عادل حمودة يكتب: عواصف النار تهب على مصر «٣»

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

٢٠٢٣ سنة صعبة تنفرج بعدها الأزمة

المجموعة الاقتصادية سبب المشكلة فلا يمكن أن تكون سبب الحل

نطالب بوجوه جديدة تعيد الثقة فى الاقتصاد المصرى  

استراتيجية التنمية بها أحلام وأمنيات لكنها لا تحدد وسائل تحقيقها  

نحن والحكومة شركاء فى التعامل مع الأزمة إما نعبرها أو نزيد من تأثيرها

الحرب على غزة أثرت على مواردنا من العملات الصعبة وزادت من الفجوة بين سعر الدولار فى البنوك وسعره فى السوق الخفية

لا يأتى أصحاب الخبرة من العدم.

لا يأتون من المصادفة.

المصادفة تحدث على طاولة القمار ولكنها لا تحدث فى خلق موهبة مبدعة.

والموهبة المبدعة لا تتقيد بالنوتة الموسيقية التقليدية وإنما تضبط حناجرها حسب الظروف الحياتية.

والخطر الكبير الذى يهددها هو العشوائية والمجانية وقطع جذورها نهائيا بالتغيرات والتطورات التى تحدث فى الدنيا وإلا أصبحت وحيدة منبوذة فى ملجأ أيتام.

والقاعدة الذهبية التى ترفضها الموهبة المبدعة هى التمسك بالخطأ بعد اكتشافه والإصرار على الوصول إلى النجاح بتكرار الطريقة ذاتها التى تنتهى بالفشل.

القاعدة الذهبية التى تؤمن بها وتصر عليها ولا تحيد عنها هى «من كان جزءًا من المشكلة لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل».

لا مفر من الإيمان بهذه القاعدة.

لا مفر من أن ننشرها فى كل مكان تقع عليه عيوننا حتى فى المرآة التى ننظر إليها وإلا سنظل عالقين بين السماء والأرض.

لا مفر من إعلان العمل بها خاصة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية المؤلمة التى نمر بها ونعانى منها ونحلم بانتهائها.

ويضاعف من ذلك أن الأزمة ستصل إلى ذروتها فى العام الجارى (٢٠٢٤) لتبدأ فى التخفيف من أوجاعها تدريجيا فى العام التالى حتى تختفى تماما.

جاء العام الحالى بأكبر التزامات فى ملف الديون علينا سدادها ربما تزيد عن العشرين مليار دولار إلى جانب تكاليف استيراد ما نحتاج من سلع أساسية ومستلزمات إنتاج للصناعة الوطنية مما يمثل مزيدا من الضغط على موارد العملة الصعبة.

فى الوقت نفسه أثرت عواصف النار التى هبت علينا من الحرب الإسرائيلية الفلسطينية على ما اعتدنا على جمعه من العملة الصعبة.

يكفى أن نضع خطا تحت عائدات قناة السويس التى تراجعت بسبب الحرب الأمريكية على جماعة الحوثيين فى اليمن بعد تحكمها فى باب المندب ومهاجمتها للسفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى موانئ إسرائيلية حتى يتوقف العدوان على غزة.

اضطرت أكبر شركات الشحن العالمية الابتعاد عن البحر الأحمر وغيرت مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح مما خفض من نسبة العبور فى القناة بنحو أربعين فى المائة.

كانت القناة تحقق دخلا يصل إلى ثمانية مليارات فإذا بالصواريخ البالستية والمسيرات المنطلقة عن بعد تحرمنا مما يقرب من النصف وربما أكثر.

وفى العام الماضى حققت السياحة ١٤ مليار دولار لكن بعد وقوع سيناء فى محيط الحرب ألغى ٦٠٠ ألف سائح حجوزات الربع الأول من العام الحالى مما يهدد بفقد ٦٠٠ مليون دولار.

منذ عام ٢٠١٩ تزايدت الفجوة بين مواردنا ومصروفاتنا من العملة الصعبة بسبب سياسة النقود الساخنة إلى جانب كارثة كورونا والحروب التى لحقت بها.

كانت إيرادات مصر الشهرية من العملة الصعبة ٤.٨ مليار دولار ومصروفاتنا ٥.٢ مليار دولار فلم يزد العجز عن ٤٠٠ مليون دولار.

لكن فى عام ٢٠٢٢ ارتفعت المصروفات إلى سبعة مليارات وبقيت الموارد كما هى مما رفع الفجوة إلى ٢.٥ مليار دولار.

