د.رشا سمير تكتب : ثورة الفوتوشوب؟

مقالات الرأي


ماهو الفوتوشوب؟..

الفوتوشوب هو برنامج كمبيوتر عبقرى إخترعه جلين كنول فى قبو منزله بمساعدة ولداه جون وتوماس ليخرجوا للعالم برنامج تصوير، غيروا به ملامح الأحداث الأصلية وصنعوا به من حقائق المواقف أكاذيب باطلة..

الفوتوشوب برنامج يتيح لأى شخص أن يحل ضيفا على صورة لم يكن موجودا فيها وقت إلتقاطها..

الفوتوشوب برنامج يتيح لأى شخص أن يُدخل تعديلات على مظهره فى صورة كان فيها ولم يلتفت |إلى هندامه..فيصبح بمقدرته تغيير لون بشرته وتسريحة شعره وشكل ملابسه أو حتى لون ضحكته!.

لكن لازال الفوتوشوب حتى اليوم برنامج عاجز عن الكثير..

فهو لا يُتيح للأشخاص تغيير سلوكهم أو عقائدهم أو توجهاتهم..

بإختصار الفوتوشوب برنامج قادر على تحسين الشكل الخارجى فقط ولكنه لازال غير قادر على الكثير..فهو أبدا لا يُطهر البشر من ذنوبهم ولا يُثنيهم عن خطاياهم ولا يزرع بداخلهم إنتماء لا يملكونه ولا يسلبهم رداء العبودية ليُكسيهم بدلا منه ثوب الحرية، ولا ينزع من بين ضلوعهم جينات الخيانة ليستبدلها بجينات الإنتماء..

هذا هو الفوتوشوب الذى وضع أشخاص فى صورة الثورة وأضفى عليهم بريقا فأصبحوا جزء من مسيرة وطن لم يقدموا له أى شئ بل إغتصبوه واعتلوا ساحته وتحدثوا بإسم ثواره وكأنهم فرسان، وهم فى الحقيقة فرسان من ورق، بلا هوية مصرية صادقة، لا يمتلكون الإيمان الحقيقى سوى بقضاياهم ولا ينتشلون من بين الأنقاض سوى جثث من إغتالوهم من أجل أطماعهم.

ولكن هل كانت ثورة يناير حقا ثورة الفوتوشوب؟!

كلا..وألف كلا..فأنا من المؤمنين بثورة يناير ومن المؤمنين بوجوب قيامها، على عكس الكثيرين اللذين فقدوا مع الوقت مصداقية الإيمان بها..

فى 25 يناير خرج الشعب مثل المارد الذى حبسه سيده فى القمقم أعوام وأعوام حتى أصبح غليانه داخل الفانوس يُحتم إنفجاره وخروجه باحثا عن نسائم الحُرية..

لقد سمعنا وقتها عن خونة وعملاء ومخططات تقسيم وجماعات ممولة..لكننا من فرط الحماس لم نُصدق ولم نتراجع ولم نسمح لعقولنا بأن تفكر تفكيرا منطقيا ولو للحظة..

حين خرج علينا الرئيس الأسبق مبارك يطالبنا بمُهلة 6 أشهر حتى تسليم السُلطة، وخيرنا بينه وبين الفوضى..تصورنا وقتها بأنه كاذب وخصوصا بعد سابقة أعماله الطويلة معنا..وقتها كتبت وقلت أن التاريخ سوف يروى عن هذه الثورة بعد سنوات مالم ندركه فى حينها..فإذا الأيام تكشف لنا بأن مبارك ربما كان جشعا وفاسدا أو حتى منتفعا ولكنه أبدا لم يكن خائنا، لأنه فى الأصل كان رجل عسكرى..والبدلة الميرى تمنح صاحبها مناعة ضد وباء الخيانة..

وقتها تصورنا أن الميدان إكتظ بكل فئات الشعب وطوائفه..واليوم إكتشفنا أن الميدان كانت به ثلاث فئات فقط لا غير:

الأخوان المسلمون..الذين أمنوا الميدان ومولوا الثوار وأحدثوا الفوضى وكانوا أبطال موقعة الجمل، وكأن غطاء (البكابورت) قد إنزاح بعد الثورة لتخرج هذه الكائنات فيحتلون كل شئ، بدءا بالعقول وحتى كرسي الرئاسة..

الثوار الحقيقيون..ولن أقول شباب الثورة، لأن الشباب والشيوخ تساووا أنذاك فى مطلب العيش والحرية والعدالة الإجتماعية..وهؤلاء لم يكونوا وهما..هؤلاء لم يكونوا أشباحا..بل هم الحقيقة الوحيدة فى هذه الثورة..

أتذكر أننى حضرت حفل توقيع كتاب للتصوير الفوتوغرافى إسمه (الطريق إلى التحرير) قام بكتابته 5 شباب وفتاة، لم يكن نزولهم التحرير من واقع ظلم، لأنهم جميعا من مستوى إجتماعى مرتفع ولكنهم نزلوا الميدان بدافع فضول الشباب، لكن وجودهم فى الميدان خلق لديهم إنتماء قوى وخلق بداخلهم شعور بألام الغير، فأصبح نزولهم كل يوم رسالة أمنوا بها، وتحولت الصور إلى توثيق مشاهد حقيقية لألام بشر لم يشعروا بوجودهم من قبل..هذه النماذج من شباب الثورة هى النماذج التى جعلتنى وجعلت الملايين لازالوا يؤمنون بثورة يناير..

