مراتب الصيام
للصّوم ثلاث مراتب :
صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
فأمّا صوم العموم فهو : كفّ البطن والفرج عن قضاء الشّهوة .
وأمّا صوم الخصوص : فهو كفّ النّظر، واللّسان، واليد، والرّجل ، والسّمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام .
وأمّا صوم خصوص الخصوص : فهو صوم القلب عن الهمم الدّنيئة ، والأفكار المبعدة عن اللّه تعالى ، وكفّه عمّا سوى اللّه تعالى بالكلّيّة .
وإنّما سمّي الصّيام صبرا ؛ لأنّ الصّبر في كلام العرب الحبس ، والصّائم يحبس نفسه عن أشياء جعل اللّه تعالى قوام بدنه بها .
وقال الغزاليّ في الإحياء : اعلم أنّ في الصّوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى اللّه - عزّ وجلّ -
حيث يقول سبحانه في الحديث القدسيّ :
« الصّوم لي وأنا أجزي به » . وكفى بهذه الإضافة شرفا كما شرّف البيت بإضافته إليه في قوله : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ (الحج/ 26)
وإنّما فضّل الصّوم لمعنيين :
أحدهما : أنّه سرّ وعمل باطن ، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء .
الثّاني : أنّه قهر لعدوّ اللّه ؛ لأنّ وسيلة العدوّ الشّهوات ،
وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب وما دامت أرض الشّهوات مخصبة ، فالشّياطين يتردّدون إلى ذلك المرعى ، وبترك الشّهوات تضيق عليهم المسالك .