الزميل إسلام الكلحي يكتب تفاصيل 12 ساعة من الاحتجاز والاعتداءات: عندما عثروا على 4 قنابل في محفظتي

ركن القراء

الزميل إسلام الكلحي
الزميل إسلام الكلحي يكتب تفاصيل 12 ساعة من الاحتجاز والاعتد


الجنود استقبلونا و«أعداء الوطن» المعتقلين بالركلات.. وصرخ معتقل أنا مسيحي يا باشا ومفيش «إخوان مسيحيين»

احتجزوا أكثر من 65 معتقلا في غرفة 4 * 5 متر .. وكان بيننا أطفال يهتفون للسيسي اعتقلوهم بالخطأ بعد خروجهم من التحرير

خالد السيد طلب الاتصال بزوجته لاحضار علاج الكبد فرفضوا .. وركلوني عندما قلت أنا صحفي

الضابط سألني وظيفتك قلت صحفي .. فقال صحفي ولا 6 إبريل .. قلت صحفي .. فرد أومال بتاكل منين ؟


أربعة قنابل عثر عليها ضباط الشرطة في محفظتي الشخصية خلال تظاهرات الذكرى الثالثة للثورة لهذا قبضت علي قوات الأمن، لا أعلم إن كانت تحتوي على مادة «التي إن تي» شديدة الانفجار، أو هي قنابل مونة.. بالطبع أمزح وليس هذا سبب اعتقالي.



لن أقول لكم «لن أطيل عليكم» لأنني سأطيل لأشرح تفاصيل احتجازي بعد القبض عليَ، مع النشطاء خالد السيد، وناجي كامل و2 آخرين، التي تؤكد أننا أمام نظام يسعى لإخراس كل الأصوات المعارضة له، مطبقا سياسات دولة مبارك القمعية بكل حذافيرها، في ظل «تطبيل إعلامي» يسعى لإقناع جموع الشعب أن النظام الحاكم سيحقق أهداف الثورة من «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».



في سيارة «ناجي» كنا نسير في وسط البلد، باتجاه «نقابة الصحفيين» لأغطي التظاهرة التي دعت لها «جبهة طريق الثورة» فيما كان «ناجي» «وخالد» و2 من أصدقائهما ينوون المشاركة في المسيرة، إلا أننا علمنا بأن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز والخرطوش على المتظاهرين وتطاردهم مدرعات الشرطة في شارع طلعت حرب، فقررنا ألا نذهب إلى هناك وأن نتوجه ناحية منطقة «البورصة» فوجدنا الاشتباكات في كل مكان ولن نتمكن من الوصول إلى هناك، فاتفقنا أن نتوجه إلى رمسيس لينصرف كل منا إلى بيته، ولكن على ناصية شارع «عماد الدين» كان عشرات يقفون فخشينا أن يكون هناك اشتباكات في رمسيس، فسألناهم «الطريق سالكه» فأجابوا بـ«نعم».



لم نتحرك بالسيارة متر واحد، إلا ووجدنا ضابط مباحث وأفراد أمن بزي مدني يقفون أمام السيارة ويجبروننا على النزول من السيارة بعد تعرفهم على «خالد».. ترجلنا من السيارة وتم تفتيشنا جميعا وأخذ البطاقات الشخصية والتليفونات ومصادرة لافتة عليها عبارة «تسقط أمريكا» وتتبرأ ممن وصفتهم بـ «الراكعين لأمريكا»، ثم أركبونا السيارة مرة أخرى باستثناء «خالد» وقاد السيارة ضابط المباحث نحو قسم الأزبكية.. أمام باب القسم كان في انتظارنا عدد من ضباط وأفراد الشرطة الذين يستقبلوا القادمين الذين يروهم «أعداء الوطن» بالركل واللكمات حتى يصلون لغرفة الاحتجاز.. قررت أن أكشف هويتي للضباط فوجدت «لكمة» من أحد الضباط عقابا لي لقولي: «أنا صحفي»، فتفاديتها قدر المستطاع، فيما كان أفراد الشرطة يسعون للنيل مني إلا إنني نجحت في تجاوزهم وصعود درجات السلم للطابق الأول حيث يأمروننا بالصعود إليه - بالطبع طالني بعض الركلات - .



