هل الأب ملزم شرعاً بتجهيز ابنته للزواج؟

إسلاميات



أثار اختلاف بعض الأحكام القضائية التي صدرت أخيراً حول مسؤولية الأب عن تجهيز ابنته جدلاً فقهياً بين علماء الإسلام الذين انقسموا إلى فريقين، أحدهما يؤيد وجوب تجهيزه لها شرعاً، في حين تحفظ آخرون عن الإجبار المطلق للأب بتجهيز ابنته، خاصة بعد بلوغها السن التي لا تلزمه الإنفاق عليها، ولكل منهما أدلته الشرعية التي يستند إليها، فماذا قالوا؟

بدأت القضية بحكم لمحكمة استئناف الأسرة في القاهرة، بإعفاء أحد الآباء شرعاً وقانوناً من تجهيز ابنته، مستندة بذلك إلى الشريعة الإسلامية، حيث أكد الإسلام إسناد تلك التكاليف على العريس من خلال مقدم الصداق أو المهر.

وأضافت المحكمة، فى حكمها الصادر برئاسة المستشار محمد عزت الشاذلي، أن الزوج ملزم بتحمل نفقات زواجه، وهو ما يدفعه لأهل العروس من مهر، على اعتبار أن ما يشتريه الزوج من منقولات وخلافه هو في النهاية لتجهيز مسكنه وفقاً للمذهب الحنفي الذي يتم على أساسه الزواج في مصر، كما أن القانون ليس فيه ما يجبر الأب على تجهيز ابنته، خاصة مع بلوغها السن القانونية.

ويرجع السبب في تناول المحكمة هذه القضية وإصدارها هذا الحكم في الدعوى، أن خلافات مستمرة نشأت بين الأب والأم انتهت بالطلاق، وترك الأب منزل الأسرة وتحملت الأم نفقات أبنائها، إلى أن تقدم أحد الأشخاص لخطبة ابنتها وتحمل الشقيق الأكبر جميع تكاليف زواج شقيقته، وبعدما علمت الابنة أن والدها ميسور الحال طالبته برد ما أنفقه شقيقها لكنه امتنع.

لكن في قضية أخرى، أصدرت محكمة استئناف القاهرة لشئون الأسرة بالتجمع الخامس برئاسة المستشار محمد عرفة، حكما بإلزام «أب» بدفع مبلغ عشرين ألف جنيه لابنته مساعدة لها لإتمام زواجها.

وأشارت الابنة إلى أنها أنفقت هذه المبالغ في شراء مستلزمات وتجهيز زواجها، وقدمت لهيئة المحكمة الفواتير الدالة على ذلك، وطالبت القضاء بإلزام الأب بأن يؤدي لها المبالغ التي أنفقتها على جهازها ومستلزمات الزواج.

وقالت المحكمة إن إلزام الأب بالنفقة على ابنته إلزام أصيل مقرر شرعاً وقانوناً، وبما يكفي حاجتها ويليق بها وبمن هن في مستواها الاجتماعي والأدبي والمادي، خاصة أن تجهيز الابنة للزواج هو من أهم واجبات «الأب»، بل هو اليوم والمناسبة التي ينتظرها كل أب، ليرسم البسمة على وجه ابنته ويمد لها يد العون والمساعدة بكل ما أوتي من مال إلى أن يتم زفافها إلى زوجها، وبعد ذلك تسقط عنه نفقتها التي تنتقل إلى الزوج.

سبب الاختلاف

عن سبب هذا الاختلاف في الأحكام القضائية في قضايا متشابهة، قال الدكتور أحمد حسني، عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: «لا شك أن خلو قوانين الأحوال الشخصية من النصوص القاطعة في مسألة التزام الأب وإجباره على تجهيز ابنته في حالة زواجها، يعد قصوراً في التشريع، خاصة أن ذلك الالتزام بإعداد جهاز الابنة للزواج يختلف عن الالتزام بالنفقة، لأن النفقة المقصود بها ما يدفعه ولي الأمر أو الراعي لرعيته من غذاء ومسكن وملبس وعلاج وتعليم، ولما كان ذلك فإن الواجب تطبيقه في هذه المسألة الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».

وأوضح حسني أن حكم تجهيز البنت عند زواجها يشترط ألا يتم من المهر المدفوع لها، لأن المهر ملك خالص للبنت تفعل به ما تشاء، كما لا يجوز في الوقت نفسه إجبار الأب على تجهيز البنت، وإذا تبرع الأب وجهز ابنته البالغة من ماله فإن الجهاز المتبرع به أصبح ملكاً خالصاً للبنت، لأن الجهاز في كل الأحوال ملك خالص للبنت، والأصل في الالتزام بتجهيز ابنته التبرع وليس الإجبار.

وأنهى حسني كلامه بأن العرف الجاري أن يتقاسم العروسان كلفة الجهاز، ويتم تحرير قائمة بمنقولات الزوجية للمرأة، وتصبح تلك المنقولات التي لدى الزوج على سبيل الأمانة للاستعمال فقط، وتستردها الزوجة متى طلبت ذلك في حالة الطلاق.

علاج القصور التشريعي

وحث الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، المشترع على التصدي لجوانب القصور التشريعي، بسن نصوص واضحة وصريحة لا تقبل الاختلاف، بإلزام الأب بتجهيز ابنته بما يليق بها وما يتناسب مع حالته المالية ومستواه الاجتماعي، وذلك بالتفاهم بينه وبينها وبين أسرة الزوج، مع العلم أن المهر ملك خالص للابنة ولا يجوز إجبارها على تجهيز نفسها منه، وفي حالة قيامها بتجهيز نفسها يعتبر ذلك ديناً في ذمة أبيها حسب حالته المادية يسراً أو عسراً، دون إغراقه في الديون.

وأوضح الدكتور المنسي أن جمهور الفقهاء يرون أن تجهيز الزوجة يكون على الزوج مع دفع المهر، لأنه مكلف شرعاً بإعداد مسكن الزوجية، وليس لها حق في هذا الجهاز. لكن المشكلة أن العرف جعله يستبدل المهر بتجهيز بيته وكتابة قائمة المنقولات باسم الزوجة، على أن تقوم أسرة الزوجة بتحمل جزء من التجهيز حسب الاتفاق بينهم بالتراضي.