وبدأت الحكومة فى ترشيد الإنفاق حتى وصل متوسط الإنفاق الشهرى إلى ٣ مليارات دولار فى عام ٢٠٢٣.

على أن الحرب على غزة أثرت على مواردنا من العملات الصعبة وزادت من الفجوة بين سعر الدولار فى البنوك وسعره فى السوق الخفية مما أدى إلى تراجع تحويلات المصريين فى الخارج بنسبة الثلث وكانت عنصرا مؤثرا فى استقرار الصرف.

ولو كانت الفجوة تتسع يوما بعد يوم فإن الحكومة تعمل جاهدة على تقليلها بالسعى إلى تدبير مبلغ كبير من العملة الصعبة يوفر حاجة الأسواق بسهولة ويهدئ من اضطراب سعر الصرف فتكف المضاربة على الدولار الذى يرتفع متجاوزا حدوده الطبيعية.

ولكل حكومة بالقطع وسائلها الخاصة التى تحقق بها أهدافها وتحتفظ بسريتها حتى لا يفسدها عليها أحد فى وقت تختلط فيه السياسة بالاقتصاد والحرب الإقليمية بالعلاقات مع الدول الأجنبية.

والمؤكد أن رئيس الحكومة مجتهد ويعمل أكثر مما يستريح ولا يكف عن ابتكار وسائل للخروج من الأزمة ولكننا نطلب منه أن يكون «معقولا» حين يخاطبنا علنا كما نحن «معقولون» حين نستمع إليه.

نحن وهو شركاء فى مركب تبحر إلى بر أمان رغم ما يحيط بها من دوامات ومؤامرات وصراعات وتغيرات.

لذلك فإن لنا الحق فى أكثر من سؤال.

لم غاب عن المجموعة الاقتصادية وزيرا الاقتصاد والاستثمار؟

من يضع السياسة الاقتصادية؟

هل المجموعة الاقتصادية تمتلك الكفاءة لوضع استراتيجية مصر للتنمية الاقتصادية خلال الست سنوات القادمة حتى عام ٢٠٣٠؟

هل من تسبب فى المشكلة سيقدر على حلها؟

وما يلفت النظر ويثير الدهشة أن المجموعة الاقتصادية اعتبرت هذه الاستراتيجية مشروعا ينتظر حوارا مجتمعيا حوله قبل تنفيذها والعمل بها.

والحقيقة أن العادة جرت أن تقدم المجموعة الاقتصادية تصورها النهائى كاملا ثم نحاسبها عليه.

وأخطر ما فى هذه الاستراتيجية أنها تصنع أحلاما لكن لا تحدد وسائل تنفيذها وتسير فى طريق الأمنيات دون أن تبرز آليات تحقيقها.

مثلا تتحدث عن سداد الديون قصيرة الأجل (من ٣ إلى ٧ سنوات) بديون طويلة الأجل (من ٢٠ إلى ٣٠ سنة) بإصدار سندات بقيمة ١٠٠ مليار دولار.

لكنها لم تقل من سيشترى هذه السندات بهذه القيمة المرتفعة فى وقت تخرج فيه كثير من الشركات الأجنبية من البلاد بسبب صعوبة تحويل أرباحها إلى الخارج بالعملة الصعبة وبسبب تراجع الإقبال على السندات المصرية؟

وكان من الممكن توريق إيرادات العملة الصعبة لنبيع نسبة من السندات طويلة الأجل لكن هل هناك ما يضمن أن يصل البيع إلى ١٠٠ مليار دولار فى ست سنوات؟

كيف حسبت المجموعة الاقتصادية ذلك؟

وبالقطع هناك مفاجآت لم تضعها المجموعة الاقتصادية فى حسبانها منها تراجع إيرادات قناة السويس بسبب الحرب فى البحر الأحمر.

بل ربما كانت هذه الحرب مقصودة لتحجيم قناة السويس والسعى إلى خلق بدائل لها كما نسمع ونقرأ كل يوم.

إن الصين قررت استثمار ١٥ مليار دولار فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مما أزعج الولايات المتحدة فأشعلت النار فى اليمن.

هنا لا بد أن ندرك أن لا نستطيع وضع استراتيجيات اقتصادية دون حسابات سياسية أو دون تقديرات نتائج الصراعات الإقليمية.

المؤكد أن توقعات التوريق انخفضت بسبب تراجع إيرادات القناة والسياحة والعاملين فى الخارج ومن ثم كان على المجموعة الاقتصادية ألا تفرط فى التفاؤل أو كان عليها أن تثبت أنها فى تفاؤلها على حق.

