د. رشا سمير تكتب : الوجع فى أصحابه!

مقالات الرأي


لن أنسى أبدا نظرات تلك السيدة المكلومة فى وفاة ابنها الوحيد ونحن نقدم لها واجب العزاء.. ولن أنسى طالما حييت كلماتها ونحن نُلقى عليها بعبارات المواساة قبلما نرحل ونتركها لآلامها وحيدة.. قالت لى بكلمات سبقها الدمع:

(الوجع فى أصحابه يا دكتورة)!..

تذكرت تلك الجملة وأنا أشاهد أمهات شهداء جنود سيناء وهن ينوحن ويلطمن الخدود.. تذكرتها وأنا ألمح فى عيونهن نظرة عتاب وألم، وسؤالا واحدا: لماذا نحن؟..

حادث سيناء ومن قبله حادث رفح وقبلهما حادث الفرافرة.. والبقية تأتى..

هل قامت الدولة بتقديم الحماية الواجبة لهؤلاء الجنود؟.. هل تنام الحكومة مرتاحة البال إلى أنها أدت دورها فى تأمين أبنائها دون تقاعس؟..

شجب التليفزيون المصرى.. وأعلنت الفضائيات الحداد.. بكى الإعلاميون.. وتذمر رجل الشارع.. انفعل الرئيس.. وحزن قادة الجيش... لكن وأبدا.. يبقى الوجع فى أصحابه!..

كنت أتحدث بالأمس القريب مع صديق قام أخوه بتقضية فترة تجنيده بمكان اسمه فرق المراقبة بالنظر.. وبحسب روايته، فتلك الفرقة مكانها هو المناطق الوعرة مثل جبل عتاقة وجبل علبة، هؤلاء المجندون يقضون أسابيعهم فى غرفة صغيرة من الصفيح وسط الصحراء الشاسعة، معهم تعيين قتالى، عبارة عن جوال من العدس والفول والقمح، وصاجة لعمل العيش، وأمامهم صينية مُدرجة إلى 360 درجة وعليها مسطرة حُرة الحركة، يقوم الجندى بتحريك المحرك فى اتجاه أى طائرة منخفضة الارتفاع يستطلعها، أى كل طائرة تحت قدرة الرادار بأن يلتقطها، ثم يُبلغ رؤساءه.. نعم.. مازالت تلك هى بعض الطُرق البدائية التى تتبع فى الاستطلاع أحيانا..

وهؤلاء الجنود على الرغم من عدم وجودهم الحقيقى على خارطة البشر، وعلى الرغم من كل الوجع والفقر والتهميش الذى يشعرون به فى وطنهم.. إلا أنهم هم بكل أسف الفئة المستهدفة من الإرهاب.. ليس لأهميتهم العسكرية، بل فقط للانتقام من الجيش، وتوجيه لطمة له تساوى اللطمة التى وجهت للإخوان.. أما فئة ولاد الناس، الذين يتم تجنيدهم، فدائما وأبدا تسبقهم الواسطة بخطوة.. فابن فلان بك أو علان باشا يكون هناك دائما من يتمنى خدمته بمكالمة تليفون تضعه فى مكان مُريح مُكيف، وبتليفون آخر يقضى معظم فترة تجنيده فى البيت أحيانا!..

هذا لا أعده تقصيرا فى مؤسسة الجيش ولكنى أحسبها حالة عامة فى وطن تعود الواسطة واستمرأ المحسوبية وأصبح نفوذ البشر فيه عبادة وليس عادة..

إذن فبعض ممن فقدوا أبناءهم وكان الابن هو العائل الوحيد للعائلة، كانوا يتمنون لو فقدوا الفقر عندما كان الفقر هو الواقع الوحيد فى حياتهم!..

رأيت الرئيس السيسى لأول مرة والشرر يتطاير من عينيه.. رأيت قادة الجيش والدماء تغلى فى عروقهم.. وعلى الرغم من أننى أتفهم حساسية الموقف ودقته.. لكن لا أستطيع أن أمنع نفسى من الشعور ببعض التقصير وبعض الحنق..

