أحمد ياسر يكتب: الزاوية الأمريكية من الاتفاق السعودي الإيراني

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

ترى بكين أن الفهم المشترك للصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران خاطئ، وقد عملت الولايات المتحدة على ترسيخ وتعزيز فكرة أنه صراع ديني وطائفي يعود تاريخه إلى أكثر من 1400 عام، مما يعني أن الأجيال الحالية بمعنى أن الأجيال الحالية لا يمكنها البحث عن حل لها أو نسيانها.

بينما تثبت الحقائق أنه مجرد صراع سياسي وأن الدين قد تم توظيفه للعب دور تحريضي، وهناك الكثير من الأدلة على ذلك... قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت العلاقة بين السعودية ونظام الشاه (شيعي)، فكلاهما كان يعمل في الفلك الأمريكي.

بعد الثورة الإسلامية، كان هناك حديث عن فكرة "تصدير الثورة" أي أن هذا التوجه الثوري سيصل إلى الدول العربية الرجعية، التي اتخذت مواقف غير حاسمة تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، في غضون ذلك، روجت وسائل الإعلام والأسواق الغربية لفكرة "تصدير الثورة" بهدف نشر الفكر الشيعي في دول المنطقة (السنية)، لتحريض الحركات الإسلامية السنية على الوقوف ضدها ومعارضتها، ودفع ذلك المملكة العربية السعودية (الدولة الدينية) إلى الوقوف ودعم الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حربه ضد إيران، السبب هنا سياسي وليس ديني؟؟.

كما دعمت جمهورية إيران الإسلامية العديد من حركات المقاومة السنية، مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والإخوان المسلمين في مصر، ودعمت نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، كما دعمت رئيس الوزراء اللبناني السابق عمر كرامي وعمران خان في باكستان، وهذا يدل على أن هذه المواقف هي بالدرجة الأولى لاعتبارات سياسية وليست دينية أو طائفية.

وهنا يمكن القول إن إيران، تفوقت على السعودية في تحالفاتها السياسية، بينما اقتصرت التحالفات السعودية على الدول والحركات السنية فقط... أقامت طهران تحالفات سياسية مع بعض الدول السنية والشيعية.

التغيير في الموقف السعودي من طهران

في عام 2015، زار الأمير محمد بن سلمان روسيا والتقى بالرئيس بوتين في سانت بطرسبرغ، معربًا عن قلقه من تزايد النفوذ الإيراني في سوريا.

أصبحت العلاقة بين البلدين متوترة للغاية في عام 2016، بعد أن أعدمت المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر، الأمر الذي انتقدته إيران بشدة وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل ذلك لم تكن العلاقة بين البلدين جيدة رغم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، وكان رأي المملكة في طهران أن "رأس الأفعى" هو الذي يجب قطعه، حسب العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.

عندما أصبح الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد في عام 2017، اتخذ موقفًا متشددًا تجاه طهران، وهدد بالقتال داخل إيران، قائلًا "لن ننتظر أن تكون المعركة في المملكة العربية السعودية"، لكن هذا الموقف لم يدم طويلًا، وكان هناك تحول في الموقف السعودي من إيران لأسباب عدة.

وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي من المملكة، لعبت السياسة الأمريكية تجاه السعودية في عهد الرئيس بايدن دورًا في التغيرات في السياسة الخارجية السعودية.

خلال حملته الانتخابية، تحدث بايدن عن استحالة لقاء الأمير محمد بن سلمان وذهب أبعد من ذلك، وهدد بمحاسبته على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لذلك، وجد الأمير محمد بن سلمان نفسه أقرب إلى حلفاء إيران، أي روسيا والصين.

كما لعبت الدوافع الشخصية لولي العهد السعودي دورًا في هذه التغييرات.

وانطلاقًا من هدفه الأساسي المتمثل في اعتلاء العرش بسلاسة، وفي ظل التوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة، عملت المملكة على تقليل مشاكلها مع دول الجوار  خاصة قطر، والإمارات العربية المتحدة، ثم سوريا ثم في نهاية المطاف إيران.

حيث أن المملكة قد تكونت على قناعة بأهمية الحوار مع إيران لعدة أسباب:

1- تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

2- عدم الثقة في الولايات المتحدة التي دخلت في مفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي ووقعت اتفاقية في عهد أوباما.

3- القناعة بأنه لا حل للخلافات الدائرة في المنطقة سوى الدبلوماسية والحوار، ولا مجال لاستبعاد إيران من أي ترتيبات أمنية في المنطقة.

4- رغبة المملكة في إنهاء حرب اليمن، والاستفادة من الطفرة النفطية، وحاجة العالم لها خاصة بعد الحرب الأوكرانية، التي تتطلب ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

لذلك دخلت المملكة في حوار مع طهران بوساطة عراقية وعمانية حينها، وقد حقق هذا الحوار بعض التقدم، لكن الاتفاق بحجم الاتفاق السعودي الإيراني يتطلب من دولة كبيرة أن تكون الضامن له.

