عادل حمودة يكتب: نظام مبارك يعود بغطاء عليه صورة الجنرال

مقالات الرأي

عادل حمودة يكتب:
عادل حمودة يكتب: نظام مبارك يعود بغطاء عليه صورة الجنرال

التفويض القادم للسيسى: نرشحك للرئاسة!

■ الفشل فى استيعاب شباب يناير ويوليو وضع بعضهم فى السجن ليسيطر على المشهد السياسى رجال أعمال فاسدون ورموز من الحزب الوطنى اقتسموا غنائم الوطن


■ إسرائيل والولايات المتحدة تخشيان عودة أسلوب حكم عبدالناصر بعد أن نامتا فى العسل طوال سنوات حكم السادات ومبارك ومرسى!


فى منتصف سبتمبر تقريبا.. التقت قيادات مؤثرة فى مؤسسات نافذة.. قوية.. الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. وراحت تقنعه بحتمية ترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة.. وطوال ثلاث ساعات تلاحقت الشواهد والبراهين على أهمية الهدف.. وصحة المقصد.. وسلامة المطلب.. فهو قد وضع رقبته على كفه.. وتحدى قدره.. ونسف مؤامرات التفكيك والتقسيم والتكفير والتفجير والتدمير والتفخيخ.. وساند إرادة الشعب فى التخلص من جماعة غائبة عن العصر.. استأجرت الوطن مفروشا.. وقررت بيعه بالجدك.. قطعة قطعة.. دون أن يهتز لها جفن.. أو يرتعش لها خاطر.

لكن.. الرجل بعد ثلاث ساعات من الإنصات المتقن الذى يجيده فضّ الحوار بجملة قصيرة.. خاطفة: «لم أقل بعد إننى سأترشح».. فأعاد الجميع إلى نقطة الصفر.. على أنهم اعتبروا الجلسة إيجابية.. فإذا لم يحسم قبوله فإنه أيضا لم يعلن رفضه.

وحسب مقربين منه فإنه يستمع جيدا.. ولا يعلق بسهولة.. ويصعب قراءة ما يدور فى ذهنه.. ولا تكشف ملامح وجهه ما يشعر به فى قلبه.. لقد تجمَّد وجهه تقريبا وهو يتابع فى الصف الأول الكلمات والحكايات البلهاء التى نطق بها محمد مرسى فى خطاب السنة الأولى على حكمه.. لم تشِ خلية واحدة فى صورته بما فى أعماقه قبولا أو غضبا.. استحسانا أو استنكارا.. وربما عكس ذلك طبيعته الشخصية.. أو خبرته فى المخابرات الحربية.

وغالبا.. ما يفاجأ من حوله بالقرار دون تمهيد أو إيحاء.. فى يوم الاثنين 22 يوليو عرف أن نزول المصريين فى الميادين والشوارع لن يكون بالكثافة التى كانوا عليها يوم الأحد 30 يونيه.. فلم يتردد فى دعوتهم فى حفل تخرج الدفعة الأخيرة فى الكلية البحرية للنزول يوم الجمعة 26 يوليو لتفويضه فى الحرب على الإرهاب.. وكانت الاستجابة مذهلة.

وحسب قراءة علماء الجسد فإن الرجل يتمتع بصوت دافئ.. حنون.. يجيد استخدام الكلمات العاطفية المؤثرة.. ويمسك «الميكروفون» بكلتا يديه.. مثل النجوم.. ويعرف الوقت المناسب للتحرك نحو ما يريد.

ليس حائرا.. حسب تفسير هيكل.. لكنه.. يحسب كل صغيرة وكبيرة قبل أن يعلن قراره.. لقد تسلَّم القوات المسلحة من سلفه المشير حسين طنطاوى فى حالة تثير حزنا قبل أن تفجر ألما.. إن فشلها سياسيا أثر على نفسية شبابها مهنيا.. وكان عليه ترميم ما فى الصدور من شروخ قبل أن يداوى ما سببته للشعب من جروح.. كان عليه أن يمتلك ثقة المؤسسة العسكرية قبل أن ينفذ إرادة الأمة المصرية.

وأغلب الظن أن هيكل تلقى معلومات ما لم تتسم بالدقة جعلته يجزم- وهو فى بيروت- بأن الرجل لن يترشح للرئاسة.. وأمام عاصفة الغضب التى واجهت تصريحاته سارع بالخروج من المطب ببراعته الأدبية مضيفا: «قلت السيسى لن يرشح نفسه».. لكنه.. لم يكمل الجملة.. لم يقل من سيرشحه.. ترك الباب مفتوحا حتى لا يجد نفسه فى مأزق جديد.

