د. نصار عبدالله يكتب: ريان سوهاج فى قبضة الشرطة

مقالات الرأي

دكتور نصار عبد الله
دكتور نصار عبد الله

كعادتى فى كل عام جئت فى الأسبوع  الماضى من سوهاج إلى القاهرة لكى أشترى زادى السنوى من الكتب، نظرا لأن سوهاج هى المحافظة الوحيدة التى لا يوجدبها أى منافذ لبيع الكتب باستثناء دار المعارف التى لم تعرض كتبا جديدة منذ أكثر من عشرة أعوام، وما زالت الكتب المعروضة بها هى نفس الكتب التى رأيتها بهاعندما زرت الدار لأول مرة منذ سنوات عديدة!!..وربما كان العم: على زكى أشهر بائع صحف بها والذى أطلق على نفسه اسم: "دار الصحافة" ربما كان على زكى هوالوحيد الذى يعرض ويبيع كتبا  جديدة، غير أن الكتب الجديدة التى يعرضها ويبيعها تقتصر على تلك التى يتم توزيعها من خلال شركات التوزيع التابعة للدور الصحفية الكبرى: الأهرام..الأخبار..دار الهلال...الخ أما الكتب الصادرة من الناشرين الآخرين: الهيئة العامة للكتاب مثلا فإنها لا تجد طريقها للتوزيع، لا من خلال على زكى ولا دار المعارف بطبيعة الحال، فضلا عن الكتب الأجنبية التى لا يمكننى الإستغناء عنها سواء بحكم عملى الأكاديمى أو بحكم اهتماماتى الشخصية كقارىء يستمتع بقراءة أحدث ما يصدر فى مجالات متعددة...هكذا كانت رحلتى دائما إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب هى بمناسبة الحجة السنوية التى أحجها إليه كل عام،وقد ساعدنى على ذلك أنى كنت دائما أحصل على تصريح بدخول سيارتى من أصدقائى: الشاعر صلاح عبدالصبورعندما كان رئيسا للهيئة، ومن بعده الدكتور عزالدين إسماعيل  عندما تولى من بعده رئاستها، ثم بعد ذلك من ابن شقيقتى اللواء أمين عثمان الذى تولى منصب مدير الأمن بوزارة الثقافة على مدى سنوات عديدة، وفى السنوات الأخيرة من الصديقين: هيثم الحاج على وشوكت المصرى، وفى هذا العام تذكرت الأستاذة نانسى سمير التى كانت تعمل فى الثقافة الجماهيرية وكثيرا ما سافرنا معا لحضور مؤتمرات الثقافة فى أقاليم مصر المختلفة قبل أن تنتقل إلى العمل فى الهيئة العامة للكتاب، وقد كانت الأستاذة نانسى عند حسن الظن بها، فأتاحت لى الدخول بالسيارة إلى داخل المعرض، وهو ما كان يمثل لى هما كبيرا فى شيخوختى نظرا لبعد المسافة بين موقف انتظار السيارات خارج المعرض وبين أرض المعرض ذاته فإليها أتوجه بالشكر والعرفان والإمتنان...سوف يسألنى القارىء الآن ما العلاقة بين عنوان المقال وبين ما سطرته فى السطور السابقة...والجواب هو أننى وأنا فى داخل المعرض تلقيت اتصالا هاتفيا من رقم مجهول بالنسبة لى..تصورت لأول وهلة  أنه من أحد الناشرين  أو من أحد المكلفين بتنظيم الندوات التى كثيرا ما كنت أشارك فيها ضمن الفعاليات الثقافية للمعرض..غير أن المفاجأة التى باغتتنى كانت تتمثل فى تقديم المتصل نفسه: أنا مقدم شرطة: محمد الزارع وأتصل بك بخصوص مقالك المنشور فى  جريدة الفجر هذا الأسبوع بعنوان: " ريان سوهاج ما زال هاربا"، وأود أن أعرف من سيادتك من هو الذى رمزت له بالحروف م.ع.م.ع، وأجبته على الفور بحقيقة الإسم فى الواقع، ولم يزد عن القول: " شكرا جزيلا"، وانتهت بذلك  تلك المكالمة القصيرة جدا، وفى المساء كانت المفاجأة الثانية عندما عاود المقدم محمد الزارع الإتصال ليبلغنى  فى عبارات محددة أنه قد تم إلقاء القبض على م.ع.م.ع وأنه الآن فى قبضة الشرطة فى قسم سوهاج ثان، وفى هذه المرة كنت أنا الذى أقول له " شكرا جزيلا لكم، إننى لا أدرى كيف كان يمكن أن يعيش أبناء مصر دون مجهوداتكم"..والحقيقة أننى كنت أعنى ما أقول، فقد تداعت إلى ذهنى على الفور أحداث 25يناير 2011وكنت يومها قد حضرت إلى القاهرة لحضور معرض الكتاب الذى كان مقررا أن أشارك فى إحدى ندواته فضلا عن الغرض الأساس  الذى أحضر من أجله كل عام ألا وهو شراء الزاد السنوى من الكتب !!، فى ذلك العام تقررإلغاء معرض الكتاب نظرا للأحداث التى شهدتها مصر، وقد كان أخطرها اقتحام السجون وإطلاق عتاة الإجرام من غياهبها لكى يعيثوا فى الأرض فسادا !!،وأغلب الظن أن الكثير من أسرار تلك الواقعة لم يكشف حتى الآن رغم كثرة ما كتب عنه، غير أن أخطر ما تمخضت عنه تلك الأحداث هو الإنكسار المؤقت الذى أصاب جهاز الشرطة المصرى والذى ترتب عليه فوضى عارمة فى كافة المجالات، وساعتها فقط  عرفنا قيمة الشرطة لأننا لا نعرف قيمة الخير إلا عندما نفقده...هذا لا يعنى أن الشرطة ليس لها تجاوزات، لكن تجاوزاتها لا تعد شيئا إذا ما قورنت بإنجازاتها وتضحيات الكثيرين من أبنائها بأرواحهم  فى كثير من الأحيان، ويكفى هنا أن أقول إننى فى يناير 2011قد ظللت أكثر من شهر ونصف الشهر  فى القاهرة،  وأنا أخشى العودة بالسيارة إلى سوهاج حتى لا أتعرض لأخطار الطريق بعد أن تعددت حوادث السلب والنهب فى الطرقات السريعة وغير السريعة..مرة أخرى شكرا للمقدم محمد الزارع،ولكل عين تسهر على أمن مصر وتحمى أبناءها من الأشرار والفاسدين
                                                [email protected]