يوم القيامة الجمعة المقبلة.. الصالحون يتحسروا على ضياع العمر وأهل الخلاعة يحبون الدنيا

منوعات

كوكب الأرض
كوكب الأرض

تزخر المكتبة العربية بأفضل وأنفس الكتب على الإطلاق، ويعد كتاب "عجائب الاثار في التراجم والأخبار" لـ عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ الشهير أحد أفضلها، حيث نجح في تصوير الحياة المصرية بشتى الاختلافات الثقافية والاجتماعية والسياسية والأدبية.
وتعد الناحية الاجتماعية أهم ما يميز هذا الكتاب النفيس حيث صورها وكأنك تراها أمام عينيك، ففي حديثه عن عامة الشعب المصري تحدث باستفاضة عن الجهل الذي كان يسود المجتمع آنذاك، وانشار العديد من الخرافات والخزعبلات، وخاصة تلك الخرافات التي ألبست بطابع ديني، والدين منها بالطبع براء.

كالنار في الهشيم

ولم تكن تلك الخرافات تنطلي على المسلمين فقط بل شاركهم فيها الأقباط واليهود، بعد انتشار الجهل بين الناس كالنار في الهشيم في ظل تواجد أدعياء يتاجرون باسم الدين.

وسخر الجبرتي من هؤلاء جميعًا في حديثه عن يوم القيامة، ففي ذي الحجة سنة 1147هـ ظهرت إشاعة قوية أن القيامة ستقوم في يوم الجمعة السادس والعشرين من ذي الحجة، لتنتشر بين الناس قاطبة، في كافة أنحاء مصر.

وقال الجبرتي في كتابه “عجائب الاثار في التراجم والأخبار”: "وودع الناس بعضهم بعضًا ويقول الإنسان لصاحبه يتبقى من العمر يومان فقط، وخرج الكثير من الناس والمخاليع إلى الغيطان والمتنزهات وقالوا دعونا نعمل حظنا، ونودع هذه الدنيا قبل أن تقوم القيامة".

أما الصالحون تحسروا على ضياع العمر وقرب الممات دون عمل صالح، أما أهل الخلاعة والمجون استمروا في تلك الخلاعة بل ازدادوا فيها، حتى يشبعوا بأكبر قسط منها قبل أن يقوم يوم القيامة.

ويصف الجبرتي “وطلع أهل الجيزة نساء ورجالًا وصاروا يغتسلون في البحر، ومن الناس من حزن كثيرا وداخله الوهم، ومن الناس من تاب إلى الله من ذنوبه، وظل يدعو ويبتهل ويصلي”.

“اقتلني إن لم تصدقني”

وبالطبع كان هناك المكذبين بذلك الخبر، وهم الذين آمنوا بالله حق إيمان وصدقوا قوله تعالى " إن الله عنده علم الساعة" وقوله تعالى" يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله" وردوا على تلك الأقاويل والإشاعات ولم صدقوا أقوال هؤلاء المشعوذين.

ويروي الجبرتي واقعة طريفة في كتابه حيث قال أحدهم للأمير "إن لم تصدقني أيها الأمير بأن القيامة ستكون يوم الجمعة القادم فاحبسني عندك إلى هذا اليوم، وأن لم تقم القيامة فاقتلني" فصدقه الأمير.

 وهكذا ظل الناس يتحدثون عن يوم القيامة في تلك الجمعة وهم بين مكذب ومصدق، والذين صدقوا تلك الإشاعة بين تائب مستغفر يعمل الصالحات وبين ماجن خليه أراد الدنيا قبل أن تأتي لحظة الوفاة.

تدخل من الإمام الشافعي والسيد البدوي

وأتم  الجبرتي “أخيرًا جاء يوم الجمعة المذكور، حيث لم تقم القيامة وصدق الله العظيم وكذب السفلة والرعاع، وتساءل الناس كيف أن القيامة لم تقم؟ وهنا ادعي بعض الجهلاء أن السيد أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي والإمام الشافعي تشفعوا في ذلك عند الله تعالى وقبل الله شفاعتهم، فلذلك لم تقم القيامة في تلك الجمعة”.

ويتعجب الجبرتي من هؤلاء الناس الذين لم يؤمنوا بماء جاء في القرآن والحديث الشريف، ولم يقبل منهم بالطبع أن يكون  السيد أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي والإمام الشافعي هم السبب في تأجيل يوم القيامة، لأن الشفاعة خاصة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبالطبع ليس لها علاقة بـ تقديم أو تأخير يوم القيامة.
وبعد هذه القصة التي رواها الجبرتي من أبرز طرائف القرن الثاني عشر من الهجرة، فكان حديث الجبرتي يعبر عن جهل الشعب بكل شيء في دينه ودنياه.