وحسب ما أعرف.. أو ما أتصور.. فإن السيسى يراهن على قوة الشعب الذى فوضه لتصفية الإرهاب من قبل ليخرج بنفس الحشد وربما أكثر ليطالب بترشحه رئيسا يقود سفينة الوطن وسط أنواء خارجية متربصة ومؤامرات داخلية متحركة.. إن هذه الحشود هى القوة النووية الضاربة الوحيدة القادرة على إقناعه.. بدونها سيكتفى بما فعل.. مسجلا لنفسه صفحة من نور فى التاريخ.. عليها كلمات من فضة تروى قصة شجاعته فى إنقاذ بلاده من ديناصور منقرض حاول التهامها.. ولن يهمه على ما أعتقد أن يصبح متقاعدا.. أو يخلع ملابسه العسكرية التى «تعز» عليه.

وربما.. كانت الضربة الشعبية الأولى.. الاستفتاء على الدستور فى منتصف يناير.. بنسبة مرتفعة.. تسنده.. وتسانده.. على أن تكون الضربة الشعبية الحاسمة بعد عشرة أيام.. فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير.. يومها لو خرجت ملايين يونيه ويوليو لتطالبه بالترشح فإنه سيعلن ترحيبه وقبوله بحماس، متخطيا كل حسابات الربح والخسارة الشخصية.

ولا شك أن حسابات الخسارة أكبر من حسابات المكسب.. ففور أن يدخل مكتب الرئيس فى الدور الثانى من قصر الاتحادية فإن الشعب سيطالبه بما عجز عن تحقيقه من سبقوه فى الحكم.. والمطالب عند حدها الأدنى ضرورية.. لقمة خبز ولقمة حرية.. سرير للنوم وسرير للعلاج.. مقعد فى مدرسة ومقعد فى مسرحية.. شراكة وطنية وشراكة زوجية.. مواجهة فساد الفلوس ومواجهة فساد النفوس.. الحفاظ على الحلم والحفاظ على الحكم.. تأمين البشر وتأمين الحدود.

وتمتلك مصر من الموارد المتنوعة ما يجعلها دولة واعدة صاعدة.. لكن.. عليها أن تتخلص من أعداء الحياة الذين يصرون على وضع العصا بين التروس.. ونثر المسامير أمام سيارات النقل إلى الغد.. بجانب أعداء فى الخارج فقدوا عقولهم بعد أن فشلت مخططاتهم.

إن ظهور السيسى فى صدر المشهد السياسى كشف عن ضعف القيادات البديلة.. فكل من سبق له الترشح للرئاسة جاء محملا بأطنان من الوعود الكلامية دون أن يقدم دليلاً واحداً على قدرته على تحقيقها.. دون بشارة أو إشارة تزيل الغشاوة.. أما السيسى فقد قدم بما فعل فى 3 يوليو مهرا غاليا.. قبل أن يفكر فى التقدم لطلب القرب من البلد.. قبل أن يتحدث عن معجزات مار جرجس الذى قتل بحربته المدببة التنين.. وقبل أن يرسل بخطاباته الغرامية تأكد من صحة العنوان.

لكنه.. يخشى أن يفسر ما فعل على أنه مصلحة شخصية.. يخشى أن يكون ترشحه تأكيدا لتهمة الإنقلاب.. وإن كان الذين يتهمونه يدركون جيدا أن مخاوفهم أكبر من إدعاءاتهم.. إن جاكوب نيريا- النائب السابق لمدير المخابرات الإسرائيلية- يشعر بالرعب مما يسميه بحمى السيسى.. فالرهان عليه تجاوز الحرب على الإرهاب الدينى إلى الحرب على التخلف الاقتصادى.. والخوف منه ليس سببه سترته العسكرية وإنما شخصيته الكارزمية التى تعيد للذاكرة الممسوحة صورة جمال عبدالناصر.. وتعيد للمشاعر السياسية كثافة الكراهية للولايات المتحدة.. وتعيد لخريطة المنطقة قوة روسية منافسة ومتفهمة ومستوعبة التغييرات السياسية وحسابات الإستراتيجية الإقليمية.

حسب تقرير نشره نيريا لحساب مركز أورشليم للأبحاث فإن «مسار الأحداث فى مصر يشير إلى وصف السيسى باعتباره منقذ مصر القادر على مواجهة الإخوان (وحلفائهم) وقيادة البلاد.. ليس فقط بوصفه قائداً وطنياً ولكن أيضا باعتباره بطلاً عربياً».. و«يحظى سلوكه بثقة الناس».. وهو «شخص قادر على اتخاذ القرارات الصعبة والقاسية التى قد لا تحظى بدعم شعبى وفى الوقت نفسه يحرص على أن تلامس خطبه مشاعر ووجدان الشعب».

