الدَّرسُ الأعظم .. قِبلَةً ترضاها

النصف من شعبان 2023.. عِظة المسلمين من تحويل القبلة

إسلاميات

احتفال ليلة النصف
احتفال ليلة النصف من شعبان 2023

النصف من الشعبان.. الليالي المباركة أيام الله، يهبها من يشاء من عباده، لكنَّ كرمه الأشمل حالة من الروحانية لا يقتنصها إلا عبدٌ طائع، كيِّسٌ، فطِنٌ.

النصف من شعبان يعدُّ إحياءً لأصيل القِيَم، فمن يعرف القصَّة كاملة، يستطيع إحياء الذكرى بزفاف النفسِ إلى الارتقاء نحو المعبود، والتعرُّف على الليلة المُباركة، فأن تحتفل بوعي لتذوقَ اللَّذة الإيمانية، وتستشعر أجواءًا نبوية، تأخذك إلى عهد الأشراف.. عهد النبي صلوت الله عليه وسلامه، والصحبِ الكِرام.

ليلة النصف من شعبان

ماذا حدث في النصف من شعبان؟

يحتفل المسلمون في العالم العربي والإسلامي كلُّه بحلول ليلة النصف من شعبان 2023، والتي تقول أصحُّ الروايات أنَّها توافق ليلة تحويل القبلة، فق كانت قبلة المسلمين عندما كُتبت عليهم الصلاة بداية إلى المسجد الأقصى، إلى أن أمرَ الله نبيه  - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بالتوجه نحو البيت الحرام "الكعبة المُشرَّفة".

ما القصة؟

لا يحتفلُ المسلمون بحلول ليلة النصف من شعبان 2023 يوم الاثنين 14 شعبان 1444هـ الموافق  7 مارس 2023م فقط؛ لأجل تحويل القبلة فحسب، بل لأنها عقيدةً قائمة على أنَّ إرادة الله، فوق كل إرادة.

إن تنفيذ مراد الله على أيِّة حال، هو من صحيح وسليم العقيدة، فالإسلام ليس قائمًا على هوى النفس، بل على أن تكون مسلمًا طائعًا لله. ولنا في قصة إبراهيم عليه السلام حكمة، إذ جاء في الذكر الحكيم "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" البقرة - 31، وهنا إذ يكون الخليل مُجِيبًا لِرَبِّهِ، خاضعًا له بالطاعة، مخلصًا له بالعبادة، مؤتمرًا بأمر مَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره، وهذا ماكان عليه المصطفى - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أن يكون طائعًا عابدًا لربه.

الفتنة والاختبار.. لم تخلُ القِصَّة من انتهاز اليهود

أخبر الله  عزَّ وجل نبيه الكريم  - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قبل تحويل القبلة بما سيقوله اليهود وقتها، وما ينتهزوه من فرصة للتشكيل في الدعوة للإسلام، ليتهيأ النبيّ وأصحابه لاختبار  جديد، أو فتنة يسعى اليهود على أن يقودوها، فقد كانوا يعيٍّرون النبي - فيما يظنون ذلك - بإستقبال المسلمين لقبلة اليهود (بيت المقدس).

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتّجه في صلاته نحو بيت المقدس، يودّ لو أنّ الله - سبحانه وتعالى - يحوّل قبلته إلى البيت الحرام؛ وذلك لارتباطه القلبيّ بالذي بنى الكععبة، بأبيه إبراهيم - عليه وعلى نبينا السلام- ويكون على نهجه، فكان ينظر في السماء يقلِّب بصرَه، كأنه ينتظر أمرًا.

ظل على ذلك نحو سنة ونصف السنة بالمدينة، فينزل الوحي: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ".

لكن على نحوٍ آخر، لم يكن اليهود يسعوْن كعادتهم، إلاَّ إلى الفساد، وتعكير الصفو، فقالوا اشتاق محمد إلى بلد أبيه بمكة، وهو يريد أن يُرضِي قومه قريشًا ولو ثَبَتَ على قبلتِنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي يأتي آخر الزمان.

النصف من شعبان.. كيف ثبُتَ المسلمون؟

لم يهدأ اليهود بعد إذ ههمّوا بمساندة المشركين، بالسعي نحو إثارة الشُبهات عن سبب تغيير القبلة، وعن كون توجه المسلمين في الصلاة إلى القبلة الخطأ - حدّ زعمهم - إلَّا أنَّ قرءانًا نزلَ "قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ"، وهذا ما لم ولن ينكره المشركون واليهود - حنئذ - فالمشركون كانوا يعبدون الأصنام لتقربها لله زُلفى، ويعلمون هذه الحقيقة، التي لا ينكرها اليهود ايضًا.

وهُنا سأل الناس عن قوم ماتوا، وقد كانوا يصلون نحو بيت المقدس، من قبل نزول الأمر الإلهي،  فقالوا: ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ " البقرة - (143)؛ لتتجسَّد الرحمة الغلهية الخالصة، ويُقضى بذلك على انتهازية اليهود، وتعلو كلمة الله ولكره الكارهون.

وهنا تأصيلٌ  أن العقيدة في التوحيد لله، وأنَّ الصلاة ليست في التوجه والأداء بالجوارح فحسب، بل إن أداءًا قلبيًا وروحيًا، يلزم حُضوره عند إقامة الصلاة، فثبُتت العقيدة، التي لم تزل تترسَّخ بقلبِ كلِّ مسلم طائعٍ لله.. وتكون “التقوى” الدرسً الأعظم الذي يتعلَّمه المسلم، بجانب إحياء احتفال ليلة النصف من شعبان 2023.