في الطابق الأول، قادنا أفراد الشرطة لغرفة (3 * 5م) تقريبا، فوجدنا «خالد» يقف أمام أمين شرطة يجلس على مقعد إسفنجي مغطى بالجلد وأمامه مكتب، وأمام المكتب 26 معتقلا يجلسون أرضا ووجوههم في اتجاه الحائط المواجه لمكتب الأمين.. تمت تفتيشنا نحن الخمسة، ثم وضعوا «الكلابشات» في يدي اليسرى مع «ناجي» اليمنى ويد «ناجي» اليسرى في يد «خالد» اليمنى، وتم وضع «الكلابشات» في يد الرابع والخامس الذي عرفت أن أحدهما يدعى «محمد» والآخر «عبد الله».. ثم أمرونا بالجلوس أرضا مثل باقي المعتقلين.. دقائق زاد العدد من 31 إلى 33 ثم 45 ثم 66 معتقلا في غرفة كنا نظن أن مكوث 31 شخصا فيها شيء يجعلك غير قادر على التقاط أنفاسك بسهولة.



لم تمر ساعة من احتجازنا، حتى وجدنا أصوات إطلاق رصاص كثيف خارج القسم، وكأن هناك هجوم يحدث على القسم، وفجأة اقتحم أفراد شرطة الغرفة وفتحوا «دواليبهم» وأخذوا من أسلحة نارية وأطفئوا نور الغرفة.. ثم عاد أحد أمناء الشرطة في يده سلاح ناري، وأضاءه مرة أخرى وأمر أمين الشرطة الموجود بالغرفة المسلح هو الآخر، أن يطلق النار على رأس أي شخص منا يلتفت أو يقف لأي سبب.. دقائق وتوقف صوت إطلاق النار، ودخل فرد شرطة في أوائل العشرينات يشكي من إصابته في يده أثناء مطاردته أحد المحتجزين معنا، فقال له الأمين: «خد حقك منه»، فقام فرد الشرطة بالاعتداء على الشخص الذي يجلس خلفي بالضرب المبرح، الذي عرفت فيما بعد أنه «سائق تاكسي أبيض» وقف ليتابع الاشتباكات ناحية العتبة ثم طارده فرد الشرطة لأنه «ملتحي» ظنا منه بأن أي «ملتحي» من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.



فيما كان يمر الوقت ببطئ، كانت أغنية «تسلم الأيادي» التي تنطلق من هاتف أحد أفراد الشرطة كل حين، وكان المعتقلون يتوافدون على الغرفة، و كان من بين هؤلاء الوافدين أحد أفراد طاقم تصوير قناة سي بي سي وآخر من قناة القاهرة والناس ، ومع ازدحام الغرفة بالمعتقلين، تم نقلنا لغرفة مجاورة.. في تلك الغرفة طلب «خالد» من أمين الشرطة الذي يقوم بمراقبتنا الاتصال بزوجته لكي ترسل له علاج الكبد الخاص به، فرفض.. فطلب «خالد» أن يتم جلب الدواء له من أي صيدلية قريبة على حسابه الخاص، فوافق أمين الشرطة على ذلك، وأرسل شخص لشراء الدواء، ودخل في نقاش مع «خالد» كان أبرز ما فيه سؤاله: «ليه مغنيتش زي أحمد دومة وجيبت عربية جيب»، فرد «خالد» قائلا إن دومة لا يملك سيارة جيب وهو الآن في السجن.. وفي تلك الأثناء عاد فرد الشرطة الذي نزل لشراء علاج «خالد» خالي الوفاض.



