منال لاشين تكتب : أخيرًا السيسى نزل الملعب

مقالات الرأي



■ تكلفة البرنامج الانتخابى 60 مليار جنيه

■ جمع كل المشروعات فى مشروعين كبيرين


■ لم يكشف عن كل فريقه الرئاسى وبعض المسئولين سيقدمون استقالتهم للعمل معه فى الرئاسة


ربما يكون المشير السيسى هو المرشح الوحيد فى أى انتخابات رئاسية الذى لاتكمن مشكلته أو بالأحرى قلقه من منافسيه، بقدر ما يتوجه بفكرة وعينيه على ناخبيه، ليس بسبب ندرة الناخين لاسمح الله، ولكن لأن السيسى هو المرشح الأوفر حظا فى هذه الانتخابات بحسب تعبير الصحف ومراكز الدراسات الأجنبية وبحسب الشعبية، لأول مرة يكون لمرشح ملايين المواطنين يسألون بإلحاح وقلق وأحيانا غضب لماذا لم يترشح حتى الآن، فى حين يقابل مرشحون آخرون بتساؤل ممزوج بالدهشة «نازل الانتخابات يعمل إيه» وهناك مرشحون محتملون يواجهون بسؤال «نازل يهبب إيه» ويوم الثلاثاء صدر أكبر تأكيد للسيسى عن ترشحه للرئاسة، فرغم الإشارات والتأكيدات السابقة إلا أن السيسى أراد أن يقول لناخبيه وأنصاره إن قلقهم قد وصل إلى مسامعه، وهذا فى حد ذاته إشارة جيدة، فالرسالة وصلت إليه ورد برسالة مماثلة مستخدما تعبير «الرسالة وصلت»، فى الغالب سيرحل السيسى عن الحكومة يوم 12 مارس وسيعلن ترشحه رسميا خلال الأيام القادمة، ولكن السيسى لم يكتف برسالة الترشح إنما بدأ بالفعل فى أهم رسالة انتخابية له، رسالة مفادها أن الطريق الصعب لا يحتاج فقط إلى زعيم ملهم أو قائد فقط، إنما يحتاج إلى الشعب ربما بأكثر ما يحتاج إلى زعيم، وقد بدأ السيسى هذه الرسالة منذ عدة أسابيع، فخلال أحد لقاءاته العسكرية تحدث مطولا عن المشاكل والمصاعب والتحديات، مرة أخرى المرشح السيسى لا يتوقف كثيرا عند المعركة الانتخابية، ولكنه يقفز على الأهم والأخطر، يفكر ويخطط إلى مواجهة مشاكل وأزمات ما بعد الرئاسة، وأعتقد أن السيسى لم يبالغ فى وصف المشاكل والمصاعب، وما بين خريطة مشاكل مصر وبين برنامج منتظر من السيسى هناك مساحة من الأخبار والافكار تتعلق بأشهر مرشح رئاسى ليس فى مصر فقط، بل فى العالم، المرشح الذى لا يتوقف العالم عند فوزه، بل يراهن على نجاحه فى إدارة مصر بكل صعوباتها ومشاكلها السياسية قبل الاقتصادية.

