تعرف على قصة إعدام الجاسوس علي الفارحي

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية

 

في ذكري تحرير سيناء والتي جسدت أروع آيات البطولة والفداء للقوات المسلحة المصرية بكافة فروعها الرئيسية وشعب مصر العظيم الذي كان سندًا حقيقيًا لجيشه طوال سنوات من الهزيمة حتي أذن الله بالنصر، ولكن قبل تلك اللحظة التي أمر فيها الرئيس الراحل محمد أنور السادات ببدء الهجوم وعبور القوات المصرية للضفة الغربية للقناة، سبقتها سنوات من جمع المعلومات وحروب المخابرات والتجسس التي أتاحت للقوات المصرية عنصر المفاجأة والمباغتة وتضليل العدو الإسرائيلي الذي سقط وسط معلومات مغلوطة سربتها المخابرات المصرية لإسرائيل ضمن خطة الخداع الاستراتيجي.

كانت وحدة مكافحة التجسس التابعة لجهاز المخابرات من أكثر الأجهزة التي وقع عليها عاتق كبير في الفترة ما بعد الانتكاسة حتى تهيئ للقوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات المصرية والقيادة العامة ومتخذي القرار المعلومات الدقيقة، التي لا تدع مجالًا للشك حتي يتم اتخاذ القرار بمنتهي الدقة ليحقق النتائج المرجوة، وكان من مهامها كشف الجواسيس التي تزرعهم المخابرات الاسرائيلية في ذلك الوقت سواء من العملاء أو الجواسيس، ليتم القبض عليهم واستجوابهم للحصول منهم علي المعلومات الكافية عن العدو أو لتضليلهم بتسريب معلومات مغلوطة عن الجيش المصري والتعداد والاستعداد للحرب حتي يحصل الموساد علي كم كافي من المعومات الخاطئة التي لا تمكنه من تحليل دقيق للموقف أو يمكنه من اتخاذ قرار صحيح في حالة الحرب، حتي قيل في أخر الدراسات التي تمت بعد سنوات للحرب أن المخابرات المصرية استطاعت أن تضخ لإسرائيل ما يقارب 89% من المعلومات الخاطئة في فترة الحرب.

كانت إدارة مكافحة التجسس على قدم وساق في فترة الستينيات قبيل الحرب، ما بين تجنيد عملاء في إسرائيل وإرسال جواسيس لجمع المعلومات والاستطلاع، وما بين كشف العملاء داخل مصر وشبكات التجسس التي ينشئها الموساد من فترة لأخرة بعد سقوط العملاء في مخالب المخابرات المصرية، إلي جانب اكتشاف أماكن البيوت الأمنة في أوروبا والتحويلات البريدية وغيرها من الأمور التقنية التي تعتبر عاملًا استراتيجيًا للعميل فور بدء عمله.

وكان جهاز الموساد الإسرائيلي يعمل بطريقة عشوائية ومتهورة بعد عدد من الصفعات التي تلقاها من جهاز المخابرات المصرية في ذلك الوقت مما خاصةً بعد حرب 1956 وأصبح حرب الجواسيس علي المكشوف كما يقولون، وأصبح جهاز المخابرات الاسرائيلية يغامر في الحفاظ علي عملائه داخل مصر، ويعمل بطريقة متهورة بعد سقوط العديد من الشبكات تحت مخالب صقور المخابرات، وهو ما ظهر جليًا في بعض العمليات الاستخباراتية قبيل حرب أكتوبر.

استطاعت إدارة الاعتراض اللاسلكية المنبثقة عن إدارة مكافحة التجسس، أن تعترض إشارة قادمة من تل أبيب إلي مصر، وكانت بالطبع مشفرة وتحمل رسائل سرية لا تدع مجالً للشك بأن مستقبلها عميلًا لجهاز الموساد، فرفعت تقريرًا بالواقعة لإدارة لبدء العمل لكشف العميل، وكان الإرسال في تلك الفترة يعتمد علي الموجات اللاسلكية بين المرسل والمتلقي عن طريق أجهزة الأستقبال التي كانت تشبه الراديو في ذلك الوقت، فانطلقت سيارات الاعتراض الاسلكية، والتي كانت تجوب شوارع القاهرة والمحافظات لتلتقط الموجات التي تبثها أجهزة الأستقبال والإرسال وبالفعل تم اعتراض الموجة الاسلكية بعد أيام قليلة من الاستقبال وتم مقارنتها بالتي أرسلت عن طريق عدة أمور فنية خاصة بذلك الوقت مثل تردد الموجة وترقيمها والشفرة المرسلة بها الرسالة، حتي تم التأكد أن الجهاز المرسل صاحبه العميل المطلوب.

وبعد البحث والتحري تبين أن العميل يدعي " علي الفارحي " من إفريقيا في العقد الثاني من عمره ويحمل جواز سفر  ، جندته المخابرات الإسرائيلية ليجمع المعلومات ويرسلها لتل أبيب عن طريق ضابط في الموساد والذي كان مسئولًا عنه ويدعي " أوليفر "، واستطاعت المخابرات المصرية بفضل عملائها الموجودة في إسرائيل في ذلك الوقت أن تجمع كافة المعلومات الازمة عن العميل وحتي عن الضابط المسئول عنه.

الغريب أن جهاز الموساد في ذلك الوقت لم يكن يهتم بحماية عملائه في مصر، وظهر ذلك في طريقة إرسال الرسائل المشفرة، فلم تتغير الصيغة المرسلة وهو ما ينافي القواعد الثابتة للتجسس والحيطة في إرسال المعلومات وإرسالها لحماية العميل من الانكشاف، فقد كانت إسرائيل وأجهزتها المخابراتيه تتعامل ببلاهة مع عملائها وهو ما أدي إلي سقوط العديد من الجواسيس في تلك الفترة ممن جندتهم أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية.

كانت الأوامر في ذلك الوقت أن يتم تمرير معلومات مضللة للعميل الاسرائيلي حتي تصل لإسرائيل من خلاله، مع إبقائه تحت المراقبة المستمرة ومعرفة كافة الأشخاص الذين يتعامل معهم، لمعرفة خطوط الأتصال والتمويه الذي يستخدمه الموساد في عملياته الاستخباراتية داخل مصر، وبالفعل تركت المخابرات المصرية العميل يعمل تحت أعينها وتسرب له المعلومات المغلوطة حتي جاءته الأوامر من الموساد بجمع المعلومات عن التراسانة البحرية المصرية في الأسكندرية، وبالفعل توجه العميل لعروس البحر المتوسط، وكان متهورًا في جمع المعلومات بسبب سوء تدريبه علي أيدي الموساد وقله خبرته.

والتقى عميل الموساد بحارًا سكيرًا بعد فترة من وصوله للإسكندرية والذي وجده العميل غنيمة للحصول على المعلومات منه حول الترسانة البحرية، في جلسات سُكر، ولم يكن يعرف أن البحار ما هو إلا ضابط محنك من جهاز المخبارات المصرية، أمده بسيل من المعلومات الخاطئة عن القطع البحرية المصرية، وتسليحها وتعدادها البشري، إلي أن صدرت الاوامر من جهاز المخبارات المصرية بالقبض علي العميل بسبب تهوره في جمع المعلومات، وبالفعل تم القبض عليه، وتحويله للمحاكمة العسكرية التي قضت بإعدامه شنقًا.