وحمل المصريون صورته بجانب صورة جمال عبدالناصر.. بما يحيى ذكريات مؤلمة لأحداث وصراعات عاشتها الولايات المتحدة وإسرائيل منذ يوليو 1952 إلى يوليو 2013.. وتصورت الدولتان أنهما تخلصتا منها إلى غير رجعة خلال 43 سنة حكم فيها السادات ومبارك وطنطاوى ومرسى بقواعد لعبة اتسمت بالعقم دون أن تنجب ثماراً.

«إن علاقة عبدالناصر بالولايات المتحدة كانت سيئة للغاية.. تماماً كما كان موقفه من إسرائيل».. فهو لم يقبل الضغوط الاقتصادية.. ولا المؤامرات السياسية.. ولا الهزيمة العسكرية.. وظل حليفا لشعب آمن به فى لحظات الانتصار والانكسار.. وبكاه إلى حد الموت أحيانا وهو يودعه أمانة بين يدى الله.. الشعب كان الطرف الأقوى فى المعادلة الناصرية.. والطرف الغائب فيما جاء بعد ذلك من معادلات حكم بها من وضعتهم الأقدار.. مكانه دون أن يحظوا بمكانته.. ولعل إعادة السيسى الشعب ليكون طرف القوة فى اللعبة أفزعت الأعداء القدامى، رغم أنهم لا يكفون عن الحديث ليل نهار عن حق الشعب فى تقرير مصيره واختيار حاكمه والإيمان به.

وربما.. لهذا السبب يؤمن السيسى بأن يرشحه الناس لا أن يرشح نفسه.. أن يصوتوا له فى ميادين 25 يناير القادم قبل أن يصوتوا له فى صناديق الاقتراع.. ساعتها سيكرر المخاطرة.. ولن تكون هذه المرة مغامرة أو مقامرة.

ومنذ 6 أكتوبر الماضى وهناك جماعات وتنظيمات واجتهادات وتحالفات تسعى بشدة إلى مساندة السيسى.. ولكن.. ما يثير القلق أن تلك التكتلات كشفت عن وجوه قديمة.. لنظام مبارك.. استغلت كراهية الناس للإخوان لتعود إلى صدارة المشهد.. رافعة شعار «عفا الله عما سلف».. متناسية ثورتين وقعتا فى أقل من ثلاث سنوات.. وكأن شيئا لم يحدث.. مكررة نفس أخطاء من سبقوها.. بإخراج الشباب من الصورة.. بل.. أكثر من ذلك يمكن أن نجد بعضهم فى السجن رغم أن من بينهم متجاوزاً وربما متآمراً.. وفى الوقت نفسه يخرج علينا رجال أعمال فاسدون مصُّوا دماء المصريين وكونوا ثروات من المليارات الحرام ليكونوا فوق رؤوس الجميع.

إن الشعب الذى فوّض السيسى فى يوليو كان معبرا عن كل الطوائف والجماعات والطبقات والمستويات والطموحات.. ولو نقص من حشود يناير تكتلات الشباب رغم جموحها فإننى لن أعطى صوتى لأحد.. لا يجوز أن نكرر أخطاء طنطاوى ومرسى فى تجاهل الأجيال الشابة التى ثارت وتظاهرات واستشهدت.. لا يجوز أن نُلدغ من نفس الجحر مرتين.. ومن باب أولى ثلاث مرات.


الوجه الآخر للحقيقة:

الإخوان لم يعرضوا على كمال غنيم مشروعاً خيرياً وباع لهم مقر الإرشاد وهو سعيد بالصفقة

■ منى وهبة لم تنقل سفيرنا فى روما من مكانه بل أخطاؤه السبب فيما جرى له

كنت فى أبوظبى أجلس وسط مجموعة من الشخصيات المصرية المؤثرة حينما سمعنا من المهندس كمال غنيم روايته عن بيع مبنى يمتلكه لجماعة الإخوان.. أصبح مقراً لمكتب إرشادهم.

قال لنا: إنه جاء إليه سمسار فى المقطم اسمه محمد أبوالخير وطلب مقابلتى مع رجلين يرغبان فى شراء المبنى (700 متر مربع وستة أدوار و16 حماما و3 أبواب وحديقة وجراج ومصعد وتكييف مركزى جنرال إلكتريك).. هما المهندس محمود حسين (أمين عام الجماعة) والدكتور رشاد البيومى (عضو مكتب الإرشاد).. قالا: «نحن نريد المبنى للاستفادة منه فى مشروع خيرى.. دار للأيتام».. وسألا عن الثمن فقلت 15 مليون جنيه.. فقالا: ستشاركنا فى المشروع الخيرى بالثلث لندفع لك عشرة ملايين جنيه.. وجاء من يحمل شنطتين بهما الملايين العشرة.. وتركا مهمة التسجيل والعقود للمحامين.. ومنهم جميل حبيب محامى كمال غنيم الذى نفذ كل ما طلبه منه الرجلان خوفا على حياته منهما، وفيما بعد أصبح عضواً فى البرلمان الإخوانى.

