التاريخ ملآن

حكم مصر المسيح.. حكاية المسجد والعدل والسلطان

منوعات

حكاية المسجد والعدل
حكاية المسجد والعدل والسلطان

حكم مصر المسيح.. حكاية المسجد والعدل والسلطان.. إذا كانت القاهرة تُسمّى بمدينة الالف مئذنة، فإنَّ هذه المدينة أيضًا يمكن تسميتها بمدينة الألف حكاية، فحكايا القوم والناس لا تنتهي، والتاريخ ملآن لا ينضب بالقصص. وروعة الأحدوثة لا تكمن فقط في التفاصيل، وإنَّما حين تكون واقعًا يشهد للبلاد بجميل ما فيها، لا سيما وأنه قد حكم مصر المسيح.

وإن كان المسيح اسم لنبي، فإنه كان إسم لوالي حكم هذه البلاد

وإن كان المسيح اسم لنبي، فإنه كان إسم لوالي حكم هذه البلاد، أخلص إليها، وعاش فيها، وخالط أهلها، فأراد تخليد اسمه، فبنى مسجدًا يُذَكر اسم الله فيه.

الفجر تلِجُ في أروقة التاريخ، وتتصفح أوراقه، في الكتب والمباني والشوارع، شوارع القاهرة العامرة الزاهرة، التي إن نطقت حجارتها لقالت وشهدت، وأسمعت وأمتعت، وذهبت بعقلك إلى أبعد من خيال. إلَّا أنَّه الواقع والحكاية التي عاشاها الناس، في مدينة الألف مئذنة.

اختلفوا على اسم بانيها، واختلفوا على دينه، لكنهم أجمعوا بوطنيته، فشتَّان بين المواطن والوطنيِّ، فإن كان الأول يعيش فيها حياته اليومية، فالثاني يعيش في دواخله الوطن يملاُ كيانه ويبقى متقرًّا في قلبه، مهما ذهب أوابتعد.

حين تمرُّ بمنطقة السيدة عائشة

عندما تمر بـ منطقة السيدة عائشة، المكان عاديٌ جدًا، سيارات جيئة ورواحًا، والناس إلى أشغالهم ذاهبون، وبعض الباعة، ورجل المرور، تفاصيل القاهرة كما تعرفها عيون أبنائها وزوارها وعشَّاقها، لكن ناظريك ستلمحُ شيئًا مختلفًا في زماننا، مألوفًا في زمانهم،  ستجد مسجدًا أثريًا يُسمى "المسيح"، الذي أقامه المسيح باشا في عام 1573م.

يختلف الناس حول اسم المسجد، فهل ذات الأصلي "المسيح"، أم اعتماد الاسم الجديد "المسبح" الذي اختارته وزارة الأوقاف وعلقته على لافتة المسجد.

متى تأسس مسجد المسيح؟

تأسس مسجد "المسيح" في عام 1585م في عهد الخليفة العثماني مراد الثالث، وتم اكتشافه كمكان أثري مناسب لإقامة الشعائر الدينية في عام 1976.

يعرف المسجد بجامع المسبح في منطقة عرب يسار بالسيدة عائشة، حيث يظهر مطلًا على الشارع العام. المسجد بني بساطة، مع عمادات قوية تحمل سقف المسجد، ويحتوي على محراب ومنبر قصير من الخشب الزان، ويتميز سقفه بالخشب المعشق الثقيل، وتزين جدرانه بنوافذ للإضاءة والتهوية وأبواب خشبية صغيرة مزينة بالأرابيسك.

بتهيئة عثمانية.. هكذا روعة التفاصيل

والمسجد يشتمل على واجهتين إحداهما رئيسية وهى الشمالية الشرقية،أما الأخرى فهى الجنوبية الشرقية، والمسجد يتكون من مساحة مستطيلة قسمت بواسطة بائكتتين إلى ثلاثة أروقة موازية لجدار القبلة، وتتكون كل بائكة من ثلاثة عقود مدببة أوسطها أوسعها.

وترتكز على عمودين فى الوسط وعلى دعامة ملتصقة بكل جدار فى الضلعين الجانبيين، ويتوسط صدر الجامع المحراب، ويلاحظ أن الواجهة الرئيسية للمسجد وهى الشمالية الشرقية يوجد بها المدخل الرئيسى وذلك فى أقصى الطرف الشمالى وعلى يساره توجد المئذنة، وهي رفيعه مخروطيه علي الطراز العثماني.

ولكن من المسيح باشا؟

المسيح باشا كان معروفًا بكونه حاكمًا عالمًا بشؤون السياسة، سفاكًا للدماء في الحق، لا يقبل الرشوة ولا يعفو عن المفسدين. 

قراراته حميدة، منها إقامة مسجده في منطقة السيدة عائشة، وباب القرافة يحمل اسم نور الدين القرافي الذي كلفه المسيح باشا بنظارة الوقف على هذا المسجد والصهريج والكتاب.

قبل توليه أمر الولاية كان قائدًا لإحدى فرق الجيش

أحد الولاه على مصر في العصر العثماني وتحديدًا عام من 1574 إلى 1579 في عهد السلطان العثماني مراد الثالث، وتميز المسيح باشا بإلمامه بأمور السياسة وإدارة الدولة، وعُرف عنه القوة في الحق، فلم يقبل رشوة، أو يعفُ عن مخطئ، وقضى علىالعصابات الليلية التي انتشرت فى مصر في تلك الآونة.

وقبل توليه أمر الولاية كان قائدًا لإحدى فرق الجيش، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب وزير المالية، ثم أصدر السلطان مراد الثالث مرسومًا ملكيًا بتوليه حكم مصر.

وأكد البعض أن مسيح باشا، مسلم من مواليد البوسنة، والتي كانت ولاية عثمانية، والتحق بالجيش العثماني وصولًا إلى حكم مصر.

وهناك رواية أخرى تؤكد أنه كان مسيحيًا وأسلم على يد الشيخ نور الدين القرافي، وأمر كُتّاب المراسيم بأن يبدأوها بـ«بسم الله الرحمنالرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعليه وآله وصحبه أجمعين».

في الختام لقد مات المسيح، وذهب العثمانيون، وتوالت الأيَّام، وبقى الأثر وظلَّت الحكاية، ولا زال الناس يتندرون: "حكم مصر المسيح.. حكاية المسجد والعدل والسلطان".