1 - فريق السيسى

بعد استقالة المشير السيسى من الحكومة وإعلان ترشحه رسميا ستكون أول خطوة هى الإعلان عن فريق الحملة الانتخابية له، ومن المتوقع ألا يتم الكشف عن كل أعضاء حملة الفريق، خاصة عدداً من الخبراء الذين شاركوا فى إعداد البرنامج الانتخابى للسيسى، وسيتم الاكتفاء فقط بالإعلان عن المجموعة المختصة بالعمل السياسى والإعلامى من هذا الفريق الكبير، وتتولى هذه المجموعة كل الإجراءات الانتخابية من جمع التوكيلات والتعامل مع الإعلام، وسيكون من المفاجآت اختيار أكثر من متحدث إعلامى للفريق، ولكن من المتوقع أن يتم إسناد الجانب الأكبر والأهم من هذا العمل لعمرو موسى الذى بدأ بالفعل فى لعب هذا الدور من خلال تصريحاته الأخيرة عن قرب إعلان السيسى رسميًا عن ترشحه، وآخر الأعباء أمام مجموعة العمل هو ضم مجموعة من شباب الثورة للحملة الانتخابية للمشير السيسى، وسيمثل فريق السيسى فى حركة تمرد النسبة الأكبر من فريق الشباب فى الحملة، ولكن هناك اتفاقات تجرى مع بعض قيادات ثورة 25 يناير حتى لا تخلو الحملة من مجموعة 25 يناير، وهو الأمر الذى يمكن استخدامه ضد حملة السيسى من جانب منافسيه، والترويج أنه تجاهل ثورة 25 يناير، خاصة أن بعض المرشحين المنافسين بدأ بالفعل فى استخدام هذا الكارت ضد السيسى منذ الآن، وقبل إعلان الرجل لترشحه.

وبعد الانتخابات الرئاسية سيتم الكشف عن باقى أعضاء حملة المشير الذين لعبوا دورا بارزا فى برنامج المشير الانتخابى، ومن بين هؤلاء المستشار السياسى والاستراتيجى للرئيس الدكتور مصطفى حجازى، فالإعلان عن دور حجازى، وضمه للحملة رسميا سيتطلب أن يقدم حجازى استقالته من منصبه الرئاسى.

2 - أزمة البرنامج الانتخابى

يركز السيسى كثيرا على المخاطر والمصاعب، ولا يتحدث كثيرا عن برنامجه، وكل ما خرج من تسريبات عن البرنامج تزيد الضغوط على السيسى، فالحديث عن المشروعات الكبرى يرفع سقف توقعات المواطنين، وهناك إحساس لدى الناس العادية بأن السيسى قد أعد عدته وانتهى على الأقل من اختيار المشروعات، والقائمين عليها بل ذهب البعض إلى أن تمويل هذه المشروعات متوافر، باختصار لا يستطيع السيسى مهما تحدث عن المخاطر والصعوبات أن يخرج من عقل الناس بأن لديه عصا سحرية لمواجهة المخاطر والصعوبات، وفعليا فإن لدى السيسى بالفعل برنامجاً واقعيًا وعمليًا جدا، والمشروعات التى تم العمل عليها تزيد على الخمسين مشروعًا، ولم يتقدم السيسى بالطبع فى برنامجه بكل المشروعات، أو بالأحرى لم يقدم هذه المشروعات منفردة، ولكن العمل جرى على قدم وساق إلى تجميع هذه المشروعات تحت مظلة مشروعين قوميين كبيرين، وتحت كل مشروع قومى تندرج سلسلة من المشروعات المرتبطة به، وتتكلف حزمة المشروعات نحو 60 مليار جنيه، وقد تجاوز برنامج السيسى مجرد اختيار المشروعات أو اختيار مبدئى لبعض القيادات التى سيتم إسناد متابعة تنفيذ المشروعات لها، لأن معظم المشروعات سيتم تنفيذها من خلال الدولة والوزارات والمؤسسات الحكومية، وليس من الصعب أو المستحيل تدبير التمويل لهذه المشروعات، وعلى الرغم من كل هذه الخطوات الجادة، فإن السيسى سيركز فى خطاب ترشحه على الصعاب والتحديات، ومن المتوقع أن يتناول الخطاب المخاطر والصعاب والتحديات بشكل تفصيلى، وربما يتوغل السيسى فى شرح خريطة المشاكل بأكثر مما يركز أو يشرح خطته أو خريطته لإنقاذ مصر، ولا يعود السبب وراء هذا التركيز على المصاعب إلى نظرة تشاؤمية للمشير أو فريقه، ولكن السبب الموضوعى والحقيقى يرجع إلى طبيعة البرنامج الانتخابى، لأن السيسى وفريقه ركزوا بشكل كبير على المشروعات متوسطة وطويلة المدى، وحتى المشروعات قصيرة الأمد فإن تنفيذها يستغرق نحو 18 شهرًا، وبالعمل ليل نهار أو بتنفيذ المشروعات بنظام الجيش فإن المشروعات قصيرة المدى سيتطلب تنفيذها حوالى عام، ولذلك سيسعى السيسى إلى دعوة المصريين للعمل الجاد أو الأهم الصبر حتى نعبر الأزمة، ربما تمثل ازمات الأجور والمرتبات والكادر النموذج الأكثر وضوحا فى فكرة الصبر أو الاحتمال التى سيدعو لها السيسى، فزيادة المرتبات مجرد حقنة منعشة لحياة المواطن اليومية، مجرد كبسولة مسكنة لبعض آلام الفقر التى يعانى منها المواطن، ولكنها ليست دواء أو علاجًا لا لأزمات المواطن ولا مصر، و فى الحقيقة هذه هى الفلسفة التى حكمت برنامج السيسى، فلسفة الخروج من أزمة وطن، فكى تخرج مصر من أزمتها يجب أن توجه كل الموارد المالية المتاحة ذاتيا أو خليجيا لتنفيذ المشروعات أو الخطط، وأن تولى اهتماما خاصًا بالصيانة لإنقاذ البنية التحتية المنهارة، وأن تركز بعض الموارد إلى مشروعات بعينها للنهوض بها كاستثمار بشرى، وعلى رأسها التعليم والصحة، لقد اعتمدت حملة السيسى على أرقام واقعية جدا، ولكنها مخيفة فلدى مصر نحو ألف كوبرى يحتاج إلى صيانة عاجلة، وعلى المجتمع أن يقرر أولويات الإنفاق، وهذه الأولويات لا تتعلق بالاختيار بين الحاضر والمستقبل، أو الفكرة التى كان يروج لها البعض بأن مستقبل أولادك أهم من تحسين حياتك، لأن المفاضلة الاقتصادية الآن تتعلق بالحاضر، هل نزيد المرتبات والأجور أم نزيد كفاءة شبكات الكهرباء والصرف الصحى، وبعض المفاضلات سيكون أكثر قسوة وحساسية، وسيحمل علامات استفهام وأسئلة لم يتعود المجتمع على الإجابة عليها، أسئلة من نوع هل ندعم البنزين أم ندعم التعليم؟