فعودة إلى الماضى غير البعيد، أتذكر حادث رفح الذى قُتل فيه الجنود المصريون وقت الإفطار فى رمضان.. هذا الحادث الذى كان ضمن ملابساته أن قامت إسرائيل بدعوة رعاياها بمغادرة سيناء فورا قبل وقوع الحادث بيوم واحد.. بل قام الموساد بإبلاغ المخابرات المصرية بأسماء منفذى الحادث ومعلومات عنهم قبل الحادث.. لقد رصدهم الطيران الإسرائيلى حتى الحدود، بل تم التحقيق مع المسئولين من الجيش الإسرائيلى لسماحهم لهؤلاء الإرهابيين بالوصول للحدود!.. فلو كانت تلك المعلومات تثبت تورط دولة إسرائيل جزئيا فهى دون شك تثبت تقاعسنا كُليا!.

لقد تم تفجير مديرية أمن شمال سيناء عن طريق سيارة مفخخة وقفت أمام السور، فقامت الدنيا ولم تقعد.. وتوالت الأسئلة وانهال العتاب.. كيف وصلت السيارة إلى السور دون إخبارية؟ وكيف تركوها تركن أمام السور؟ وأين كاميرات المراقبة؟..

ثم هدأت الدنيا، وكما تعودنا أن نثور ونجعجع، تعلمنا أن نهدأ وننسى.. وننخرط فى الحياة.. حتى حدث تفجير مديرية أمن الدقهلية، ثم تلاه مديرية أمن القاهرة، بنفس الأسلوب والطريقة والسيناريو الواحد!.. وكلاكيت تالت مرة!..

أقدر تماما ما يتحمله جهاز الشرطة والجيش المصرى من أعباء ومسئولية.. أعلم أن الخطأ وارد وأن التقصير من البعض قد يحدث.. وأقدر أن الوطن فى حالة حرب وأن الحرب مستمرة وعلينا أن نجابهها معا.. ولكن.. هناك أخطاء لابد وأن تُحسم..

خطاب مرسى لعشيرته الذى أعلم تماما أنه مجرد فقاعة هواء، وأن مرسى لم يمتلك حق الخطاب وهو بالخارج وبالتالى فهو لا يمتلك (دكة بنطلونه) وهو فى الداخل! خطاب هزلى كتبه أحد أبنائه أو أتباعه المُغيبين لإثارة بلبلة ولدفع المخربين للمزيد من التخريب.. يجب إذن على إعلامنا أن يتجاهل مثل هذا الهُراء، ويجب على المواقع الإخبارية أن تكف عن نشره وتوزيعه وحتى الإشارة إليه (فعلاج الندل اجتنابه!)..

سخرية علاء عبد الفتاح البائسة من الحادث بالقول إن شركة فالكون يجب أن تُستدعى لتأمين الجنود! هو تصريح ينم عن استهتار وشماتة لا تليق بشاب يصف نفسه بأنه ناشط سياسى.. لأن الشعور بأوجاع البشر خصلة من خصال أصحاب الضمائر فقط.. أما الشماتة فهى خسة لا تستحق حتى العتاب..

أما تلويح عُمر محمد مرسى بجملة أن العمليات ستتوقف فى سيناء فور عودة أبيه، فهى جُملة متوقعة من شاب وضيع بلا أصل، كان النوم على فراش الرئاسة له حُلما، وركوب سيارة الرئيس أمنية لم يودى بها سوى الإطاحة بأبيه من على كرسى الحُكم.. والرد عليه لا تكون سوى بكلمة واحدة ( بابا حيرجع يا حبيبى لما تشوف حلمة ودنك!)..

لماذا لا يتم تطبيق قانون المُحاكمات العسكرية فورا على محاكمات محمد مرسى ومرشده ومدرب فريقه خيرت الشاطر؟!..

التعلم من أخطاء الأمس والضربات الاستباقية يجب أن يُصبحا عنوان المرحلة..

فالوجع بين ضلوع أهل هؤلاء الشهداء لن ينطفئ ولن يبرد بدعواتنا ولا تبرعاتنا ولا حتى مواساتنا.. الوجع لن يخمد إلا بالقصاص.. قد نتألم معهم.. وقد نشاطرهم الأحزان.. وقد نشاركهم مُصابهم الأليم... ولكن..

يبقى الوجع دائما بين ضلوع أصحابه.. هم وحدهم دون الغير..