ماري آننغ: السيرة العملية للعالمة التي يحتفل بها جوجل اليوم

تكنولوجى



السيرة العملية للعالمة التي يحتفل بها محرك البحث الشهير جوجل اليوم الاربعاء 12 مايو اعتمدت ماري آننغ في البداية على بيع الحفريات اللافقارية كقواقع الأمونيت والبلمنايت المنتشرة، حيث كانت تبيعها مقابل شلنات قليلة، على خلاف الفقاريات، كالإكتيوصور ، التي كانت أكثر ندرة وأغلى ثمنا.

وقد كان جمع الحفريات عملاً شتوياً غاية في الخطورة، كما ذكرت مجلة بريستول ميرور في مقالها عن ماري عام 1823:

هذه الفتاة المثابرة ظلت، طوال سنوات، تذهب لجمع البقايا المتحفرة الهامة على عمق عدة أمتار أسفل الجرف المعلق خلال فترات الجزر. حيث كان الجرف ينهار ملقيا أجزاء منه تحوي آثار متحفرة من العوالم السابقة. وكان على ماري أن تلتقط تلك الأجزاء لحظة سقوطها قبل أن تضيع في المد التالي، معرضة نفسها لخطر الانسحاق بأحد تلك الشظايا نصف المعلقة التي يخلفها الانهيا. …

وقد ظهرت مخاطر عمل ماري جلية، في عام 1833 عندما استطاعت أن تنفد بأعجوبة من أحد تلك الانهيارات التي دفنت رفيقها الوفي (كلبها تراي).

حيث كتبت ماري في خطاب لصديقتها تشارلوت ميرتشسون في نوفمبر من نفس العام: “ربما تسخري مني إذا ما قلت أن موت كلبي الوفي قد أثر بي كثيرا، ولكن الجرف الذي قتله سقط في لحظة خاطفة أمام عيني بالقرب من قدمي….فقد كان يفصلني عن المصير نفسه دقيقة واحدة فقط.”

بدأت شهرة ماري تزداد مع كل اكتشاف تقوم به; ففي العاشر من ديسمبر لعام 1823 عثرت على هيكل عظمي كامل بلصور، وفي عام 1828 عثرت على أول زواحف طائرة في بريطانيا تيروصور والذي عرض بالمتحف البريطاني بوصفه تنين طائر، أما في العام 1829 فقد عثرت على هيكل سمكة سكوالوراجا Squaloraja.] وبالرغم من أن ماري تلقت قدر قليل جدا من التعليم، فقد كانت تحرص على قراءة كل ما تصل إليه أيديها من الأدب العلمي والأبحاث المنسوخة والتي كانت تستعيرها من أصدقائها.

حيث قال عنها عالم الحفريات كريستوفر مغالن أنه فحص نسخة ماري للبحث الذي أصدره عالم الجيولوجيا ويليام كونيبير في عام 1824، حيث وجد عدة صفحات من الشرح التقني المفصل بقلم ماري، بيد أن هذا الشرح كان متسق مع البحث الأصلي بصورة جعلت من الصعب معرفة ما كتبته ماري من ما كتبه ويليام نفسه.

لم تكتفي ماري بجمع الحفريات فقط، فقد كانت تقوم بتشريح بعض الحيوانات المعاصرة كالأسماك والحبار سعياً لفهم أعمق لتكوين الحيوانات المتحفرة. وقد تحدثت عنها السيدة هيريت سلفستر، أرملة قاضي لندن السابق، في مذكراتها عندما زارت لايم في عام 1824 قائلة:

صورة لهيكل عظمي شبه مكتمل ذو رقبة طويلة نحيفة وجمجمة صغيرة بلصور، أعلنت ماري آننغ عن اكتشافه في عام 1823

إن المدهش في هذه الفتاة أنها استطاعت أن تتعلم من كل ما توصل إليه العلم أثناء حياتها بحيث أصبح باستطاعتها التعرف على الهياكل المتحفرة، ولأي فصيلة تنتمي. فقد كانت تبني إطار من الأسمنت، وتشكل حوله العظام ثم تنقشها وتعرضها.

وربما يكون من الغريب أن تلك الفتاة الفقيرة الأمية استطاعت، من خلال قراءاتها وأبحاثها، التوصل لمستوى متقدم من العلم جعلها قادرة على مناقشة كبار الأساتذة والعلماء في هذا المجال، حيث أقروا جميعاً أنها أغزر علماء الجيولوجيا علما في المملكة المتحدة.