3 - منافسة أم مزايدة؟

ولذلك فمن البديهى أن يركز السيسى على المصاعب والمخاطر، خاصة أنه لا يستهدف فى برنامجه خطط رفع المرتبات أو زيادات الكارد بشكل أساسى، لكن هناك سببًا آخر للتركيز على المصاعب من جانب المرشح السيسى، وهذا السبب يتعلق بالطبيعة الخاصة لمعركة انتخابات الرئاسة هذه المرة، فمن بين كل المرشحين المحتملين، ووسط من أعلنوا خوضهم الانتخابات الرئاسية ومن تأخروا فى الإعلان، بين كل هؤلاء فإن السيسى هو الأقرب والأوفر حظا فى الفوز، وهذة المعادلة ستؤثر بشكل كبير على البرامج الانتخابية للمرشحين الآخرين، فالأقل حظا فى الفوز سيلعب على فكرة مضادة لفكرة السيسى، فكرة تقوم على أن مصر تمتلئ بالثروات والخيرات، وأن حلول الخروج من الأزمة لا تتطلب سوى حلول مبدعة وعودة الأموال المنهوبة فى عصرى مبارك والإخوان، أو رفع الضرائب على الأثرياء أو سحب الأراضى التى تم توزيعها أيام عزبة الرئيس المخلوع، والتعهدات التى سيقطعها المرشحون الرئاسيون المنافسون للسيسى لن يحاسبوا عليها، لسبب بسيط فهؤلاء المرشحون لم يصلوا إلى كرسى أو منصب الرئاسة اصلا،حتى يحاسبهم المواطنون على وعودهم، وهذا لوحده مغر سياسيا لعدم ضبط سقف الوعود الانتخابية، أو بالأحرى للمزايدة على المرشح الأقرب لكرسى الرئاسة، ولإحراجه خلال أسابيع الحملات الانتخابية، وقد بدأت هذه المحاولات بالفعل، فقد دعا المرشح الرئاسى حمدين صباحى السيسى إلى مناظرة رئاسية، ولم يدخل السيسى فى مناظرات انتخابية، خاصة أن عمرو موسى وهو لاعب رئيسى فى حملته قد اكتوى من قبل بنار المناظرات، ومع تزايد أعداد المرشحين من التيار اليسارى فإن البرنامج الانتخابى لهم سيزيد الضغط على المرشح الرئاسى السيسى، فأهل اليسار سيتبنون خطابا أكثر تشددا من السيسى فيما يتعلق بدور الاستثمار الأجنبى ورجال الأعمال.