وأدى القصف الذي وقع في أرامكو عام 2019 بطائرة مسيرة، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه، إلى توقف ضخ النفط السعودي بمقدار النصف في ذلك الوقت.

لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا ضد إيران، الأمر الذي جعل المملكة تشعر بأنها في حالة انكشاف استراتيجي، ودفعها إلى إعادة ترتيب حساباتها.

ابتداءً من عام 2021، بدأت المملكة بالتفكير بطريقة مختلفة وأكثر عقلانية، بمعنى أنها بدأت ترى أن انهيار النظام في إيران لن يكون في مصلحتها، وذلك لعدة أسباب:

1- الدولتان متشابهتان نوعًا ما (دولتان دينيتان)، وإذا حدث شيء ما في إيران (سقوط النظام الديني الشيعي هناك فقد ينتقل إلى المملكة مع النظام الديني السني)، وفقًا لنظرية الدومينو، كما شهدت في أحداث "الربيع العربي"، على سبيل المثال:

2- الشيعة في دول الخليج العربي منضبطون نوعا ما على الإرادة الإيرانية، وإذا حدث شيء لطهران فهذا يعني عدم وجود "مرجعية" لهم، وبالتالي سيحدث المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وهذا يعني أن الحوثيين والفصائل الشيعية الأخرى ستصبح أكثر خطورة وتشكل خطرا على المملكة.

الرد الإيراني

برعت طهران في قدرتها على إقتناص الفرص والتعامل مع الأحداث السياسية بطريقة براغماتية، وتمكنت من مواءمة مبادئها مع مصالحها، بناءً على امتلاكها مسارين سياسيين (متشددون ومحافظون)، ومن هنا استطاعت تحديد أهدافها والتعامل بشكل واقعي مع الأحداث، فسعت إلى المصالحة مع السعودية لعدة أسباب:

1- انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الموقعة مع طهران، فلم تعد طهران ملزمة بالتزاماتها وستعمل على تصدير نفطها مستغلة حاجة العالم إليه.

2- الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب الإيراني نتيجة العقوبات التي فرضها الغرب.

3- الاتفاق مع السعودية يفتح الباب لطهران لبدء علاقات مع دول خليجية أخرى، وشهدنا استجابة سريعة لذلك من البحرين، على سبيل المثال.

- الاحتجاجات والأوضاع الأمنية غير المستقرة في إيران، التي لعبت فيها إسرائيل دورًا رئيسيًا، ولعبت السعودية دورًا في دعم تلك الاحتجاجات، على الأقل على المستوى الإعلامي، لذلك فإن وقف الحملات الدعائية ضد إيران سيساعدها في إغلاق هذا الملف.

- شراكات استراتيجية قوية بين طهران والمحور الصيني الروسي، الذي ستكون المملكة جزءًا منه، حتى لو استغرقت السعودية بعض الوقت لتفكيك علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.

- ترسيخ النفوذ الإيراني في عدد من الدول العربية مقابل تنازلات سياسية محتملة أو صمت سعودي.

- بداية الحديث عن حتمية التغيير السياسي في إيران، في ظل تدهور صحة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وتقدمه في السن، ويراهن الغرب على التغيير في إيران بعد خامنئي.

الموقف الأمريكي من الاتفاقية

لا تزال الولايات المتحدة تمارس نفوذًا كبيرًا في الشرق الأوسط، ولديها علاقات استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، فضلًا عن عداوة تاريخية تجاه إيران، أي أن أي اتفاق يتجاهل العامل الأمريكي لن يحقق أهدافه.

لذلك لم تعارض بكين اعتراف الولايات المتحدة، بالخطوات التي اتخذت في هذه الاتفاقية، والتي صرح بها السعوديون صراحة عندما قالوا إنهم يضعون الإدارة الأمريكية في كل خطوة يتم اتخاذها.

يمكن فهم الموقف الأمريكي من زاويتين:

الأولى: تؤيد الولايات المتحدة أي مصالحة بين البلدين، لضمان تدفق النفط، لكن الشرق الأوسط لم يعد أولوية بالنسبة لهما في ظل الحرب الأوكرانية، وتنامي النفوذ الصيني، ورغبة الولايات المتحدة في المواجهة.

كانت الولايات المتحدة قد رحبت بالفكرة، معتقدة أنها ستكون فشلًا للسياسة الصينية، حيث رأت أن المهمة مستحيلة، بمعنى أن الرفض الأمريكي لم يكن مبنيًا على مبدأ المصالحة، بل لأنه جاء بوساطة صينية زادت من قوة بكين الناعمة، وتحديدًا في منطقة الشرق الأوسط.

الثانية: العبرة ليس فقط في مبدأ المصالحة، ولا في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل في الوصول إلى قناعة صادقة في البلدين بأهمية ذلك بالنسبة لدولهما والمنطقة بشكل عام.

لقد لاحظنا الترحيب الرسمي والشعبي بهذه الخطوة، لأنها السبيل لحل العديد من الملفات في اليمن ولبنان وسوريا، إن نجاح هذه المصالحة سيشجع بكين على الانخراط في المزيد من المبادرات تجاه منطقة الشرق الأوسط.