في عام 1826 أي عندما كانت ماري في السابعة والعشرين من عمرها، استطاعت أخيرا أن تدخر مبلغ لشراء منزل ومتجر ذو واجهة زجاجية أطلقت عليه اسم (متجر آل آننغ للحفريات) أو (Anning’s Fossil Depot).

وقد لقى هذا المتجر اهتمام كبير على الصعيدين الأمريكي والبريطاني; فقد كتبت عنه صحيفة لايم المحلية أنه متجر جميل يعرض هيكل إكتيوصور في حالة جيدة. بينما زارته العديد من الشخصيات المعروفة مثل عالم الجيولوجيا الشهير جورج فازرستونهو الذي وصف ماري على أنها فتاة ماهرة ولطيفة.

وقد اشترى جورج الكثير من الحفريات للأكاديمية العلمية الناشئة بنيويورك. وفي عام1844، زار الملك فريدريك أغسطس الثاني، ملك مملكة ساكسونيا ماري في متجرها حيث اشترى منها هيكل إكتيوصور ليضيفه إلى مقتنياته في مجموعة التاريخ الطبيعي الكبيرة.

وقد كتب كارل غاستف كارس، طبيب الملك ومساعده في مذكراته:

عندما نزلنا من العربة وذهبنا سيرا على الأقدام، وجدنا هذا المتجر وبه الكثير من الأحجار والبقايا المتحفرة المميزة; رأس إكتيوصور، وأمونيت رائع…إلخ. وعندما دخلنا المتجر وجدناه، والغرفة الملاسقة له، مكتظان بمنتجات حفرية ساحلية، بيد أن أكثر ما جذب انتباهي هو هيكل إكتيوصور رائع، طوله ستة أقدام تقريبا، مغروس في بلاطة طينية سوداء. لقد كان هذا النموذج المتحفر إحرازاً كبيراً لمسءولي التاريخ الطبيعي في أوروبا, ولذا فأنا أعتقد أن المبلغ المطلوب فيه (£15)، رمزي للغاية.

وعندما طلب منها كارس أن تكتب اسمها وعنوانها، قرأت اسمها “ماري آننز”، وقالت “أنا معروفة في أوروبا كلها.”

بمرور الوقت، أصبحت ماري أكثر ثقة بعلمها ومعرفتها. والدليل على ذلك أنها راسلت مجلة ناتشورال هيستوري في عام 1839 لتدحض مزاعم أحد المحررين الذي أدعى أن (قرش هايبوس)، المكتشف مؤخراً، الذي عاش منذ ملايين السنين قبل التاريخ ينحدر من سلالة أخرى غير تلك التي ينحدر منها أسماك القرش الأخرى، ذات الأسنان المستقيمة والمعقوفة، التي اكتشفتها ماري منذ سنوات.

فقد كان هذا الاقتباس الذي نشر من خطاب ماري الإسهام العلمي المكتوب الوحيد الذي نشر وهي في قيد الحياة.

إلا أن هناك خطابات شخصية نشرت لماري أثناء حياتها، كخطاباتها إلى فرنسيس أغسطا بل.

تفاعل ماري مع الوسط العلمي

كانت ماري، بوصفها امرأة فقيرة من الطبقة العاملة، غريبة عن الأوساط العلمية. ففي ذلك الوقت لم يكن للنساء، ولا حتى الفقراء من الرجال من مَن لم يكن لديهم ملكية خاصة، الحق في الإدلاء بأصواتهم، أو تقلد المناصب الحكومية، أو حتى الالتحاق بالجامعات. وبالنسبة للنساء من الطبقة العاملة، كانت الوظائف المتاحة تتمثل في أعمال الزراعة والأعمال المنزلية والعمل بالمصانع الجديدة.

ولم تكن الجمعية الجيولوجية، الناشئة، ذات الدور المؤثر في تشكيل الوعي العلمي بمعزل عن مثل هذا الإقصاء. فقد منعت النساء من الاشتراك فيها، أو حتى حضور جلساتها باعتبارهم ضيوف.

ومن ناحية أخرى، كانت ماري تستاء من الكثير من زبائنها المهتمين بالحفريات; فبالرغم من أنها كانت تفوقهم علماً، فإن، زبونها، عالم الجيولوجيا الثري، كان هو دائما من يضع وصفاً علمياً للحفريات التي تكتشفها ماري، دون أدنى إشارة لدور ماري في اكتشافه.

