شظايا الإرهاب "الجهادي" تفرض على أوروبا قواعد جديدة لتفادي لهيبها

عربي ودولي



لا تبدو الأرقام التى تنشرها الصحف الأوروربية حول عدد المنخرطين فى صفوف التنظيمات المتشددة التى تقاتل على الأراضي السورية مؤكدة أو متطابقة ، إلا أن الأمر الذى لم يعد يقبل الشك أو التأويل ، هو الخطر الداهم الذى يمثله الفكر الجهادي على فئات واسعة من الأوروبيين خاصة فرنسا وبريطانيا ، بعد إمتداد تأثيره إلى فئات عمرية متفاوتة ، تجاوزت حدود الإعجاب بالموت المؤدلج دينيا ، إلى حدود التنفيذ على الأرض .

وعلى الرغم من أن البلدان الأوروبية لم تتعرض لهجوم إرهابى ضخم منذ تفجيرات لندن فى 7 يوليو 2005 ، إلا أن سقف المخاوف من انتشار الإرهاب على أراضي تلك البلدان يرتفع يوما بعد يوم وذلك نتيجة لصعود الحركات المتشددة بشكل متسارع ،وتنامى قدرتها على إجتذاب المزيد من الأعوان المتشوقين للقتال ، خاصة مع تصاعد حدة الصراع المسلح في سوريا الذى أنتج عمليات تجنيد وانضمام لآلاف المتطرفين الأوربيين إلى صفوف الجماعات الجهادية والتكفيرية العاملة هناك ، وهو المر الذى أسهم فى تحول هؤلاء المجندين إلى وقودا يتيح إستمرار الحرائق الدينية والطائفية .

وفيما تشير الحقائق على الأرض إلى الدور الفاعل لعدد من الحكومات الأوروبية فى تعزيز قوة تلك الجماعات الإرهابية من خلال الدعم الإعلامي والعسكري ، يبدو أن السحر إنقلب على الساحر وبات فاعلا فى البيت الأصلي ، بعد أن أعربت العديد من تلك الدول الراعية لتنامى ظاهرة الإرهاب الديني عن القلق من تدفق أعداد ضخمة من الجهاديين إلى سوريا ، حيث ينذر ذلك بتحويل الأراضى الأوروبية إلى إناء يعيد إستقبال ما أنتجه وعاء الإرهاب على أراضي الجهاد ، وإعادة إنتاج سنوات الجهاد التى دشنها العائدون من أفغانستان و العائدون من البوسنة ، ولكن هذه المرة فى أوروبا .

ويبدو أن الصمت الأوروبي المتعمد عن عمليات إنتقال الجهاديين من بلدان تقيم وزنا لحرية الإعتقاد ، إلى بلدان تستوعب صراعاتها العبثية عشرات الآلاف من المؤمنين بفكر الموت الذى يتيح الإنخراط فى تنظيمات تكفيرية لا يعلم أحد من أى جحيم أتت ، أتاح بيئة دموية مناسبة أسهمت فى تنامي قوة بعض الخلايا الإرهابية في أوروبا ، دون إستيعاب تجارب القتال فى أفغانستان التى أكدت أن السيطرة على تلك الجماعات الراديكالية وعناصرها ، لا يدوم طويلا وأنها تخرج عن نطاق السيطرة في أقرب فرصة .

وتشير التقارير إلى أن الجهاديين الأوروبيين يطورون أجندتهم الراديكالية بشكل مستقل،حيث ينخرطون فى البداية مع مجموعات صغيرة، ثم يسعون للحصول على تدريبات من تنظيم القاعدة أو المجموعات الأكثر تشددا ، وذلك بدلا من الانخراط فى صفوف الجماعات الارهابية الكبرى منذ البداية ، وهو ما يتيح لهم قدرا من حرية التنقل وتطوير القناعات ، بالإضافة إلى الحصول على دورات متنوعة من التدريبات والخبرات .

فيما ينتج هذا النمط من التعامل مع التنظيمات الجهادية على الأرض ، قدرة عالية على خلق قنوات اتصال واسعة ومتعددة ، مع مختلف الجماعات الارهابية العاملة فى ميادين القتال – سواء ضد الأنظمة الحاكمة أو ضد الجماعات المناوئة – ، وهو ما يتيح التمدد إلى مناطق شمال أفريقيا وباكستان والصومال واليمن ، الأمر الذى يشكل ظاهرة مثيرة للقلق من جانب الحكومات التى ترعى بدايات نشوء تلك المجموعات الصغيرة وتتيح لها حرية التنقل بجوازات سفر رسمية ومعتمدة ضمن القوانين الدولية .

