ردًا على التوترات المستمرة بين تركيا ومصر، وكان الفلم تضامنًا مصريًا مع أرمينيا.

أعلن عبد الفتاح السيسي أنه اعترف ضمنيًا بالإبادة الجماعية للأرمن في فبراير عام 2019، فزاد ذلك من تدهور العلاقة بين تركيا ومصر.

اقتراح منح اللجوء لفتح الله كولن

دعا النائب عماد محروس الحكومة المصرية إلى منح حق اللجوء لكولن. يلاحظ محروس في الطلب الذي أُرسل إلى رئيس مجلس النواب علي عبد العال ورئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير الخارجية سامح شكري في 24 يوليو عام 2016 أن «تركيا كانت دولة مسلمة معتدلة أصبحت دولة دكتاتورية إسلامية في قبضة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه السياسي المنتسبين إليه جماعة الإخوان المسلمين»، وجادل بأنه «كان أمرًا بغيضًا للغاية» من أردوغان طلبه تسليم كولن من الولايات المتحدة عندما كان «يوفر المأوى للمئات من قادة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة الدموية الأخرى التي تهاجم مصر ليلًا ونهارًا في نفس الوقت».

يجادل محروس بأنه هناك من اتهم كولن بالتخطيط للانقلاب الفاشل غير أردوغان، واستخدم أردوغان هذا الادعاء أيضًا سببًا للانخراط في عمليات تطهير جماعية ضد المؤسسات العامة التي يُزعم أنها موالية لكولن. «قرر أردوغان في نفس الوقت تحويل العلاقات المصرية التركية إلى ساحة معركة إعلامية، وذلك مع تقديم المخابرات التركية الأموال لعدة قنوات تلفزيونية تستهدف مصر وتابعة للإخوان المسلمين». 

ذكر محروس أن نصيحته لكولن كانت عدم الانتظار حتى تسليمه، بل مغادرة الولايات المتحدة والحصول على حق اللجوء الدائم في مصر.

منح الرئيس المصري السابق أنور السادات حق اللجوء للشاه محمد رضا بهلوي بعد وصوله إلى مصر من الولايات المتحدة، وذلك بغض النظر عن جميع التهديدات التي صدرت عن آيات الله خلال الثورة الإيرانية.

في كأس العالم لكرة القدم المقام في قطر ألتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتم التسليم علي بعضهم البعض.