د. نصار عبدالله يكتب: عندما أصبح الصول أحمد زكى رقيبا!

مقالات الرأي

دكتور نصار عبد الله
دكتور نصار عبد الله

الواقعة الطريفة  الآتية منقولة  بتصرف يسير من كتاب الأستاذ محمد العزبى "الصحافة والحكم" الذى صدر ضمن سلسلة كتاب الجمهورية (عدد أكتوبر2015)،، وهو كتاب يستحق إعادة الطبع نظرا لما يورده  بأسلوبه الشائق والممتع والأمين من وقائع  ، وما يثيره بالضرورة  من  قضايا تستحق الوقوف عندها طويلا!.. أما الواقعة الطريفة التى نقصدها  فقد حدثت فى أعقاب تأميم الصحافة فى مصر عام 1960، حيث توزع الضباط على المؤسسات الصحفية، وكان من نصيب الأخبار أن أصبح كمال الدين رفعت رئيسا لمجلس الإدارة، حيث قام بتعيين الرائد على إسماعيل الإمبابى مديرا لمكتبه، وقد قام الأخير بتكليف الصول أحمد زكى (الذى اصطحبه معه من وحدته العسكرية) بالقيام بأعمال سكرتارية المكتب،... وعن الصول أحمد زكى يروى الأستاذ عبده مباشر فى كتابه: "أنا وعبدالناصر والسادات "، أنه بعد الإنتهاء من المانشيت والعناوين الرئيسية الخاصة بأحد  أعداد الجريدة  كان على الأستاذ أحمد لطفى حسونة نائب رئيس التحرير المسئول أن يتوجه إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة: "كمال رفعت"، وكالمعتاد لم يكن الرجل موجودا فى المكتب، لأنه كان يتولى مسئولية وزير العمل بجانب مسئولياته الأخرى، ولم يكن مدير مكتبه الرائد الإمبابى موجودا أيضا، لأنه حريص على أن يكون دائما بصحبة الوزير!..كان الموجود فقط هو الصول أحمد زكى..وكانت كلمات المانشيت تقول: " الأمم المتحدة تركع "..وقرأ الصول المانشيت وقال لللأستاذ حسونة: يعنى إيه تركع؟..ولم يفهم نائب رئيس التحرير السؤال..وبالتالى لم يعرف بماذا يجيب، وسأل نفسه: هل الصول لا يعرف معنى كلمة: "يركع" أم أنه لا يعرف ما هى "الأمم المتحدة؟"..أعاد الصول الجالس على مقعد المسئولية السؤال: يعنى إيه تركع يا أستاذ أحمد؟..فقال له: أرجو من سعادتك الإتصال بكمال بيه وإبلاغه بالمانشيت وسؤاله عما إذا كان سيوافق على هذه الصيغة أم لا...قال له الصول: أنا الرجل المسئول هنا فى مكتب رئيس مجلس الإدارة..وأنا المفوض فى الموافقة على كل ما ينشر فى الجريدة، وواصل قائلا: أريد أن أعرف يعنى إيه: تركع، ولم يجد الأستاذ حسونة مفرا من أن يقوم بالركوع بلا صلاة!، وقال له: الركوع هكذا يا أحمد بك...ضحك أحمد بك كثيرا ووصل إلى حد القهقهة، وطلب منه أن يشاهد الركوع مرة أخرى!، وكرر الأستاذ حسونة الركوع!!..فقال له الصول: " هايل أنا دلوقت فهمت"، فسأله الأستاذ حسونة والأسى يعتصره..يعنى سيادتك موافق على المانشيت؟..قال نعم، فطلب منه التوقيع بالموافقة، فوقع !!...والواقع  أن السطور السابقة ترسم فى مجملها صورة دقيقة، قدر ما هى موجعة، لطبيعة العلاقة بين الإعلام عموما والصحافة خصوصا، وبين السلطة فى مصر منذ تأميمها إلى الآن، وهى علاقة لم تختلف فى جوهرها، وإن تنوعت تجلياتها بين الفينة والفينةّ!.. حتى بعد أن دخلت الصحافة الحزبية والمستقلة إلى الساحة، واتسعت بدخولها مساحة الحرية نسبيا  ..ففى النهاية، ورغم كل ما يبدو على السطح، مازالت آثار تراث القمع والهيمنة التى عانى الإعلام منها طويلا...مازالت تلقى بظلالها عليه، وما زالت محاولات التقرب إلى من بيدهم دفة الأمور، مازالت معششة وضاربة فى أعماق الكثيرين من كبار الإعلاميين، بل فى أعماق بعض الكتاب في عدد لا يستهان به من منابر الصحافة المصرية.
[email protected]