وفي الصدد نفسه تقول آنا بني، الصبية التي صاحبت ماري في الكثير من رحلات جمع الحفريات: “لقد استغلت ماري بشدة… فبينما كانت تلك الصفوة المتعلمة تعتمد على كل ما تتوصل إليه ماري من تفصيلات ضرورية لنشر نتائجهم النهاءية، كانت ماري لا تحصل على أية امتيازات نظير تلك الاكتشافات.”

وكذلك كتب تورانس أن الظلم والتجاهل الذين تعرضت لهما ماري كانا جزءا من منظومة أكبر من التجاهل الذي تعرضت له الإسهامات العلمية المقدمة من الطبقة العاملة في أوائل القرن التاسع عشر. فغالباً ما كان الحجار، أو عامل الطرق، أو عامل البناء يجمع الحفريات ثم يبيعها لجامع الحفريات الثري، فإذا كانت المستحاثات التي اكتشفت ذات قيمة علمية، فإن الأخير كان يحصل على كل الامتيازات والتقدير.

كان الكثير من علماء الجيولوجيا يزورون ماري، ليس فقط من أجل شراء الحفريات، ولكن أيضاً للخروج معها في رحلات جمع الحفريات، وكذلك لمناقشة أمور التشريح. فعلى سبيل المثال: كانت ماري وهنري ديلابيك أصدقاء، أثناء مرحلة المراهقة وبعدها، حين أصبح هنري أحد أبرز علماء الجيولوجيا في المملكة. فقد كان هنري، وماري، وأحياناً جوزف آننج، يذهبوا معاً في رحلات جمع الحفريات.

أما ويليام بكلاند، أستاذ الجيولوجيا بجامعة أوكسفورد فكان يقضي إجازات عيد الميلاد بلايمريجس، حيث شُهِد، وماري، يجمعان الحفريات.

ويبدو أن بكلاند قد استفاد كثيرا من الإثباتات العلمية التي توصلت إليها ماري; فقد أثبت أن البازهر المخروطي، الذي أسماه بالكوبراليت، ما هو إلا روث أكتيوصور أو بليزوصور متحفر.

وفي عام 1839 قام كلاً من ويليام بكلاند، وريتشارد أوين، وكونيبير بزيارة لايم، حيث ذهبوا جميعا في رحلة لجمع الحفريات، بصحبة ماري.

وكذلك ساعدت ماري جامع الحفريات توماس هوكنز في جمع هياكل الإكتيوصور من ساحل لايم ريجس في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، بيد أنها لاحظت ميل هوكنز لتحسين الهياكل المتحفرة، فقالت عنه: “لقد كان يضع الأشياء تبقاً لتصوره هو، وليس على الصورة التي وجدت عليها….”.

ونتيجة لذلك، أثيرت فضيحة كبرى حول العظام التي يضيفها هوكنز إلى هياكل الإكتيوصور، كي تبدو مكتملة، قبل أن يبيعها لمتحف التاريخ الطبيعي بالمتحف البريطاني، دون علم المثمنون بتلك الإضافات.

وفي عام 1834 قام عالم الحفريات السوسري، لويس أغاسيز بزيارة ماري لجمع ودراسة حفريات الأسماك، حيث أعجب بمهارتها، هي وصديقتها إليزابيث فيلبوت، حيث شكرهما في كتابه دراسة في الأسماك المتحفرة (Studies of Fossil Fish). كما كتب عنهما في مذكراته: “لقد استطاعت الآنسة فيلبوت وماري آننغ أن ترياني سلالات عديدة من أسماك القرش”.

وكذلك قام رودريك موركيسون، ضمن عمله الميداني بجنوب غرب إنجلترا، بزيارة لايم، حيث ترك زوجته شارلوت هناك، لعدة أسابيع، كي تتعلم أمور جمع الحفريات من ماري. وفي تلك الفترة أصبحت ماري وشارلوت صديقتين، حيث استفادت ماري من صداقتها بشارلوت التي عرفتها على شبكة واسعة من الزبائن بأوروبا.

حتى غيديون مانتل، مكتشف الديناصور إغوانادون، قام بزيارة ماري بمتجرها.

إلى جانب تلك الزيارات، كان العديد من العلماء يكاتبون ماري ويسألون آراءهم. ومن هؤلاء تشارلز لايل الذي كتب يسألها عن رأيها في التأثير الذي يحدثه البحر في الجروف الساحلية بلايم. في حين راسلها آدم سيدجويك، أستاذ الجيولوجيا بجامعة كامبريدج، الذي درس لعديد من العلماء من أبرزهم تشارلز داروين.