كما أتذكر أننى قابلت فى الميدان رجل فى متوسط العمر يبدو عليه التواضع فى كل شئ، فسألته: لماذا أنت هنا؟ ..قال: أعمل فى مؤسسة حكومية قتل الفساد فيها كل شئ، إعتلى المناصب كل من عرف طريق التدليس والنفاق والسرقة..وأنا هنا اليوم وسأبقى حتى تسقط دولة الفساد .

هذه النماذج هى قلب الثورة الحقيقي والمعنى الأكيد لثورة يناير..إنهم نماذج لم تحتاج رتوشا بالفوتوشوب لأنهم كانوا من البداية فى الصورة..

الفئة الأخيرة وهى فئة شباب إئتلافات الثورة و6 إبريل والحركات الثورية المختلفة..

أتذكر أن شخص أثق فيه كان يعمل بجهاز أمن الدولة وقت الثورة كان يؤكد لى فى حينها أن هؤلاء الشباب ممولين من جهات أجنبية لإسقاط مصر، وتم تدريبهم على أيدى مراكز أجنبية متعددة لإحداث ثورة تدخل بمصر إلى مرحلة الفوضى التى سوف تؤدى بلاشك إلى أحضان الأخوان المسلمون بتأييد أمريكى..أتذكر وقتها أننى هاجمته واتهمته بأنه ينتمى لجهاز قمعى سادى..واليوم تتكشف أمامنا كل الحقائق التى كان الجميع يعمل ليل نهار من أجل إبقائها داخل الصندوق الأسود..اليوم ظهرت لنا كل الوجوه المشوهة لشباب تخفوا خلف أقنعة الثوار كى يملأون جيوبهم بأموال مشبوهة..وكأن مصر كانت لهم مغارة على بابا..وكلمة السر كانت.....الثورة!.

هؤلاء هم الفوتوشوب الحقيقي فى ثورة يناير، فمن أجل هؤلاء..فقد الكثيرون إيمانهم بالثورة وتمنوا لو لم تكن قد قامت منذ البداية..

أنا مثلا لم أذرف الدمع أمام التمثيلية التى قام بها وائل غنيم من خلال برنامج العاشرة مساءا بإقتدار، وأقسم بأننى لم أتعاطف معه يوما..على الرغم من كونه النواة لصفحة (كلنا خالد سعيد)، وعلى الرغم من وجوده فى الفضائيات وصعوده إلى مرتبة النجم، لأننى وببساطة بحثت عنه فى كل مكان فى ثورة 30-6 وعلى الساحة السياسية بعد إنقضاء ثورة يناير، فلم أجده!..مما أكد ظنونى بأنه أدى دوره بإقتدار وأن وقت إنسحابه..ولم أرتاح يوما للبذاءات التى هاجمت بها أسماء محفوظ الجيش والشرطة..ولم أرضى عن جيل فقد إحترامه لأجيال سبقته بحجة الحُرية..واليوم تكشف لنا المخابرات المصرية بأن هذا الدور تم فى مقابل أموال طائلة وبأن الثورة كانت مؤامرة قامت بها كل الأطراف السياسية الشبابية بإيعاز من أمريكا وغيرها من الدول العربية..فتُبث علينا مكالمات بين أحمد ماهر ومحمد عادل وهما يوزعان تركة مصر..مكالمات تشعرك بالغثيان..إنهم يتآمرون ويتبرعون بهتك عرض مصر من أجل التمويل الأجنبي..إنهم يتسارعون بتقديم الخدمات من أجل حفنة دولارات ومن أجل السفر إلى دول أجنبية، يتمتعون فيها بالنزول فى فنادق خمس نجوم والأكل المجانى..إنهم مختلفون فيما بينهم ويتصارعون من أجل تقسيم الغنائم!..

أتمنى لو خرج علينا وائل غنيم ومحمد عادل وأحمد ماهر وكل من جاء ذكره بقضايا التمويل، بتبرير مناسب أو بمؤتمر صحفى لتصحيح موقفهم..أما إذا ثبت إدانتهم فأنا هنا أطالب الدولة والنيابة العامة بحسابهم حسابا يسيرا، لأن كل من ساهم فى سقوط مصر أو حاول إسقاطها بشكل أو بآخر يجب محاكمته بتهمة التجسس..كما ألوم أيضا على الأجهزة السيادية بالدولة لسكوتهم طويلا على كل هذه الأطراف طالما إمتلكوا الأدلة من وقتها..تماما مثلما تركوا رجل خائن يعتلى عرش مصر العظيمة وهم يمتلكون أدلة تخابر ضده..لماذا السكوت إذن؟!..ولماذا الآن؟!.

كل من نهش فى لحم مصر بأظافره خائن ويجب رجمه حتى الموت..وكل من ساهم فى مخطط إسقاط مصر عميل يستحق أن يُحاكم أمام محكمة التاريخ التى لا تُزيف ولا ترحم..

جيفارا لم يتلق تدريب فى صربيا ولم يتلق أموال من قطر ولم يوافق على إعتلاء منصب رئيس وزارء بعد الثورة وآثر أن يبقى فى ميدان الحرية محاربا للأبد..هناك مليون جيفارا حقيقي فى مصر، ثوريون لا يقبلون المزايدة ولا يعبدون المال.

وثورة مصر العظيمة كانت خطوة فى خارطة طريق طويلة كتبها الشعب المصرى بدماء أبنائه..أما أبناء ثورة يناير المزيفون فليسوا إلا عبيد إرتدوا ملابس الفرسان فى موقعة كان بطلها الفوتوشوب..

[email protected]