4 - المصرى المتقلب

خارج إطار مشروعات وبرنامج السيسى الرئاسى ثمة فكرة مسيطرة أو بالأحرى هاجس يسيطر على المشهد الرئاسى، الفكرة مفادها أن الشعب المصرى متغير المزاج لحد التقلب، وأن حبه أو حتى رأيه يتغير بسرعة البرق وما يحبه نهارًا يكرهه مساءً، ومن يرفعه للسماء أول الشهر يخسف به الأرض آخر الشهر، ولاشك أن هذه الفكرة تمثل فى حد ذاتها عبئًا سياسيًا ونفسيًا رهيبًا على أى مرشح، وأن هذا العبء يتضاعف كلما تزايدت فرص المرشح فى الفوز، وأعتقد أن هذه الفكرة لم تكن غائبة عن المشير السيسى، ولكن معظم من تبنوا وروجوا لهذه الفكرة الشريرة لم يكلفوا خاطرهم بتقديم أى أسباب مقنعة لانقلاب المصريين، فالمصريون صبروا على مبارك لثلاثين عاما، ولم ينقلبوا على مرسى لسبب بسيط، فمرسى لم يكن اختيار المصريين عن حب أو اقتناع، فقد فاز مرسى بالرئاسة بفارق بسيط عن شفيق، وانضمت له أصوات بنظرية «عصر الليمون»، ولم يخرج المصريون على مرسى إلا بعد إهانتهم فى دينهم وكرامتهم و(ركب ) جماعته عليهم، وتحول إلى ديكتاتور بإعلان دستورى هو الانقلاب على الدستور، ولذلك فإن نظرية تقلب المصريين أو انقلابهم على الحكام هى وهم، وهم صدره بعض المحللين لنا على الفضائيات، والمثير أن هؤلاء المحللين تجاهلوا عدم انقلاب المصريين على المؤسسة العسكرية بعد حكم المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية الأولى، فرغم كل الأخطاء والخطايا فإن المصريين لم ينقلبوا على الجيش، وقد كشفت دراسة لجامعة ماتشيغل الأمريكية أن المصريين هو أكثر شعوب الدول العربية ثقة فى مؤسستهم العسكرية، وأن الشعب المصرى أكثر شعوب المنطقة تقبلا لحكم شخصيات من خلفيات عسكرية، وهذه الدراسة التى نشرتها شبكة سى إن إن الأمريكية تثبت أن البعض يسجننا فى وهم انقلاب المصريين على معبودهم من السياسيين، وكأن المصريين عرفوا ألفاً أو حتى مائة زعيم، فقد أحب المصريون جمال عبد الناصر ولم ينقلبوا عليه لا فى لحظة انكساره ولا فى لحظة رحيله، لأن عبد الناصر بادلهم الحب بإخلاص، وعاش عيشتهم، وعاش لهم، وهذا هو كل ما يطلبه المصريون من كل مرشح و أى رئيس قادم.