كان أمناء الشرطة الذين يتناوبون على مراقبتنا كُثر.. كان أحدهما يقول: « إيه اللى منزلكم.. تسكتوا ولا تموتوا.. أنهي أحسن»، وكان أحدهما يسب من يتحرك أو ينظر خلفه بأمه وأبيه وكل سباب هو عالم به، فيما كان أحدهم يتقدم ليلكم من يتحرك على وجهه.. وكان من بين أفراد الشرطة من يقول لمن يطلب دخول دورة المياه أن يتبول على نفسه، فيما كان فرد أخر رءوف رحيم في وجهة نظر المعتقلين الذين ساقهم حظهم العاثر في طريق جنود فرعونـ يسمح لمن يرد دخول دورة المياه أن يتبول في زجاجة بعد أن يعطينا ظهره.



بعد ثلاثة ساعات ونصف من الاعتقال، دخلنا نحن الخمسة غرفة بها ثلاثة مكاتب لثلاثة ضباط (مجدي عرفة، كريم عبد العليم، أحمد ندري) وتكيف «يورك» وتلفزيون 32 بوصة «توشيبا» ونافذتين خلف ستارة من لونين، وساعة متوقفة على شكل «دفة سفينة».. سألنا الضابط مجدي عرفه عن أسمائنا ووظائفنا، ثم أعطانا هواتفنا بعد أن أخذ منها البطاريات وكروت الذاكرة.. وفيما كان «عرفة» يستفسر عن سبب نزولنا في 25 يناير، كان الإعلامي مجدي الجلاد على قناة سي بي سي يتحدث.. كان الصوت مكتوما، ولا أسمع ما يقول.. إلا أنني كنت متأكد بأنه يتحدث عن الشعب المصري الذي نزل للميادين يحتفل ويعلن دعمه للفريق «السيسي» ويتصدى للإرهابيين والراغبين في تعطيل مسيرة البلاد نحو الاستقرار لتكون مصر «أد الدنيا».



انتهى التحقيق الأولى، مع الضابط ، وتم اقتيادنا مرة آخرى لغرفة الحجز الأولى، فوجدت في وجهي الشابين اللذين يعملان في سي بي سي و القاهرة والناس فقلت لهما : «التطبيل بتاعكم هو اللى وصل البلد للي احنا فيه»، فنظرا في الأرض فأضفت: « كل ده بسبب قنوات الفلول».. ثم حل الصمت قليلا.. ثم أسئلة «ساذجة» من بعض المحتجزين لأفراد ليس لهم سلطة ولكن لهم لسان بذيء لا يكف عن السب بالأب والأم والألفاظ الخارجة.. كان البعض يسأل : «هتخرجونا امتى ؟» والبعض يقول «أنا كنت لابس الكابتشو وطالع من محطة رمسيس.. هو الكابتشو فيه مشكلة».. ومع سيل الأسئلة ومحاولات كسب تعاطف أفراد الشرطة التي كانت تواجه بسب المحتجز صاحب السؤال والنيل من كرامته، صرخ «خالد» في المعتقلين مطالبا إياهم بأن يحافظوا على كرامتهم، موضحا لهم أن أفراد الشرطة «لا حول ولا قوة لهم» ولا يعرفون شيء.



مرت الساعات، فأصبح التأمل في الموجودين لا مفر منه.. من بين المحتجزين كان أطفال في الثالثة عشر والرابعة عشر عاما أبرزهم ثلاثة كانوا في ميدان التحرير يرفعون صور «السيسي» وخرجوا من الميدان فساقتهم أرجلهم لمكان قريب من اشتباكات الأمن والمطالبين باستكمال الثورة وتحقيق أهدافها، فأُلقي القبض عليهم بالخطأ، ولم يشفع لهم صغر سنهم ويمنع عنهم انتهاك كرمتهم الإنسانية.. وعلى قائم مكتب أمين الشرطة كان يستند شاب مسيحي لا يتجاوز عمره الثمانية عشر عاما يصرخ: «أنا مسيحي يا باشا.. ومفيش حاجه اسمها الإخوان المسيحيين» إلا أنه مكث محتجزا 10 ساعات تقريبا حتى تتأكد الشرطة أنه مسيحي ولا ينتمي للإخوان !!.. كما كان هناك من يعاني مشاكل عقلية.. ومن تم اعتقاله عند نزوله من أوتوبيس نقل عام.. وكثيرين لو لم تعتقلهم الشرطة لكانوا توجهوا لميدان التحرير ليهتفون لـ«أبو دبوره ونسر وكاب».