صدقت هذه الرواية من مصدرها الأصلى وتحدث عنها على الهواء فى برنامج «آخر النهار» يوم الأحد قبل الماضى.. وفوجئت بالمحامى جميل حبيب يتصل بى ليروى الحقيقة الغائبة بالمستندات.

قال: فى شهر مارس 2011 قام كمال غنيم بإخطارى برغبته فى بيع المبنى بمبلغ عشرة ملايين جنيه دون أن يذكر لى شيئا عن دار الأيتام.. وحررت عقد بيع ابتدائياً باسمه بصفته وكيلا عن ابنه إسلام يوم 15 مارس، وكان الطرف الثانى المهندس محمود حسين والدكتور رشاد البيومى.. وحضر كمال غنيم إلى مكتبى معهما وقبض منهما أربعة ملايين جنيه دفعة أولى لحين الانتهاء من العقد النهائى.. وفى 30 مارس حضر كمال غنيم إلى مكتبى ومعه رشاد البيومى ومعهما ثلاث شنط سفر تبين أن بداخلها ستة ملايين جنيه باقى الثمن.. وطوال هذه المدة لم أسمع كلمة واحدة عن مؤسسة الخير التى تحدث عنها.

وأغلب الظن أن المبلغ كان مغريا للبائع بسبب الكساد الاقتصادى الذى ساد سوق العقارات بعد ثورة يناير.. كما أنه على ما يبدو شعر بالحرج من بيع مبناه للجماعة فتفتق ذهنه عن هذه الرواية.

هذه قصة كشفت فيها الحقيقة عن نفسها، أما القصة الأخرى فقصة نقل سفيرنا فى روما محمد فريد منيب من مكانه ليأتى بعده عمرو حلمى.. وسمعت من مصادر فى الخارجية أن وراء النقل المستشارة التجارية منى وهبة.. ولم يكن ذلك صحيحا.

لقد بدأ الخلاف بين منى وهبة والسفير عندما أصر على ألا تحضر عشاء أقيم على شرف محمد مرسى لرجال أعمال مصريين وإيطاليين حسب ما تقضى به الأعراف والتقاليد.. ركب السفير رأسه ولكن الرئاسة أصرت على حضورها فوقعت الفأس فى الرأس.

وفى حفل لتوقيع 12 اتفاقية بين رجال الأعمال فى البلدين أعطى السفير تعليماته للمكتب الإعلامى بعدم تغطية الصحافة الحدث.. وطلب وزير التجارة حاتم صالح من خالد أبوبكر رئيس الجانب المصرى فى جمعية رجال الأعمال بين البلدين أن يأتى بشركة إيطالية متخصصة تغطى الحدث لكن السفارة منعت ذلك بوضوح.

وقبل أن يأتى مرسى بيوم وصل الوزير حاتم صالح لكن السفير تجاهله تماما.. وتحدث حاتم صالح مع وزير الخارجية واشتكى السفير.. لكن.. كل ذلك فى كوم والأخطاء الأخرى التى ارتكبها السفير فى كوم آخر.

فى خطاب مرسى قال إن السفير ابلغه بوجود 6 آلاف تأشيرة لدخول عمال مصريين، وطلب من وزير الخارجية تنفيذ ما قاله السفير.. واتضح أن ذلك كان بروتوكولا قديما ألغى منذ سنوات.. كان ما قاله السفير لمرسى خطأ سبّب موقفا محرجا.

وبعد الزيارة بيوم أعلن السفير عن تمويل إيطاليا خط قطار سريع من الإسكندرية إلى الغردقة، والحقيقة أن الجانب الإيطالى عرض فقط تمويل دراسة الجدوى.. وكان ذلك هو الخطأ الأساسى الذى وقع فيه السفير.

بعد قرار نقله من روما لم يجد السفير سوى أن يعلِّق شماعة أخطائه على منى وهبة واتهمها بأنها من الجماعة وتساندهم وعلى علاقة قوية بخيرت الشاطر وحسن مالك.. وهو ما دفعها لطلب التحقيق معها لمعرفة الحقيقة.. أين أخطأ السفير؟ من هم الإخوان بالفعل؟ وكيف تعاون سفير مصرى فى روما معهم.. والأهم من ذلك طلبت تقارير الأجهزة المختصة فى كل ما حدث.