أحمد ياسر يكتب: وجها الدبلوماسية الإيرانية

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

لقد تنفس العالم الصعداء عندما اتفقت المملكة العربية السعودية وإيران في بكين في العاشر من مارس، على استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة...كما أبدوا رغبة في الحوار والمصالحة.

ومع ذلك، بينما تحاول المملكة العربية السعودية بصدق ترجمة تفاهمات بكين إلى حركة حقيقية نحو السلام والمصالحة، فإن الإشارات الواردة من طهران، وخاصة حلفائها في المنطقة، كانت مختلطة، إن لم تكن مربكة.

ومنذ اجتماع مارس٢٠٢٣، التقى وزيرا الخارجية السعودي والإيراني في أبريل في بكين.... وزار وزير الخارجية السعودي طهران في يونيو، وفي أغسطس زار وزير الخارجية الإيراني السعودية والتقى بولي العهد... وكان وصول السفير السعودي إلى طهران في الخامس من سبتمبر  علامة ملموسة على الترتيب الجديد، خاصة أنه تحدث عن فجر جديد في العلاقة بين البلدين. وفي 19 سبتمبر، تم الكشف أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد أرسل رسالتين إلى الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في علامة أخرى على تحسن العلاقات.

وقد عززت التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانبين عقب هذه الأحداث الإيجابية، وأشارت إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ومع ذلك، فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذها الجانبان، يبدو أنهما متباعدان.

وفي اليمن، أرسلت السعودية سفيرها إلى صنعاء في أبريل ٢٠٢٣، للتوسط بين الحوثيين التابعين لإيران والحكومة المعترف بها دوليا، ورغم عدم تحقيق أي تقدم علني بعد عدة أيام من المناقشات المكثفة، إلا أن المحادثات وصفت بأنها إيجابية.

وفي الفترة من 14 إلى 18 سبتمبر٢٠٢٣، استضافت الرياض وفدًا من الحوثيين بقيادة كبير المفاوضين محمد عبد السلام، لاستئناف المناقشات الرامية إلى التوصل إلى "خارطة طريق" لدعم مسار السلام في اليمن، ورغم أن هذه الجولة لم تكن حاسمة أيضًا، إلا أن المشاركين كانوا متفائلين ووصفوها بأنها إيجابية.

وفي مايو 2023، استضافت المملكة العربية السعودية قمة جامعة الدول العربية، التي أعادت مكانة سوريا في المنظمة وشاركت في قيادة الجهود لمعالجة الأزمة السورية، بالتعاون مع الحكومة السورية، الحليف الوثيق لإيران، وواصلت المملكة العربية السعودية جهودها لدعم إعادة اندماج العراق مع مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم العربي.

وفي يونيو ٢٠٢٣، تم إطلاق ربط الشبكة الكهربائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق من الدمام، في مناسبة احتفالية للاحتفال بالعلاقات الوثيقة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية.

كان الجانبان قد اتفقا بالفعل على برنامج تكامل طموح يتضمن الحوار السياسي والأمني، والتعاون التجاري والاستثماري، وإعادة المشاركة الشعبية.

بالإضافة إلى المبادرات الدبلوماسية وإجراءات بناء الثقة مع إيران وحلفائها الإقليميين، شرعت المملكة العربية السعودية في حملة دبلوماسية طموحة على عدة جبهات أخرى للتعامل مع القضايا الملحة، ويحاول المسؤولون السعوديون التوسط بين روسيا وأوكرانيا، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والشروع في حل سياسي للصراع، وتبادل الأسرى والمعتقلين، كما وضعوا ثقلهم وراء الجهود المبذولة لاستئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا وروسيا.

وفي السودان، تقوم المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، بالتوسط بين الأطراف المتحاربة، تعتبر عملية جدة حتى الآن المنصة الواعدة لإنهاء العنف في السودان، أو على الأقل وقف التصعيد وإنشاء ممرات إنسانية أثناء إجراء المفاوضات حول الحل السياسي...نظمت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي في نيويورك حدثًا لتنشيط خطة الاستجابة الإنسانية للسودان.