ويبدو هذا القلق مسيطرا على جميع المسؤولين الأمنيين في العواصم الأوروبية، وكذلك واشنطن، حيث أكد مدير وكالة الاستخبارات الجيوفضائية الوطنية، جيمس كلابر، أمام إحدى لجان الكونجرس خلال فبراير الماضي ، إن الحرب السورية اجتذبت نحو 7000 من المقاتلين الأجانب من نحو 50 دولة، وإن واحدة على الأقل من الجماعات الجهادية الرئيسة في سوريا تطمح إلى تنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن أوروبا تبدو هدفا أقرب وأكثر سهولة للوصول إليه.

وكان المركز الدولي لدراسة التطرف قد قدر بداية العام الحالى ، أن ما يقرب من ألفي شخص من أوروبا الغربية قد سافروا إلى سوريا للانخراط في القتال الدائر هناك، وأن هذا العدد يزداد بشكل سريع ، فيما يقول مسؤولون فرنسيون، إن نحو 800 فرنسي سافروا إلى سوريا ، وهو ما حدا بوزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس أن يؤكد أن المقاتلين العائدين إلى فرنسا يمثلون التهديد الأكبر الذي تواجهه البلاد خلال السنوات المقبلة .

إلا أن حدة القلق تبدو أكبر في بريطانيا، حيث ما زالت ذكريات تفجيرات يوليوعام 2005 وقد التى أودت بحياة 52 شخصا حاضرة في الأذهان ، خاصة وأنها نفذت بواسطة متطرفين نشأوا في بريطانيا، وتلقى اثنان منهم على الأقل تدريبات في باكستان.

ولعل الخطر الأكبر الذى لم تتمكن الجهات الداعمة لإنضمام أوروبيين إلى المجموعات المسلحة المناهضة لنظام بشار الأسد فى سوريا قياسه بدقة ، يكمن فى أن معظم الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال لم ينضموا للجماعات المعتدلة، وهي المعارضة المدعومة من الغرب، والتي يغلب عليها السوريون ويقاتلون حكومة الرئيس بشار الأسد في المقام الأول، بل على العكس من ذلك، انضموا للمتطرفين والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، والتي ترحب بانضمام الأجانب لها.

ويعزو مراقبون تزايد القلق البريطاني إلى حقيقة أن الحكومة لا تعرف سوى القليل جدا عما يحدث في سوريا، لا سيما بالمقارنة مع ما عرفته عن العراق وأفغانستان في ذروة الحروب هناك.

ولم يعد غريبا أن يجري الحديث الآن عبر وسائل إعلام محافظة أو يمينية عما بات يعرف ب خط الجهاد الممتد في الداخل التركي من آدي يمان الى الحدود السورية، والذي يعكس مدى الحرية التي يتمتع بها الجهاديون داخل تركيا، ناهيك عن خطوط الجهاد الخارجية الأكبر الممتدة من الشيشان وتونس وأفغانستان عبر تركيا الى سوريا.

وتشير التقارير إلى أن خط الجهاد يبدأ في محافظة آدي يمان ويسير الى الحدود السورية مرورا بمحافظات بينجول وباتمان وأورفة وديار بكر،حيث إتخذت جبهة النصرة والقاعدة مركزا لها في مدينة آدي يمان نفسها لتجند الشبان بين 18 و30 عاما ،بالإضافة إلى إستقبال المجاهدين العابرين القادمين من الدول الأوروبية وأحيانا العربية.

وتشير التقارير إلى أن سوريا تعتبر نقطة انطلاق كبيرة ، حيث أن الوجهة سهلة ، فبالنسبة للانطلاق من فرنسا يكفى أن يأخذ الشخص حافلة من منطقة بورت دو باينوليه لتقله إلى إسطنبول ، حيث أن دخول الأراضي التركية بالنسبة للأوروبيين لا يخضع لتأشيرة ، ومن ثم ينتقل هؤلاء إلى الحدود السورية - التركية حيث العديد من قواعد التمركز التى ترحب بالراغبين فى الشهادة خاصة الإنتحاريين .

