أحمد ياسر يكتب: كيف أصبحت الصين الشريك المثالي في الشرق الأوسط؟

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

من المهم فحص سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط، والتي ثبت أنها ناجحة ومثمرة لعدة أسباب رئيسية.

أولًا وقبل كل شيء، سياسة الصين في الشرق الأوسط متعددة الأبعاد، ويتكون وجهها الأول من التركيز بشكل كبير على الدبلوماسي،  تعمل هذه السياسة على تقوية القوة الناعمة لبكين في المنطقة وزيادة مشاركتها وآثارها في الشرق الأوسط، وتحديدًا في منطقة الخليج، وفي المقام الأول تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

من الركائز الأساسية لدور الصين الدبلوماسي في الشرق الأوسط الحفاظ على السلام والاستقرار وتعزيزهما من خلال منع الصراعات والتوترات من الخروج عن نطاق السيطرة والتسبب في حرب شاملة.

تحاول الصين أيضًا إبراز نفسها كصانع سلام عالمي، مما سيعزز بالتأكيد شرعيتها ومكانتها على المستوى الدولي…. أعلن وزير الخارجية تشين جانج في أبريل أن الصين مستعدة للتوسط في محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين بهدف إيجاد حل للصراع طويل الأمد بينهما.

وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ للزعيم الفلسطيني محمود عباس خلال زيارة الأخير للصين في يونيو "الصين مستعدة لتعزيز التنسيق والتعاون مع فلسطين لتعزيز حل مبكر وشامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية".

أصبحت بكين أيضًا واحدة من أوائل الدول التي تشارك في إعادة إعمار سوريا، وتأمل في إحلال السلام والاستقرار في الدول العربية بعد توقيع مذكرة تفاهم العام الماضي بين السفير الصيني ورئيس المجلس الوطني السوري، وسوريا دولة أخرى في الشرق الأوسط انضمت مؤخرًا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.

إن تركيز الصين على القوة الناعمة، بدلًا من استخدام الإكراه والقوة الصارمة، هو جزء من مبادرة الحزام والطريق الأوسع نطاقًا، وهي استراتيجية استثمار عالمية تعمل على تحسين البنية التحتية لأكثر من 150 دولة، تم دمج هذا المشروع الهام في دستور الحزب الشيوعي الصيني في عام 2017.

تتكون مبادرة الحزام والطريق من جزأين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين….. الهدف الرئيسي للمبادرة هو بناء "سوق كبير موحد والاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية، من خلال التبادل الثقافي والتكامل، لتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، وينتهي الأمر بنمط مبتكر مع تدفقات رأس المال، وتجمع المواهب، وقاعدة بيانات التكنولوجيا.

إن أي صراع بين دول الشرق الأوسط لديه القدرة على إشعال حريق إقليمي، لن يخدم مصالح الصين أو دول المنطقة.

ومن الأمثلة الحديثة البارزة الأخرى على توظيف بكين للدبلوماسية.. وهي الصفقة التاريخية التي توسطت فيها المملكة العربية السعودية وإيران، والتي تم الإعلان عنها في مارس، واعتبرها بعض الخبراء والعلماء والمحللين السياسيين علامة على نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط.

كان الاتفاق تطورًا رئيسيًا ليس فقط من حيث استعادة العلاقات بين قوتين في الشرق الأوسط - المملكة العربية السعودية وإيران - ولكن أيضًا في الحد من التوترات وتعزيز السلام والأمن في المنطقة، حيث يمكن أن يكون لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران تأثير كبير على المشهد الجيوسياسي والاقتصادي للمنطقة أيضًا.

الدعامة الثانية لسياسة الصين تجاه الشرق الأوسط لا ترتكز فقط على تجارة النفط والغاز التقليدية، ولكن أيضًا في الاستثمارات طويلة الأجل في مجالات أخرى، بما في ذلك البنية التحتية لبعض دول الشرق الأوسط والطاقة النظيفة وتكنولوجيا المعلومات.

على سبيل المثال، التزمت بكين باستثمار كبير في إيران عبر مختلف المجالات…في عام 2021، وقعت الصين والحكومة الإيرانية اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 25 عامًا، وهي الآن في المراحل الأولى من التنفيذ….وبحسب صحيفة "طهران تايمز"، "وافق وزير الخارجية الصيني على وجهات نظر نظيره الإيراني التي تم شرحها في مقال رأي نُشر في جلوبال تايمز الصينية، وقال وانغ (يي) إن وجهات نظر وزير الخارجية الإيراني تظهر أفقًا واعدًا في العلاقات بين طهران وبكين، وأكد كبير الدبلوماسيين الصينيين استعداد بلاده لتوسيع التعاون مع إيران في مجالات التمويل والطاقة والبنوك والثقافة.

يمكن أيضًا العثور على شراكات إيجابية بين الصين ودول الشرق الأوسط في مجالات أخرى، بما في ذلك معالجة تغير المناخ، والطاقة المتجددة، وصناعة الطاقة الشمسية، على سبيل المثال، خلال زيارة رسمية قام بها شي إلى الرياض في ديسمبر الماضي، وقعت المملكة العربية السعودية والصين مذكرة تفاهم بشأن طاقة الهيدروجين.

هذا.. إلى جانب اكتساب شرعية ومكانة عالمية معززة، بكين لديها مصلحة مالية راسخة في التأكيد على الدبلوماسية وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية قوية مع المملكة العربية السعودية ودول إقليمية أخرى بخلاف وارداتها النفطية… وفقًا لدويتشه فيله، فإن الصين "أقامت علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع كل من الرياض وطهران في السنوات الأخيرة، المملكة العربية السعودية هي أكبر مورد للنفط للصين، وبلغ حجم التجارة بين البلدين 87 مليار دولار في عام 2021.

وفي الوقت نفسه، بلغت قيمة التجارة بين إيران والصين أكثر من 16 مليار دولار في نفس العام، مع اعتماد طهران على العملاق الآسيوي لما يصل إلى 30% من تجارتها الخارجية.

باختصار، كانت مشاركة الصين مع الشرق الأوسط فعالة ومستنيرة وناجحة نظرًا لحقيقة أنها تستخدم سياسة متعددة الأبعاد تركز على توظيف القوة الناعمة، ولعب الدور الرئيسي لصانع السلام والوسيط، وتنفيذ استثمارات طويلة الأجل ليس فقط في قطاعي النفط والغاز، ولكن أيضًا في الطاقة النظيفة والطاقة المتجددة والبنية التحتية والتكنولوجيا.