قبل حلول الساعة العاشرة، دخل أحد أمناء الشرطة وسأل عن الخمسة المقبوض عليهم في السيارة اللانوس ، فوقفنا، وتم اقتيادنا واحد تلو الأخر إلى أحد الضباط، الذي دار بيني وبينه الحوار التالي عند دخولي للمناقشة بعد كل من «خالد» و«ناجي»:

الضابط : اسمك إيه ؟

أنا : إسلام محمد عزت

الضابط: تاريخ ميلادك

أنا : 4 /4/1988

الضابط: شغال إيه ؟

أنا : صحفي

الضابط: أنت 6 إبريل

أنا : لا

الضابط: أنت عضو في التحالف الشعبي

أنا : لا.. أنا صحفي في جريدة النهار

الضابط: يعني أنت مش تحالف ولا 6 إبريل، أمال بتقبض منين ؟

أنا : بقولك أنا صحفي في جريدة النهار وده كارنيه الجورنال، وعضو نقابة صحفيين بس لسه مستلمتش الكارنيه

الضابط: طيب اتفضل (اقتادني أمين الشرطة لغرفة الاحتجاز دون أن يدون الضابط مهنتي، تاركا ثلاث أسطر بعد أسمي الذى تلى خالد السيد وناجي كامل، والذي لم يفصل بينهما ثلاث أسطر، مثلما فعل معي، حيث كتب رقم 4 في السطر الرابع)



عدنا لغرفة الحجز نحن الخمسة مرة أخرى، وتم وضع «الكلابشات» في أيدينا نحن الخمسة فقط.. مرت الساعات ببطء.. وفي الواحدة جاء أحد الضباط وسأل عني فأشرت له لأني موجود، ثم انصرف ولم يقل لي شيء.. ثم عاد فرد شرطة بعد نصف ساعة وسأل عني فأشرت له لأني موجود، فأنصرف هو أيضا دون أن يقل لي شيء.. وبعد أن تخطت الساعة الثانية جاء أحد أفراد الشرطة وفك القيود التي في يدي، وقادني لغرفة مأمور القسم.



في غرفة المأمور وجدت أخي، وعضوين من مجلس نقابة الصحفيين.. جلست.. تحدث ضابط المباحث الذي تعرف على «خالد» ونحن في السيارة عن سبب تواجدي في السيارة مع النشطاء الأربعة وعلاقتي بهم، فأجبت بأنني صحفي وبحكم عملي لدي أصدقاء من مختلف التيارات، وكنا قبل القبض علينا في طريقنا لرمسيس حيث كان كل منا سينصرف إلى منزله.. سألني عن اللافتة التي ضبطت في حقيبة السيارة، قلت له إن اللافتة ضد أمريكا.. تدخل المأمور وسألني وكيف عرفت بما هو مكتوب في اللافتات، فأجبت بأن الضابط مجدي عرفه، قام بفرد اللافتات أمام في غرفة التحقيقات.. تدخل أعضاء مجلس النقابة وتحدثا عن طبيعة عمل الصحفي، مؤكدين أنني لا انتمي لـ6 إبريل كما يدعي ضباط الشرطة.. أمر المأمور بإطلاق سراحي.. وأنا أنزل درجات السلم من الطابق الأول علمت من أخي أن من ضمن الاتهامات التي حررت ضدي هو حيازة 4 «قنابل مونة».. خرجت وتركت «خالد» في انتظار أن اتصل بزوجته لتأتي له بعلاج الكبد.. خرجت وتركت «خالد» يواجه ورفقائه اتهامات لا أساس لها من الصحة.. خرجت وتركت «خالد» ومن معه في انتظار دولة عادلة تحترم كرامة الإنسان، التي بكل تأكيد لن تقم بقبول الظلم والاستبداد بدعوى الاستقرار ومكافحة الإرهاب.. تركتهم وكلهم يقين بأن الثورة ستنتصر.