نائب رئيس مجلس الدولة: القيادة المصرية وضعت قضية تغير المناخ في مقدمة اهتماماتها

حوادث

العدالة المناخية
العدالة المناخية

أجرى المفكر والمؤرخ القضائى المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى  نائب رئيس مجلس الدولة المصرى دراسة متميزة على المستوى الدولى بعنوان " العدالة المناخية تشرق على البشرية  من أرض الحضارة والتاريخة، دراسة عالمية حديثة لمنازعات تغير المناخ" وهو الموضوع الذى يحتل مكان الصدارة لدى الدول الكبرى والنامية على السواء والمنظمات الدولية لصالح البشرية، باعتبار أن تغير المناخ  يأتى على رأس التحديات التي تواجه العالم فى العصر الحالى والمشكلة الأكبر عالميًا، وتأتى الدراسة لرفع مستوى الوعي العام بمفهوم العدالة المناخية، ودور مصر الجوهرى فى هذا المجال.

 


يقول الدكتور محمد خفاجى، إن العدالة المناخية من الموضوعات الحديثة التى تهم البشرية جمعاء، ومصطلح العدالة المناخية ظهر لأول مرة في اتفاقية باريس، في ديباجة الفقرة 13 منه، والعدالة المناخية تعنى فى المقام الأول بالتقسيم العادل بين الدول والتوزيع المنصف لصالح الشعوب لفوائد وأعباء تغير المناخ، وقضية أزمة تغير المناخ ليست  قضية بيئية أو فيزيائية فحسب، وإنما تعد قضية فى الأصول المنهجية أخلاقية وقانونية وسياسية، وخليطا ممزوجًا فيما بينها جميعًا  ، والعدالة المناخية على صعيد أخر هى جزء  جوهرى من أهداف التنمية المستدامة  في إطار جدول أعمال الأمم المتحدة 2030، لذا فإن بعض المفكرين ينظر إلى  العدالة المناخية على أنها مرادفة للعدالة الإجرائية، من حيث اتخاذ القرارات العادلة ومبدأ الشفافية ومبدأ العدالة التوزيعية للبشرية  .

مضيفًا، أن القيادة المصرية وضعت قضية تغير المناخ في مقدمة اهتماماتها لموقعها الجغرافى في قلب إفريقيا النابض، أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ رغم أن الانبعاثات الكربونية العالمية لا تصدره القارة السمراء.

