مى سمير تكتب : وصفة «إنريكى كام دوتو» السحرية لرئيس مصر القادم

مقالات الرأي



الرئيس البرازيلى الأسطورى لولا دى سلفيا الذى أتى من صفوف العمال محط أنظارنا، ولكن تجربة الرئيس الاسبق فرناندو إنريكى كاردوسو ربما تكون الأجدر بالدراسة الآن وخاصة من مرشحى الرئاسة. هذا الرجل هو مفتاح المرحلة الانتقالية الناجحة.

والتمهيد لنهضة البرازيل ووضع حكمه كلمة نهاية للانقلابات فى البرازيل، وعرض لتجربته الرئاسية فى كتاب شهير يحمل اسم «رئيس بالصدفة». كتب الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون مقدمة هذا الكتاب، حيث أشار إلى أن سياسة كاردوسو المستنيرة كانت حجر الأساس لدولة البرازيل التى نعرفها اليوم. وعلى الرغم من اهتمام العالم بتجربة لولا دى سيلفا فإن فترة حكم كاردوسو هى التى ساهمت فى توطيد الحكم الديمقراطى فى البرازيل وكانت سبباً فيما شهدته البرازيل فيما بعد من نجاح، وذلك على الرغم من المشاكل الاقتصادية التى كانت تعانيها البلاد فى عصره.

يعود الفضل لاستقرار التحول الديمقراطى الذى تعيشه البرازيل إلى الرئيس الأسبق فرناندو إنريكى كاردوسو، وإذا كان الرئيس السابق لولا دى سلفيا يحظى بشعبية كبيرة باعتباره صاحب النهضة فإن فرناندو إنريكى هو الذى مهد له الطريق لكى يحقق النهضة. تولى فرناندو إنريكى كاردوسو رئاسة البرازيل لفترة متتاليتين من 1995 إلى 2002، وقبل ذلك شغل منصب وزير الاقتصاد فى الفترة من 1992 إلى 1994 واشتهر بخطته المعروفة باسم الريال لمواجهة التضخم وتصحيح أوضاع الاقتصاد البرازيلى. ساعد نجاح فرناندو إنريكى كاردوسو كوزير اقتصاد فى فوزه بالانتخابات الرئاسية فى عام 1995 وكان منافسه الرئيسى لولا دى سيلفا. فى كتابه «رئيس بالصدفة..» يكشف فرناندو إنريكى كاردوسو كما يقول فى مقدمة كتابه رحلته غير الاعتيادية للقمة، حيث ساعده الحظ الطيب، والأصدقاء الطيبون والكثير من الصدف السعيدة.

تعرضه للنفى خارج البلاد جعله يشعر بحنين كبير لوطنه الذى عاد إليه فى بداية الثمانينات وهو العقد الذى شهد مخاضاً صعباً لميلاد الديمقراطية فى البرازيل. مع عام 1985 تحررت البرازيل من الأنظمة الاستبدادية وبدأت فى تأسيس ديمقراطية جديدة، ولكن كان من الصعب إدارة هذه الديمقراطية الوليدة سواء على الناحية السياسية أو الاقتصادية لتشهد البرازيل واحدة من أصعب المراحل فى تاريخها السياسى. عاد فرناندو إنريكى كاردوسو وأنضم لحزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وانتخب عضواً فى البرلمان عام 1986 وذلك قبل أن يصبح وزيراً للاقتصاد ثم رئيساً للبلاد. يعد فرناندو إنريكى كاردوسو هو ثالث رئيس للبلاد بعد تأسيس نظام ديمقراطى، ولكن الرئيسين اللذين سبقاه لم يفعلا شيئا يذكر لتأسيس ديمقراطية حقيقية فى البرازيل. فى المقابل أتى كاردوسو بخلفيته الاجتماعية، ومشاركته فى الكفاح من أجل تأسيس دولة ديمقراطية، ونظرته الفلسفية للحياة، ومبادئه ليمثل نموذجاً مختلفاً فى مناخ سياسى ممتلئ بنماذج يشوبها اتهامات فساد وتاريخ غير ناصع البياض، ولعل هذا السبب كان أحد العوامل التى ساعدته للوصول لمنصب الرئيس ومنحته الفرصة لإنقاذ الديمقراطية الوليدة من محاولات إجهاضها فى ظل غياب لاعبين سياسيين يفتقرون المصداقية.

كانت الخطوة الأولى فى مشواره نحو الرئاسة عندما تولى منصب وزير الاقتصاد فى بداية التسعينيات وهو المنصب الذى كان يهرب منه الجميع بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، حيث وصل معدل التضخم إلى 2500% عام 1993، وشهدت البرازيل سبع عملات مختلفة طوال السنوات الثمانى السابقة لتوليه منصب وزير الاقتصاد. كانت هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية سبباً فى عدم الاستقرار السياسى للديمقراطية الجديدة فى البرازيل. فى تلك المرحلة الحرجة وافق كاردوسو على تولى مهمة وزير الاقتصاد حيث قدم استراتيجيته الخاصة لإصلاح الاقتصاد التى اعتمدت على تقديم العملة الجديدة الريال كجزء من خطته لإنقاذ الاقتصاد، وقد نجحت هذه الخطة فى إنعاش الاقتصاد وكانت سببا فى فوزه بانتخابات الرئاسة فيما بعد أمام لولا دى سلفيا الذى كان يحظى بشعبية كبيرة، ويؤكد كاردوسو أن أحد أسباب خوض انتخابات الرئاسة ضد لولا دى سلفيا الذى يكن له احتراماً كبيراً هو حرصه على استمرار تطبيقه خطته الريال للإصلاح الاقتصادى.

