اسكتلندا وإنكلترا..تاريخ من العداء رغم الاتحاد.. سؤال يحسم الصراع

عربي ودولي



تعتزم الحكومة الاسكتلندية إجراء استفتاء عام بشأن مسألة الاستقلال عن المملكة المتحدة يوم الخميس 18 سبتمبر 2014 وفقا لاتفاق الحكومة المحلية الاسكتلندية مع الحكومة المركزية. وسيكون الاستفتاء على شاكلة سؤال يُوجّه للمواطن الاسكتلندي: “هل ينبغي أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟”.

مع تواتر نتائج استطلاعات الرأي التي باتت تشير إلى تقارب بين المؤيدين لاستقلال اسكتلندا ومعارضيه بدأت لندن تفكر بجدية في التبعات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي يمكن أن تترتب عن فوز الـ”نعم”.

رغم حرص الكس سالموند، رئيس الوزراء الاسكتلندي وزعيم الحملة الداعية للاستقلال، على الطمأنة بالتأكيد على أن اسكتلندا المستقلة ستحتفظ بالعملة نفسها وبانتمائها إلى الاتحاد الأوروبي وبالولاء للملكة اليزابيث الثانية، لا شيء يبدو مضمونا من كل هذه النقاط وغيرها.

يعيد الاستفتاء على حق تقرير المصير في اسكتلندا إلى الأذهان التاريخ الحافل لهذا البلد مع إنكلترا الذي امتزج فيه العنف بالحب والمعارك الدامية بالزيجات الملكية قبل قيام الوحدة بينهما منذ 307 أعوام. جزء كبير من تاريخ اسكتلندا اتسم بالعداء لجارتها الأكبر. وكيفما كانت نتيجة استفتاء 18 سبتمبر المقبل سيبقى لإنكلترا تأثير على مصير اسكتلندا.

إذا كان من الصعب تحديد التاريخ الدقيق لظهور اسكتلندا فإن الرومان بنوا جدار هادريان، الذي لا يزال جزء كبير منه قائما حتى اليوم، قرابة عام 120 ميلادي لحماية أنفسهم من القبائل الكلدونية ورسم الحدود الشمالية للبلاد.

وبعد نحو 700 عام وفي مواجهة غزو الفايكنغ نجح كينيث ماك آلبين أو كينيث الأول الذي يعتبر مؤسس المملكة الاسكتلندية، في توحيد قبائل البكتيين وقبائل السلت أو السكوتش.

عندما دعي ملك انكلترا إدوارد الأول إلى التحكيم في خلافة المملكة الاسكتلندية، إذ به يطالب بسيادته على البلاد ويجتاحها عام 1296 ليفتح بذلك الباب لحروب من أجل الاستقلال استمرت حتى 1357 وانتهت بانتصار ساحق للجيش الاسكتلندي بقيادة روبرت بروس على الإنكليز في بانكبورن لتستعيد بذلك اسكتلندا استقلالها.

في عام 1502 وقع ملك اسكتلندا جيمس الرابع وملك إنكلترا هنري السابع معاهدة سلام دائم لوضع حد للمعارك المتقطعة بين البلدين. ولترسيخ هذا الميثاق قدم هنري الخامس ابنته مارغريت زوجة لجيمس الرابع.

في عام 1603 أصبح ملك اسكتلندا جيمس السادس ملكا لإنكلترا باسم جيمس الأول وذلك بعد وفاة الملكة اليزابيث الأولى، التي أعدمت والدته ماري قبل ذلك بـ16 عاما، لأنه كان أقرب أقاربها فورث عرشها. أعلن جيمس الأول نفسه ملكا لبريطانيا العظمى واستقر في لندن رغم أن البلدين بقيا مستقلين.

النقاش حول الوحدة بين بريطانيا واسكتلندا كان محتدما منذ عام 1707 كما هو اليوم

وبعد مئة عام وإثر مفاوضات طويلة وقعت عام 1707 معاهدة الوحدة التي رسخت قيام المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، والتي باتت مهددة اليوم.

ما الذي يعنيه استقلال اسكتلندا؟

في البداية لن يتجسد التصويت بنعم في تغييرات ملفتة لكنه سيكون بمثابة نقطة انطلاق لمفاوضات معقّدة لنيل الاستقلال الفعلي للإقليم الشمالي للمملكة المتحدة الذي حدد الحزب الوطني الاسكتلندي، بزعامة سالموند، موعده في 24 مارس 2016.

على الصعيد الاقتصادي، وفي الوقت الذي تسود فيه الشكوك بشأن قيمة الجنيه الاسترليني، أكّد الحزب الوطني الاسكتلندي أنه يريد مواصلة التعامل بهذه العملة. لكن لندن تنكر عليه حاليا الحق في ذلك رافضة وحدة نقدية دون وحدة سياسية.