ويبدو أن المدة الطولية التى يقضيها هؤلاء المقاتلون المؤدلجون فى ميادين القتال الدينية والطائفية ، تجعل عودتهم إلى بلدانهم غير مرحب بها ، حيث قال وزير الخارجية البريطانى ويليام هيج، أنه ينبغي على البريطانيين ألا يسافروا إلى سوريا لأي سبب من الأسباب، وأن أولئك الذين ذهبوا بالفعل إلى هناك للقتال ينبغي ألا يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في العودة إلى الوطن، لأنهم إذا فعلوا، فسوف يواجهون الملاحقة القضائية بتهم الإرهاب .

فيما يؤكد ريتشارد والتون الذي يقود جهود مكافحة الإرهاب في شرطة أسكوتلنديارد، إن الأمر لم يتضح كليا بعد، لكن سوريا أحدثت تغييرا كبيرا في كثير من الاستراتيجيات ، إننا نشهد هذا الأمر كل يوم، هناك مئات من الناس يذهبون إلى سوريا، وإذا لم يُقتلوا، فإنهم يتحولون إلى متطرفين .

إلا أن فرنسا التى صدمها مشهد محتجزي الصحفيين الفرنسيين فى سوريا ، مع وجود من يتحدث الغة الفرنسية بطلاقة ، يبدو أنها قررت ألا تنظر التقديرات أو ما يمكن أن ينتجه تصاعد أرقام الراغبين فى الجهاد بسوريا ، حيث وضعت الحكومة هناك خطة جديدة جرى الإعلان عنها اليوم ، تشمل تدابير لمنع الشباب الفرنسى من التوجه إلى سوريا للإنخراط فى الجهاد ، خاصة مع تأكيدات وزير الشئون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسي لوران فابيوس ، أن ما يقرب من 500 فرنسي ينخرطون فى الجهاد بسوريا ضد نظام بشار الأسد وذلك منذ إندلاع الصراع.

وتهدف الخطة التى وضعها رئيس الحكومة مانويل فالس فى المقام الأول ، إلى العمل على الرصد المبكر لهؤلاء الشباب الذين يرغبون فى السفر إلى سوريا لمحاربة قوات ، كما تركز الخطة إلى حد كبير على التوعية بالأفعال المتطرفة إلى جانب إعادة التنشئة الإجتماعية للشباب، كما سيتم إقامة مركز أزمة لإستقبال أولياء الأمور الذين يتشككون فى أن أولادهم يريدون الانخراط في هذا الطريق، على أن يتم رعاية هؤلاء الشباب بعد ذلك من قبل مهنيين.

وكانت ضاحية مونتوي بشرق باريس، قد شهدت فى فبراير الماضي ، ندوة نظمها منتدى أئمة فرنسا لدراسة ظاهرة التكفير والإرهاب، وتزايد سفر بعض الشباب الفرنسيين بدعوى الجهاد في سوريا، وتكفير من يرفض القتال هناك من قبل بعض رجال الدين المتطرفين ، شارك فيها ممثلون رسميون من الداخلية الفرنسية والجمعيات الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني.

وقد عكست تلك الندوة مدى القلق الفرنسي من هذه الظاهرة على مستقبل أبنائها، وطالب عدد من أهالي الشباب الفرنسي المغرر بهم بمراقبة جادة للجوامع وما يصدر منها من فتاوى تشجع الشباب على الجهاد ، فيما طالبت الجمعيات الإسلامية بضرورة مراقبة الإنترنت الذي ينشر رسائل مصورة من داخل سوريا تدعو الشباب للالتحاق بصفوف المسلحين .

وقد أسست المخاوف الفرنسية سواء على صعيد المجتمع أو على صعيد الدولة الفرنسية ، لتدابير تضمنتها خطة الحكومة لمكافحة تلك الظاهرة ، تشمل إقامة تعاون بين الدول على المستوى الأوروبي، أو على الأقل منطقة الفضاء الأوروبى الموحد شنجن ، وإعادة فرض الحصول على إذن مغادرة من ولى الأمر بالنسبة للقاصرين عند السفر ومغادرة البلاد .

ويبدو أن أوروبا التى قدمت الملاذات الآمنة لقادة الإرهاب ، باتت اليوم أكثر إدراكا لحجم المخاطر التى ينتجها الخطاب الراديكالى شديد التطربف ، خاصة مع إقتراب لهيب النيران من شبابها ومراهقيها الذين وقعوا فريسة للدعاية الحمقاء من خلال الانترنت ، والتى نجحت فى جذب المزيد من المتطوعين العابرين إلى ما يمكن أن نطلق عليه وهم الهوية الجديدة ، التى يمكن أن تصل بهم إلى شواطىء الموت تحت راية شريفة هى الشهادة .