رشا سمير تكتب : حصان طروادة السلفى!

مقالات الرأي



تسببت قصة حُب غير شرعية بين الفارس الوسيم «باريس» ابن ملك طروادة والملكة «آيلينا» زوجة ملك إسبارطة «مينالاس» فى قتال وحرب طاعنة استمرت لمدة عشر سنوات بين البلدين.. حاصر فيها جيش إسبارطة دولة طروادة لمدة عشر سنين دون فائدة.. وكادت جيوش إسبارطة أن تنسحب أمام عجزها عن اقتحام هذه المدينة.. فأشار عليهم أحد قادة جيوش إسبارطة بصنع حصانٍ خشبى يتسع لمجموعة من المقاتلين الأشداء من جيش إسبارطة، وتم جر الحصان بالقرب من أبواب مدينة طروادة، ثم تظاهروا بالانسحاب.. وفى عتمة الليل تسلل جنود إسبارطة من الحصان الخشبى، وتوجهوا إلى البوابة فكسروها، ودخلوا إلى المدينة فدمروها تدميرا واستولوا عليها..

هذه هى قصة حصان طروادة التى لا تختلف كثيرا عن قصة حزب النور السلفى عقب تداعيات ثورة يناير.. من أول التحالف الإخوانى السلفى، إلى النزاع السلطوى الدينى وحتى ارتداء قناع الليبرالية السلفية المزدوج!.

لا أعتقد أنه نوع من التجنى لو اتهمت حزب النور السلفى بأنه الوجه الآخر لحزب الحُرية والعدالة.. ولا أعتقد أنه نوع من الافتراء لو داخلنى شعور قوى بأنهم يستحضرون صفوفهم ليحلوا محل الجماعة المحظورة فى الملاعب السياسية..

فالنور والحرية والعدالة خرجا من تحت عباءة الدين، التحفوا بمبادئه السامية لخدمة أغراضهم الدنيوية، وأطلقوا لُحاهم استكمالا لصورة الشرعية الدينية، وفرضوا سطوتهم الزائفة على هذا النوع من البشر الذى لا يشغل باله شىء سوى الحلال والحرام، الذين يتصورون أن طاعة أولى الأمر هى مفتاح النجاة ولم يتوقفوا أبدا عند فكرة أن أولى الأمر منهم أحيانا ما يكونون على شاكلة على ونيس نائب الطريق الزراعى!..

على الرغم من صدور حكم قضائى لم يتم نشره فى الجريدة الرسمية بحل الأحزاب السياسية صاحبة المرجعية الدينية، فلايزال موقف حزب النور غامضا، هل هو حزب سياسى له مرجعية دينية؟ الإجابة بالقطع: نعم؟ ويبقى السؤال: لماذا إذن لم يتم حله؟.

لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء حيث برلمان 2012، لوجدنا أن حزب النور وبالأرقام هو الحزب الوحيد القادر اليوم على الظهور فى الصورة لخلافة حزب الحرية والعدالة، ولكن هل سيستطيع النور حقا أن يقف منفردا أم سيبقى للأبد ظلا ينتظر كنف الآخرين ليحتمى بهم؟

ثم كانت البيعة الكبرى حين قدم رئيس حزب النور ملف التمكين الإخوانى الذى يحتوى على آلاف الوظائف التى تم تسكين الإخوان بها طوال العام المنكوب من فترة حكم مرسى!.. وكان هذا الملف هو القشة التى أنهت شهر العسل بينهما!..

بعد ثورة 30 يونيو، قرر القادة الذين لا يمتلكون أى سطوة بكل أسف على أعضاء الحزب، أنهم سوف يدعمون الرئيس السيسى من أجل مصر فكانت صورة نادر بكار وهو يضع الورقة المفتوحة وعليها علامة «صح» أمام اسم السيسى، صورة مُضحكة لأنها وبكل أسف تعمل على إيصال رسالة ساذجة مُفادها «نحن وراءك وفى انتظار المكافأة»!..

بخلاف نادر بكار لم يتم التقاط ذبذبات لأى سلفى آخر فى منطقة لجان الانتخابات!.. فالباقون إما مقاطعين لعدم اقتناعهم بالمرحلة وإما فى انتظار عودة الشرعية!..

فجأة يقرر حزب النور ترشيح نساء غير محجبات على قوائمه، بل ويمدون يد المصالحة والتعاون لأعضاء الحزب الوطنى المنحل فى محافظة الدقهلية!..

فكيف ننسى يوم وصف ياسر برهامى ترشح المرأة للبرلمان بـ «المفسدة»، يومها قال باللفظ: «لا يفلح قوم ولو أمرهم امرأة»، مشيرًا إلى أن حزب النور السلفى سيرشح عددًا من السيدات «مضطرًا» على قوائم الحزب بسبب اشتراط القانون وجود امرأة فى قوائم الأحزاب!.

أتذكر قصة طريفة قصها علىّ أحد أصدقائى المثقفين الذى ينتمى جذورا وشهامة إلى أهل الصعيد.. وهى قصة (عبد الكريم): عبد الكريم شاب مُكافح كان يرتدى جلابية بيضاء فوق البنطلون ويطلق لحيته وهو خريج كلية الدراسات الإسلامية، كان عبدالكريم يذهب باحثا عن الرزق فى مدينة الألومنيوم بقنا عن طريق «فرشة» بسيطة بها بعض الخضار والفاكهة.. وبعد سنوات تحول عبد الكريم بقدرة عزيز مقتدر إلى نائب فى برلمان 2012 عن حزب النور السلفى!..

ولا يأتى اعتراضى هنا من فقر الرجل أو من تدينه أو من بساطته، ولكن الفاجعة تأتى من كونه عضوا بمجلس الشعب المصرى المنوط بتشريع القوانين، والذى سوف تكون صلاحياته فى برلماننا القادم أهم وأقوى من صلاحيات رئيس الجمهورية!

كيف يتم وضع التشريع فى أيدى أنصاف المتعلمين والجُهلاء والمنافقين؟ إلى متى ستظل سطوة المال والعصبية القبلية هى الأساس فى اختيار النواب فى منطقة الصعيد؟..

إلى كل من لهم حق الانتخاب لبرلماننا القادم.. إحذروا حصان طروادة.. واحذروا عودة عبدالكريم!..