في المقابل يهدد سالموند بإعادة التفاوض بشأن تقاسم الديون التي يرغب حزبه حاليا في توزيعها على أساس المساهمة في ميزانية الاتحاد أو على أساس حجم التعداد السكاني الاسكتلندي.


إلى ذلك، سيطرح استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، إذا تحقّق، مسألة تقاسم الثروات النفطية في بحر الشمال. وتتوقع وسائل الإعلام البريطانية التوجه نحو توزيع على أساس جغرافي باتباع خط تقاسم مياه الصيد البحري، الأمر الذي سيعطي اسكتلندا 91 بالمئة من العائدات.

أيضا ستتسبب نعم الأغلبية في فقدان بريطانيا لثلث مساحتها تقريبا، أي أكثر من 78 ألف كيلومتر مربع، من مجموع 243 ألفا و610 كيلومترات مربعة، وسينخفض عدد سكانها من 64 إلى 58 مليونا و600 ألف، وستخسر 245 مليار دولار من دخلها القومي كل عام.


ما سيكون عليه وضع الملكية؟

تعهد الحزب الوطني الاسكتلندي بأن تحتفظ اسكتلندا المستقلة بولائها للملكة اليزابيث الثانية. لكن الفريق الجمهوري يطالب بشكل متزايد بانتخاب رئيس واصفا النظام الملكي بأنه “من عصر بائد”.

في مقال له نشر في صحيفة ديلي ميل حذّر رئيس الورزاء البريطاني ديفيد كاميرون قائلا: “إذا انقسمت المملكة المتحدة فستظل منقسمة إلى الأبد. لذا فالخيار المطروح أمامكم واضح، إما قفزة في المجهول مع تصويتكم بنعم أو مستقبل أفضل لاسكتلندا مع التصويت بلا”.

وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن رئيس الحكومة قد يضطر إلى الاستقالة أمام ضغط المنتقدين لحزبه إن فشل في منع اسكتلندا من الانفصال عن الاتحاد. فيما أعلن قصر بكنغهام أن الملكة إليزابيث الثانية لن تشارك في الجدال بشأن الاستفتاء. ولفت متحدث باسم قصر بكنغهام إلى أن “الحيادية الدستورية للملكية مبدأ راسخ في ديمقراطية بريطانيا، والملكة أظهرت ذلك طوال حكمها. وبموجب هذا المبدأ فإن الملك هو فوق السياسة ومن واجب المسؤولين في الحكومة العمل من أجل أن تبقى الحال على ما هي عليه”.


لماذا تطلب إدنبرة الانفصال؟

يوضح كريس واتلي، أستاذ التاريخ في جامعة دوندي (جنوب شرق اسكلتندا)، أن النقاش حول الوحدة بين بريطانيا واسكتلندا كان محتدما منذ عام 1707 كما هو اليوم. وقال إن “اسكتلندا اليوم بلد منقسم. كذلك في هذه الحقبة كان منقسما بعمق بشأن العلاقة مع إنكلترا”. وأضاف “أعتقد أنه كانت هناك أسباب جيدة للوحدة عام 1707. لم تكن شعبية لكنها كانت في صالح اسكتلندا”.

وأوضح أنه “كان هناك قلق شديد، على الأقل لدى الطبقات الحاكمة الاسكتلندية، من أن تتخلف اسكتلندا عن ركب باقي أوروبا” في سياق نمو حركة التجارة الدولية. “لأنه لم يكن لاسكتلندا أسطول بحري قادر على مساعدة سفنها التجارية في أعالي البحار، كما أنه لم تكن لديها مستعمرات امبراطورية مثل إنكلترا”.

ورغم أن اسكتلندا لم تجن فورا ثمار الانضواء تحت الراية البريطانية إلا أنها لم تنتظر طويلا لجني هذه الثمار حيث حققت ازدهارا أكبر من المنشود بالنظر إلى حجمها.

وإضافة إلى دور الاسكتلنديين المهم في غزوات وإدارة الامبراطورية البريطانية كان أيضا لمبتكريها الفضل في اختراع الهاتف والتلفزيون والبنسلين والرادار والمحركات البخارية… وذلك على سبيل المثال لا الحصر. لكن في ذهن الرأي العام بقيت الوحدة “اتفاقا غير شرعي فرضه سياسيون محتالون على الاسكتلنديين”.

أحد أكبر المؤرخين الاسكتلنديين، توم ديفاين، يرى أنه مع نهاية الامبراطورية وتراجع البروستانتينية وانتقال السلطات بالفعل إلى إدنبره ظهرت الضرورة لوحدة انغلو-ساكسونية. وقال إن “الوحدة بين إنكلترا واسكتلندا لم تكن زواجا عن حب. لكنها كانت زواج عقل أملته مصلحة برغماتية”. وأضاف “من 1750 إلى 1980 كانت العلاقة مستقرة. اليوم اختفت، إلى حد كبير، الأسس التي بني عليها هذا الاستقرار”.