يذكر الدكتور محمد خفاجى إن موضوع تغير المناخ  يأتى على رأس التحديات التي تواجه العالم فى العصر الحالى بل لعلها المشكلة الأكبر عالميًا، بعدما ترتب على النشاط الإنساني منذ الثورة الصناعية وحتى الآن عدة أضرار جسيمة تعاني منها كل الدول خاصة الفقيرة منها، مما يستلزم حلًا جماعيًا عاجلًا لخفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، وقد وضعت القيادة المصرية قضية تغير المناخ في مقدمة اهتماماتها  نظرًا لموقعها الجغرافى في قلب إفريقيا النابض، أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ، رغم أن الانبعاثات الكربونية العالمية لا تصدره القارة السمراء، لكن ينالها قدر من الضرر والتأثر الأكبر.
ويضيف إن تغير المناخ - وأزمة الطاقة العالمية - يهدد حياة وسبل عيش المليارات من الناس حول العالم، ويعترف علماء المناخ بأن الأنشطة البشرية تنتج غازات دفيئة تعمل على تسخين الكوكب وارتفاع درجة حرارته، وهذه الغازات الدفيئة من أهم مصادرها احتراق الوقود الأحفوري للطاقة والصناعة والنقل والزراعة الصناعية وإزالة الغابات، وهذا الاحترار له تأثير مدمر على كوكب الأرض الذى نحيا فيه جميعًا  يتسبب في موجات الحرارة والفيضانات والجفاف والعواصف وارتفاع مستوى البحار والعواصف الشديدة، ويترتب على ذلك فشل المحاصيل، وحرائق الغابات، وفقدان الأرواح، وتدمير المنازل وسبل العيش  مما يصيب الدول الأشد فقرًا والأكثر ضعفًا وبنية تحتية، وبصيص من الأمل يلوح فى اُفق العالم عن وجود حلول لأزمة المناخ، لكن يجب أن تكون هذه الحلول باتباع منهج مناخى عادل  ، حتى تتمكن هذه المجتمعات من الحصول على طاقة آمنة ونظيفة.
ثالثًا: العدالة المناخية لا تتضمن فقط مصالحة البشر مع الأرض، وإنما أيضًا المساعدة المتبادلة بين الجميع 
ويضيف الدكتور محمد خفاجى " يجب أن اُشير إلى أننى قد اعتمدت فى دراستى العاجلة عن العدالة المناخية على أحدث الدراسات للمفكرين والعلماء فى جميع المدارس الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية، كما إننى أهدف من مؤلفى عن العدالة المناخية رفع مستوى الوعي العام بمفهوم العدالة المناخية، لوجود ارتباط وثيق بين المشاكل الاجتماعية وتغير المناخ، والرأى عندى أن العدالة المناخية لا تتضمن فقط مصالحة البشر مع الأرض، وإنما أيضًا المساعدة المتبادلة بين الجميع."
بيد أن  تغير المناخ يؤثر في المقام الأول على أفقر الناس الذين ينبعثون أقل القليل من الانبعاثات  ، فتغير المناخ يؤثر على جميع الكرة الأرضية  ، إلا أنها ليست جميعًا متساوية في مواجهة آثاره، حيث لا تمتلك نفس الموارد المالية والتقنية والبشرية للحماية منها والتعامل معها،  إن منطق العدالة المناخية يتوجب معه الحصول على تمويل يتناسب مع التحديات التي سيتم تخصيصها من الدول الغنية إلى البلدان الأكثر فقرًا، ونأمل أن تكون الدعوة لتمويل التكيف مع تغير المناخ حقيقة لا خيال، فمن الضروري بالإضافة إلى تنفيذ التحول في مجال الطاقة، الدفاع عن تكيف أفقر البلدان، ويجب انتهاج  برامج الصمود، لا سيما البرامج الزراعية، أو البرامج المبتكرة حول الطاقات المتجددة.
رابعًا: هدف العدالة المناخية 
إن الهدف من العدالة المناخية هو القيام بكل شيء حتى لا يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة عدم المساواة،  ويجب النظر إلى العدالة المناخية بمنطق جديد لتطوير وصياغة السياسات العامة لمنهج التخفيف والتكيف للوصول إلى الحق في بيئة صحية للجميع، بما في ذلك أفقر الناس وأكثرهم عرضة لتغير المناخ، ويجب على حكومات العالم والمجتمع العمل معًا للحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري والحد منها.
ويسجل التاريخ أن المفاوضات الدولية بدأت في أواخر الثمانينيات لمنع مخاطر التدخل الخطير في النظام المناخي للكوكب، وقد كافحت الدول للاتفاق على نطاق الجهود وتوزيعها وبنية العمل المستقبلي، وفي سياق الحاجة بين الشمال والجنوب أثيرت مسألة العدالة المناخية العالمية منذ البداية والمسئولية التاريخية للبلدان المتقدمة، وظهور الحق في الجبر والتعويض، والتقاسم العادل لميزانية محدودة للكربون، ويتعين استمرار المفاهيم المطروحة حول مفاوضات المناخ ؛ للتوفيق بين المفاهيم العالمية والدولية للعدالة العالمية.
خامسًا: تطوير مفهوم العدالة المناخية:
هناك حقيقة يجب أن تكون واضحة أمام أعين العالم، وهى أنه عندما تضرب الأعاصير أو الفيضانات أو موجات الجفاف بعض الدول، فغالبًا ما تكون الأكثر تضررًا هى الدول الفقيرة والمجتمعات المهمشة وهى التى تتحمل قدرًا ضئيلًا من المسئولية عن تغير المناخ، وإن كان ذلك لا يمنع بطبيعة الحال من أن تتشارك معها فى الأضرار بعض الدول الكبرى التى كانت السبب المباشر لإحداث أزمة المناخ ومن هنا ينتج عدم تحقق العدالة المناخية، أن الدول المصابة بالأزمة يكون تحملها للأضرار المناخية أكثر بكثير من تلك الدول المتقدمة المسببة له فتكون النتيجة عدم المساواة الاجتماعية بين الشعوب إزاء أزمة المناخ، ونكون أمام فريقين لا يوجد بينهما تعادل فى الالتزامات، الأول فريق الدول المتقدمة والشركات الصناعية وقد جمعت الثروة عن طريق حرق الوقود الأحفوري، والفريق الأخر الدول النامية التى حل بها أزمة تغير المناخ من فعل الأولى لأن أثاره لم تعد قاصرة على الحدود الوطنية، فالمناخ بطبيعته عابر للحدود، الأمر الذى يفرض مفهوما جديدًا للعدالة المناخية  تتمثل فى إعادة توزيع المزيد من هذه الثروة على أولئك الذين يتعين عليهم التعامل مع عواقب أزمة تغير المناخ. 
إن العدالة المناخية انبثقت من فكرة أن المسئولية التاريخية للأمم المتمدينة فنتائج تغير المناخ يجب أن تقع على عاتق الدول الثرية والشركات الصناعية الكبرى  التى تحرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري بحرية مطلقة لعدة قرون فائتة وحققت خلالها وما تزال أرباحًا كبيرة خيالية، لأن الأنشطة التى يمارسونها على تربة الأرض وما تحتها وفى قاع البحار والمحيطات تؤثر بشكل غير متناسب على أفقر الدول  وأكثرها ضعفًا وتخلفًا عن ركب التطور والتقدم، فتكون الدول الفقيرة هى الأكثر عرضة لارتفاع درجات الحرارة،  وتأثرًا من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الذي يزيد من تفاقم أوضاعهم عما هى فيه، فنحن أمام  الظلم المتوارث بين الأجيال بشأن أزمة تغير المناخ.
سادسًا: مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ:  
من القضايا المهمة فى أزمة تغير المناخ مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ، لأن الدول النامية التي تفتقر إلى الأموال لا تملك الإنفاق على تكاليف ما سببته سياسة ونهج وأساليب الدول المتقدمة فى تغير المناخ  ، فإقامة توربينات الرياح أو بناء دفاعات ضد الفيضانات لا تملكها الدول النامية الفقيرة  وليس من العدالة المناخية أن تكون الدول الغنية فى مأمن من تحمل المسئولية أو المشاركة أو الإسهام فيما خلفه التقدم التكنولوجى بها لدى الدول الفقيرة، فهى فى الأصل ديون يجب أن تتحملها، تجاه إعادة توزيع الثروة بين البلدان عن طريق التمويل للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه فى ذات الوقت حيث تحتاج الكثير من الدول النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة من المال على التكيف مع تأثيرات المناخ، مما يتوجب معه التوازن بين تمويل التكيف والتخفيف من حدة تغير المناخ.