يرصد كاردوسو الخطوات الإصلاحية التى قام بها والتى يرى أنها كانت سببا فى فوزه للمرة الثانية بانتخابات الرئاسة عام 1998 وهزيمته للولا دى سلفيا للمرة الثانية. يشير كاردوسو أنه سعى فى الفترة الأولى من رئاسته لكى يحقق إصلاحا واستقرار سياسى واقتصادى. وبادر بخطط التنمية الشاملة، وفى الوقت نفسه اتبع السياسات المؤيدة لقطاع أعمال السوق المفتوح. وأهم القرارات التى اتخذها كاردوسو كانت تلك المتعلقة بالإصلاحات الجريئة فى قطاع توزيع الأراضى حيث وزع أراضى على أكثر من نصف مليون أسرة معدومة، ويعتبر كاردوسو هذا القرارت بمثابة أهم خطوة اتخذها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاولة القضاء على الفقر فى البرازيل. ويستكمل فى كتابه رصد الانجازات التى يفخر بها ومنها مبادرة حكومته من أجل تمرير قانون لإعطاء حق الحصول المجانى على الأدوية المضادة لفيروس الإيدز الذى كان يهدد حياة الكثيرين فى البرازيل، وشكلت هذه الخطوة تحدياً كبيراً لشركات الأدوية العالمية ولحكومة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل صالح المواطن البرازيلى البسيط، وتعد البرازيل هى أول دولة نامية تقوم بمثل هذا الإجراء. على المستوى السياسى نجح كاردوسو فى إدارة المعارضة البرازيلية وتطوير المشهد السياسى فى بلاده ليصل لمرحلة من النضوج والوعى جعل من البرازيل نموذجا يحتذى به فى الدول النامية.

وعلى الرغم من أن الإصلاحات الاقتصادية التى قام بهاس كاردوسو كانت محل انتقاد من الكثيرين بما فى ذلك لولا دى سلفيا الذى تولى إدارة البلاد بعد كاردوسو إلا أن لولا دى سلفيا ومن بعد رئيسة البرازيل الحالية ديلما روسيف، طبقا نفس السياسة الاقتصادية.

كما استغل كاردوسو فترة حكمه من أجل المواجهة الجريئة لكل القضايا الحرجة التى تعد بمثابة محرمات فى المجتمع البرازيلى، حيث تناول بصراحة قضية عدم المساواة العرقية فى البرازيل، وكان أول رئيس برازيلى يعترف بأن بلاده تشهد تمييزاً ضد السود الذين يشكلون 40% من السكان وعلى الرغم من ذلك لا يوجد سوى ستة نواب سود ضمن 513 عضواً فى البرلمان ولا يوجد سوى سفير أسود واحد فى الخارجية فى ذلك الوقت. على الرغم من الانتقادات التى تعرض لها بسبب فتحه هذا الملف الحساس إلا أنه فى النهاية نجح فى إصدار قوانين لكوتة خاصة بالسود فى الوظائف الحكومية وقدم لهم منحاً دراسية من أجل الالتحاق بالعمل الدبلوماسى.

وفى نهاية كتابه يشير كاردوسو إلى أن من أهم الأسباب التى تساعد فى تدعيم أى تجربة ديمقراطية جديدة، هو تدعيم العلاقات الخارجية، وقد كان حريصاً على توطيد علاقته بجيرانه فى أمريكا اللاتينية، مشيرا إلى أن هذه السياسة ساهمت فى تدعيم مكانة البرازيل على الخريطة العالمية وتأكيد مكانتها كدولة كبرى فى أمريكا اللاتينية. ويشير كاردوسو إلى أن المستشار الألمانى فى ذلك الوقت هلمت كول هو من شجعه على تحسين علاقات البرازيل بدول العالم، حيث قال له إنه وهو صغير كان يكره فرنسا وعندما تقدم به العمر وعمل بالسياسة أدرك أن الكراهية فى عالم السياسة قد تعنى أن أطفاله الصغار قد يخوضون حرباً، ولهذا استبدل هذه الكراهية برغبة فى الاتحاد ولهذا كان من أكبر الداعمين للاتحاد الأوروبى. وكان كول يشجعه على تكرر تجربة الاتحاد الأوروبى فى أمريكا اللاتينية. فى نهاية كتابه يقول كاردوسو إنه كشخص وصل لقصر رئاسة بسبب الكثير من الحظ والكثير من الظروف التى قادته لمنصب الرئيس ولهذا فإنه يدين بالفضل للمجتمع البرازيلى الذى كان لديه الشجاعة الكافية من أجل انتخاب رئيس بلا خبرة.