د. نصار عبدالله يكتب: فبراير الشامخ...فبراير الحزين

مقالات الرأي

دكتور نصار عبد الله
دكتور نصار عبد الله

شتان شتان مابين سوريا فبراير،1958وسوريا فبراير 2023!! ففى 1958كانت سوريا هى النواة التى انطلقت منها أول تجربة وحدوية رائدة  فى التاريخ العربى المعاصر عندما تم الإعلان عن اتحادها مع مصر لكى تشكل منهما دولة واحدة هى:"الجمهورية العربية المتحدة" ذات عاصمة واحدة (هى القاهرة)،  وعلم واحد هو علم الجمهورية الجديدة  ذى الثلاثة ألوان والنجمتين  الخضراوين اللتين ترمزان إلى الإقليمين: المصرى والسورى، وسلطة تشريعية واحدة مكونة من أعضاء المجلسين النيابيين السابقين على الوحدة فى كل من مصر وسوريا، وجيش واحد بقيادة المشير عبدالحكيم عامر، وقد شغلت الدولة الجديدة مقعدا واحدا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بدلا من المقعدين اللذين كانت تشغلهما كل من مصر وسوريا، وقد جاءت هذه الوحدة تتويجا لنضال الإتجاهات الوحدوية داخل المجتمع السورى الذى كان يموج بالإتجاهات السياسية المتنوعة والمتصارعة التى أسفرت فى النهايةعن فوز الإتجاه الوحدوى وانتخاب شكرى القوتلى رئيسا للجمهورية السورية عام1955، وعندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس عام 1956 وتعرض مصر من ثم للعدوان الثلاثى فى نفس العام، وقفت سوريا الوحدوية إلى جانب مصر وقامت بنسف خطوط التابلاين التى تمر فى أراضيها والتى تغذى دول العدوان بالوقود بشكل مباشر أوغير مباشر، وقد انتهى العدوان بانتصار سياسى كاسح لمصر مما جعل منها رمزا للقوةالعربية الأولى التى تنجح فى التصدى للهيمنة الإستعمارية، وكان من الطبيعى والحال كذلك أن تسعى القوى الوحدوية السورية إلى تحقيق الوحدة مع مصر وأن تدفع بجمال عبدالناصر دفعا إلى القبول بالوحدة، رغم أنه فيما يذكر باتريك سيل مؤرخ تلك المرحلة لم يكن متحمسا للوحدة التى كانت سوف تورثه ما يموج به المجتمع السورى من الصراعات، وكان يفضل التضامن العربى بزعامة مصرية  فهذا هووحده ما من شأنه أن يضمن تحقيق نفس الغايات دون التعرض لنفس القدر من المغارم، غير أنه فى النهاية وجدنفسه مضطرا لأن يذعن للإرادة الشعبية الكاسحة  للجماهير فى كلا البلدين التى جعلت منه بطلا تاريخيا نجح فى تجسيد آمالها وطموحاتها، وهكذا تم إعلان ميثاق الوحدة فى بيان صدر فى 22فبراير 1958 موقع عليه من الرئيس السورى:شكرى القوتلى، والرئيس المصرى: جمال عبدالناصر..تلك كانت سوريا فى فبراير1958 الذى يمكن وصفه دون مبالغة بأنه فبراير الشامخ..الذى انكسر فى سبتمبر ( أيلول) 1961 نتيجة لبعض العوامل التى لسنا فى هنا مجال الحديث عنها. تلك كانت سوريا فى فبراير1958، فما الذى آلت إليه ونحن الآن فى فبراير2023..الجواب على هذا السؤال لا يخفى على أى متابع للشأن السورى..فقد توالت عليها الكوارث بدءا من كارثة الإنفصال وانتهاء إلى كارثة الزلزال الذى ضربها فى 4 فبراير الماضى وبلغت قوته ما يقرب من ثمانى درجات على مقياس ريختر مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى وعشرات الآف من المصابين، وما بين كارثةالإنفصال وكارثة الزلزال تعاقبت عليها الأحداث الأليمة..فقد نجح الرئيس حافظ الأسد فى تمهيد الطريق لأحد أبنائه فى وراثته فى الحكم ( كان يعدالعدة فى البداية لا بنه باسل، غيرأن وفاةالأخير بشكل مفاجئ جعل الحكم ينتقل إلى ابنه بشار )..وإذا كانت جماهير الشعب المصرى قد استطاعت أن توقف مشروع التوريث من خلال ثورة يناير 2011التى أجبرت حسنى مبارك على التنحى عن الرئاسة، فإن جماهير الشعب السورى قد أخفقت فى أن تزيح  بشار الأسد عن سدة الحكم، رغم أنها قد حاولت أن تتأسى بالجماهير المصرية،فأعلنت فى فبراير2011أنها سوف سوف تحدد يوم15مارس يوما للغضب الشعبى، وفى ذلك اليوم خرجت المظاهرات العارمة تطالب بإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين السياسيين،وإنهاء الحكم الدكتاتورى لبشار الأسد ( الذى تولى الحكم بالوراثة )، غير أن النتيجة كانت هى مواجهة المظاهرات بالذخيرة الحية، وهو ما دفع ببعض القوى الإقليمية والدولية إلى إمداد  بعض فصائل المعارضة بالسلاح، وهكذا اندلعت الحرب الأهلية فى سوريا التى بلغت خسائرها البشرية حتى الآن ما يقرب من نصف مليون قتيل، فضلا عن نزوح الملايين إلى خارج الوطن، وإذا بالبلد الذى كان نواة للوحدة، وقد أصبح متشظيا إلى مجموعة من الدويلات التى يسيطر على كل منها فصيل معارض،..فشتان شتان بين فبراير الشامخ...وفبراير الحزين.
                                          [email protected]