والأكثر طموحًا هو أن المملكة العربية السعودية تقود جهودًا مستدامة لإعادة تنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط، وتسعى المملكة، التي انضمت إليها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع مصر والأردن أيضًا، إلى بث الحياة في هذه المهمة التي تبدو مستحيلة.

في 18 سبتمبر ٢٠٢٣، دعت المملكة العربية السعودية إلى يوم السلام، وهو حدث في نيويورك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشارك في الاجتماع نحو 50 وزير خارجية من مختلف أنحاء العالم، وكان الهدف هو إنتاج "حزمة دعم السلام" التي من شأنها تعظيم مكاسب السلام للفلسطينيين والإسرائيليين إذا توصلوا إلى اتفاق سلام.

ومع ذلك، لا يبدو أن إيران تؤيد هذه السياسة الجديدة بشكل كامل، ويعتقد بعض المراقبين أنه من المثير للقلق إقالة مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني في مايو ٢٠٢٣، بعد شهرين فقط من توقيعه الاتفاق مع نظيره السعودي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، والأخطر من ذلك هو أنه لم يكن هناك أي جهد ملموس من جانب إيران لنزع فتيل الأزمات الإقليمية التي كان لطهران نفوذ كبير فيها.....وفي بعض الحالات كان هناك تراجع.

وفي اليمن، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت المحادثات الأخيرة، ظل خطاب قادة الحوثيين الرئيسيين دون تغيير، وفي حين أن الهدنة صامدة بشكل عام، فقد تزايدت انتهاكات وقف إطلاق النار، في 25 سبتمبر، أدى هجوم شنه الحوثيون بطائرة دون طيار على الحدود السعودية مع اليمن إلى مقتل ثلاثة جنود من البحرين، وقال متحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية إن هجمات أخرى وقعت في الآونة الأخيرة في المنطقة الحدودية، بما في ذلك هجوم على محطة كهرباء وآخر على مركز للشرطة.

وفي العراق، بدأ بعض السياسيين، الذين يعتقد أنهم متحالفون مع إيران، في إثارة الصراع من خلال تكرار ادعاءات كاذبة قديمة حول الكويت والدعوة إلى إنهاء معاهدة الحدود البحرية لعام 2012، على الرغم من أن البلدين صدقا عليها في عام 2013، وأودعاها لدى الأمم المتحدة.... منذ عام 2015، وبإعتراف المجتمع الدولي.... بل إن بعض الإيرانيين قدموا مطالبات بشأن حقل غاز الدرة المملوك للسعودية والكويت.

إن هذه الخطوات التي اتخذت منذ الاتفاق التاريخي في مارس ٢٠٢٣، لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، لا تساهم في بناء الثقة، بل تعمل على زرع الشك والريبة.

ويمكن رؤية وجهي العملة في خطاب رئيسي في الأمم المتحدة يوم 19 سبتمبر ٢٠٢٣، فقد أشاد بالجهود الدبلوماسية في المنطقة وألمح إلى السلام والحوار مع الجيران، لكن تأبينه العاطفي لأمير الحرب في الحرس الثوري الراحل قاسم ك سليماني كان صادما.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ادعائه بأن "مقاومة" شعوب العراق واليمن ولبنان وسوريا "أثمرت"، وفي الواقع، كان أداء هذه البلدان سيئًا نتيجة لتدخلات إيران سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا: وكان الفوز الوحيد هنا هو نجاح طهران في تحويلها إلى أدوات لزعزعة الاستقرار.

وقد اتهم البعض طهران بالازدواجية الشبيهة بجانوس... ولكن الأرجح أن هناك في إيران وفي الحركات التي تدعمها في مختلف أنحاء المنطقة عناصر جامحة لا تقتنع بالمصالحة الجديدة وتسعى إلى تقويضها...يحتاج القادة الإيرانيون إلى التحدث علنًا واستدعاء هؤلاء المحرضين الذين يحاولون عرقلة الجهود الدبلوماسية السعودية الإيرانية.