د. نصار عبدالله يكتب: حوار من السلفادور

مقالات الرأي

دكتور نصار عبد الله
دكتور نصار عبد الله

من يصدق أن رئيس السلفادور عربى الأصل وأن أباه مسلم الديانة!!؟،  نحن نتكلم عن الرئيس نجيب أبوكيلة الذى  ينحدر من عائلة فلسطينية هاجرت من بيت لحم إلى  السلفادور حيث ولد فيها والده أرماندو قطان أبو كيلة وتعلم فى مدارسها متدرجا فى التعليم  إلى أن حصل على درجة الدكتوراه فى الكيمياء الصناعية، وبعدها أنِشأ  مصنعا للنسيج  حقق قدرا كبيرا من النجاح، ورغم أن ديانة أرماندوفى الأصل كانت هى المسيحية إلا أنه كان مهتما بدراسة الأديان فاعتنق الإسلام  وقام بتشييد عدد من المساجد فى أمريكا الوسطى وعمل فى أحدها إماما!، وقد واصل نجيب مسيرة والده الإقتصادية، فأصبح واحدا من كبار رجال الأعمال، ثم اتجه إلى السياسة فرشح نفسه لرئاسة الجمهورية وفاز بها بالفعل !.. ومنذ أيام اتصلت بى من السلفادور صديقتى القديمة: الشاعرة والإعلامية عايدة بيراجا، لكى تشكو مر الشكوى من الأوضاع السياسية الراهنة فى ظل حكم الرئيس الحالى نجيب أبو كيلة، قالت لى إن الرئيس رغم أنه قد جاء  إلى الحكم بالطريق الديموقراطى، إلا أنه تحالف مع الجيش والشرطة وتمكن من القضاء على الديموقراطية ذاتها التى جاءت به إلى الحكم ! وكانت الذريعة التى تذرع بها هى أن هذا الوضع ضرورى للقضاء على العصابات المسلحة التى كانت تروع المواطنين فى كل مكان  قبل مجيئه إلى الحكم، وقالت عايدة: إننا بالفعل لم نكن نشعر بالأمان فى أى مكان إلى أن جاء أبو كيلة وقضى على العصابات المسلحة تماما، لكنه قضى فى الوقت ذاته على حريتنا فى التعبير، وأمسك البلاد بقبضة من الحديد..نعم..نحن نشعر الآن بالأمان، لكننا لا نشعر بالحرية !!..قلت لعايدة معزيا: دعينى أذكرك بما كان يحدث فى بلد من منطقتنا العربية وهو العراق، فقد كان يحكمه رئيس قوى مستبد هو الرئيس صدام حسين قبل أن يقوم الأمريكيون بغزوالعراق مدعين كذبا أنهم جاءوا لتحقيق الديموقراطية وتطهير العراق من أسلحة التدمير الشامل ( التى ثبت أنها لم تكن موجودة أصلا!)..فماذا حدث بعد هذا الغزو؟.. لقد تحولت البلد إلى فوضى شاملة، وفقد الناس ذلك الإحساس بالأمان الذى كانوا يحسون به أيام صدام،وبدأ الكثيرون منهم يترحمون على أيامه..دعينى أقل لك:إننا جميعا أبناء العالم الثالث سواء كنا فى إفريقيا أوآسيا أوأمريكا اللاتينية قد كتب علينا أن نتمتع بطرف واحد من أطراف المعادلة المأمولة: إما الأمان أو الحرية، فإذا ما تحقق أحدهما فليس لنا أن نتحسرعلى الآخر ( فى الأمد المنظور على الأقل)..يبقى بعد ذلك أن أروى للقارئ قصة لقائى الأول بالشاعرة السلفادورية، فقد التقيت بها عام 2000فى مدينة ميدلين الكولومبية التى  ما زال يعقدفيها سنويا واحد من أكبر المهرجانات الشعرية فى العالم..كنت فى ذلك العام ممثلا لمصر بينما كانت هى ممثلة للسلفادور، وعندما عرفت أننى مصرى سألتنى إن كنت قد قدر لى يوما أن أرى نجيب محفوظ،واندهشت عندما أجبتها بأننى ألتقى به أسبوعيا ( كنت فى ذلك الوقت من رواد الجلسة التى كان يعقدها فى كاز ينو قصر النيل مساء كل جمعة والتى كان يلتقى فيها بأصدقائه ومريديه، وقبل ذلك كنت من بين جلسائه فى مقهى ريش)..قالت لى عايدة إنها تعشق أعمال هذا الروائى العظيم وإنها قد قرأت كل ما ترجم له من أعمال إلى اللغة الأسبانية، وقد ازداد عشقها له عندما قرأت رواية: قصر الشوق، والتى كانت فيها عايدة شداد هى المحبوبة التى أحبها بطل الرواية كمال أحمد عبدالجواد، وقالت لى عايدة  بيراجا إنها قد شعرت بالزهولأن معبودة البطل سميتها، وإن اليطل: " كمال " قد رسم لها فى خياله صورة  تفوق  مستوى البشر لكنها صورة شديدة الإقناع بفضل براعة الكاتب فى تصوير شخصية كمال نفسه، وإنها تشعر بأن هذا الأديب الروائى الفذ قد خلد اسمها هى ولو بشكل غير مباشر، ودون أن يقصد::: يومها طلبت منى أن أقوم بتوصيل رسالة إليه  قامت بتحريرها باللغة الإنجليزية التى تجيدها إجادة تامة مضمنة إياها كل هذه المعانى، وقد قمت بتوصيل الرسالة إليه حيث طلب منى الحاضرون فى الجلسة أن أقوم بتلاوة ترجمتها على مسمع منهم وعندما فعلت صفقوا جميعا للقوة الناعمة التى تتمتع بها مصر بفضل نجيب محفوظ.