ولكن بعيدا عن اجتهادات المستقبل فإن الحكومة نجحت فى توريق حصيلة بيع الأراضى بنحو ٥ مليارات دولار عام ٢٠٢٣.

ولا تكف عن الابتكار فى الحصول على مزيد من المليارات.

وبالقطع لم تغير المجموعة الاقتصادية سياسة سداد الديون بالديون وكل اجتهادها هذه المرة فى مدة السداد.

وتتحدث الاستراتيجية عن نمو فى الصادرات يصل إلى ٢٠٪ سنويا فى حين تراجعت الصادرات بنفس النسبة فى عام ٢٠٢٣.

والحقيقة أن المشكلة تكمن فى استيراد غالبية مدخلات سلع التصدير من الخارج وهو ما يمثل ضغطا على العملة الصعبة ربما يزيد عما يأتى من الاستيراد نفسه خاصة كما أن كثيرا من المستوردين يحتفظون بنسبة كبيرة من العملة الصعبة فى الخارج بسبب الفجوة الكبيرة فى سعر الصرف تماما كما تفعل شركات السياحة التى لم تحول نصف إيراد العام الماضى إلى الداخل (٧ مليارات دولار).

فى الوقت نفسه زاد الاستهلاك على حساب التصدير بسبب الزيادة السكانية السنوية (مليونا نسمة) ليصل عدد المواطنين إلى ١٠٩ ملايين شخص ويضاف إليهم ٩ ملايين لاجئ.

وحتى نحقق قيمة صادرات صافية ومثمرة علينا البحث عن صناعات ترتفع فيها نسبة المكون المحلى بنسبة كبيرة جدا.

وربما من حسنات أزمة الدولار أن كثيرًا من المصانع بدأت فى البحث عن بديل مصرى تستخدمه فى إنتاجها.

ويجب أن نعرف ما الاستثمارات الإضافية التى ستأتى من بيع حصة حكومية لمستثمرين من القطاع الخاص والأجنبى.

لقد باعت الحكومة ٣٠٪ من أهم سبعة فنادق فى مصر لكنها لم تقل لنا ما الإضافات التى سيقوم بها المشترون المستثمرون حتى نطمئن إلى معقولية الصفقة.

وقبل أن نسعى إلى جذب مستثمر خارجى علينا الإبقاء على المستثمر الداخلى المحاصر بقيود بيروقراطية صعبة تجعله يفكر فى الهروب بأمواله إلى الخارج.

الحقيقة التى لا مفر منها أنه تجب إعادة النظر فى المجموعة الاقتصادية حتى يسترد العالم ثقته فى الاقتصاد المصرى.

وعندما نرى وجوها جديدة قادرة على تنفيذ ما تقول سنسترد الشعور بالأمل فى تجاوز الأزمة بل سنقلل من الشكوى منها وسنخفف من استهلاكنا فى الطاقة والمياه والطعام الذى يزيد من تداعياتها.

إن الوجوه الجديدة الموهوبة والمحترفة فى الصناعة والتجارة والاستثمار والسياسة المالية والنقدية ستعيد الطمأنينة إلينا فلا نسرف فى الاستهلاك قبل مزيد من خفض الجنيه وهو ما يؤدى إلى مزيد من الأزمة.

فى الوقت نفسه تجب محاسبة المسئول أولى بأول ولكن بعد أن نمنحه كافة الصلاحيات وهنا يجب تثبيت من يشغلون المناصب الاقتصادية الحساسة بقرارات حاسمة بعيدا عن «القائم بالأعمال».

وعلينا مكاشفة الرأى العام بحقائق ما تتحمله الدولة فى الدعم حتى يستجيبوا لدعوة ترشيد الاستهلاك من جانبهم.

إن خسائر شركات الكهرباء ٩٠ مليار جنيه سنويا وخسائر بيع السولار والبوتاجاز ١٢٥ مليار جنيه سنويا.

وتحتاج البلاد إلى ٤٠٠ مليون دولار لشراء الغاز والمازوت لتوليد الكهرباء شهريا إضافة إلى ١٢ مليار دولار من إنتاج الغاز والمازوت تذهب إلى الكهرباء.

والمقصود أن مراجعة استهلاكنا لا يوفر لنا ما ندفع فقط وإنما يوفر عملات صعبة تحصل عليها الدولة بصعوبة وتؤثر فى الأزمة التى نتحملها.

ويتكرر الأمر مع البنزين.

باختصار نحن والحكومة شركاء فى تعقيد الأزمة أو المساهمة فى حلها وعلينا أن نختار.