بوابة الفجر

"المشربية" النافذة التي أطل منها الشرق علي العالم

بوابة الفجر


الميل إلي ستر من هو بالداخل عن أعين من هم الخارج من أبرز ما ميز العمارة الشرقية للمنازل بشكل عام٬ فنجد أن شعوب المشرق لديها ميل عريزي لستر محارمها بشكل عام حتي من قبل نزول الأديان.

اهتم المعماري المسلم بهذه المسألة وأصبحت تصميمات النوافذ والمداخل في المنازل علامة من العلامات المميزة للطراز المعماري الاسلامي .

وكان من أكثر إهتمامات المعماري المسلم هو تغطية النوافذ بشكل يسمح بحرية المشاهدة لمن هو بالداخل٬ ويمنع من بالخارج عن رؤيته٬ فكان ابتكار المشربية بأشكالها وتصميماتها علامة في تاريخ العمارة بشكل عام 

التسمية
المشربية ذلك الجزء البارز عن حوائط جدران المباني التي تطل على الشارع أو على الفناء الأوسط للمنازل الإسلامية٬ ومشربية كلمة محرفة من مشربة، بمعنى الغرفة العالية أو المكان الذي يُشرب منه، حيث كان يوضع بها أواني للشرب مصنوعة من الفخار لتبريد المياه ، وقيل إن المشربية تحريف ظاهر لكلمة "مشرفية" أي التي تُشرف منها النساء على الطريق، أو لكونها طاقة خارجة تشرف على الطريق، وهناك من يرى أنها سميت بالمشربية لصناعتها من خشب يُعرف بالمشرب، ثم اتسع مدلول هذا المسمى ليشمل كل الأجنحة الخشبية المنفّذة بطريقة "الخرط" والتي نطلق عليها حالياً "الارابيسك" والتي كانت تُغطي بها النوافذ، كما عرفت المشربية أيضا في باقي الدول الإسلامية باسم الروشان أو الروشن وهي تعريب للكلمة الفارسية (روزن) والتي تعني الكوة أو النافذة أو الشرفة.

وظيفتها المعمارية
تبرز المشربية عن حائط المنزل لتطل علي الشارع أو علي فناؤه٬ ويستند هذا الجزء البارز إلى "كوابيل" أكتاف من الحجر أو "مدادات" من الخشب تربط الجزء البارز بالمبنى، بينما تغطى جوانب هذا الجزء البارز حشوات من الخشب الخرط المكون من "برامق" مخروطية الشكل، دقيقة الصنع تُجمع بطريقة فنية بحيث ينتج عن تجميعها أشكال زخرفية هندسية ونباتية أو كتابات عربية. 

الوصف
 المشربية المستطيلة الشكل ترجع إلى العصر المملوكي نفذت بأسلوب الخرط، وهي مقسمة إلى جزأين: جزء علوي به تكوين زخرفي عبارة عن غزالتين تقابل إحداهما الأخرى٬ أما الجزء السفلي من المشربية فهو مقسم رأسيا إلى ثلاثة أقسام: القسمان الجانبيان متساويان في المساحة ومتشابهان في الزخارف، أما القسم الأوسط فهو أكبر الأقسام، ويتوسطه تكوين زخرفي هندسي الشكل يتدلى منه ما يشبه المشكاة التي تُستخدم في إضاءة المساجد، والزخارف هنا أيضاً مميزة بألوان تختلف عن لون المشربية ويحيط بهذا التكوين إطار خشبي، وتظهر القطعة مدى براعة الفنان الذي نجح في الجمع بين الزخرفة بأسلوب الخرط والتعشيق وأسلوب التلوين، كما نجح في الدمج بين الزخارف الحيوانية والهندسية في قطعة واحدة.

 في التاريخ
بدأ ظهورها في القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي) إبان العصر العباسي، واستمر استخدامها حتى أوائل القرن العشرين الميلادي، واستُخدمت في بعض المباني العامة مثل دور الإمارة والخانات والمستشفيات وغيرها.
انتشرت انتشارًا واسعًا في أراضي العراق والشام ومصر واستخدمت في القصور والمباني على نطاق واسع، حتى وصلت إلى أبهى صورها في العصر العثماني.

تعود المشربيات إلى ماقبل القرن السادس الهجري ( 11م )، واشتهرت في مصر لبراعتها وتفردها في النجارة الإسلامية والمشغولات الخشبية، لا سيما الأعمال التي استخدم خشب الخرط الدقيق الصنع، وأضاف النجار المصري عليها الطابع الإسلامي، حتى وصل قمة روعته خلال العصر العثماني .

ومن أجمل النماذج للمشربيات تلك التي نجدها في منزل "زينب خاتون" و"قصر المسافر خانة" و"الهراوي" وبعض المنازل القديمة بالقاهرة ورشيد وفوه، وكذلك في متحف الفن الإسلامي .

ظهرت المشربيات أيضا في كل من العمارة الحجازية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة وينبع، وظهرت في اليمن لكن مصنوعة من الحجر وظهرت في فلسطين خاصة القدس وفي بعض دول الخليج مثل البحرين، وظهرت بشكل أقل إتقانا وبساطة في المغرب ولبنان والسودان .

الأنواع
 هناك أنواع متعددة من المشربيات بعضها مغلق والبعض الآخر مفتوح، حيث إن المفتوحة كانت بمثابة شرفة تطل على الشارع أو الفناء، وكانت النقوش الخشبية تترك مفتوحة بحيث تسمح بدخول الهواء والضوء، أما المغلقة فكانت زخارفها تبطن بالزجاج وتجعل فيها نوافذ تفتح عموديًا.

الأهمية
 أهم ما يميز العمارة الإسلامية هو مبدأ الحفاظ على الخصوصية، والمشربية أحد أهم العناصر المعمارية التي تقوم على هذا المبدأ، بحيث يستطيع من بالداخل مراقبة الشارع بدون أن يراه المارة أو من في المشربية المقابلة، ومن ناحية أخرى وجود الزخارف والنقوش في الخشب يجعل الرؤية من خلاله أمرًا صعبًا لمن يقف على مسافة بعيدة، أضف إلى ذلك أن الزجاج الملون نفسه كان يزيد من تشويش الرؤية لمن في الشارع، هذه الميزات أتاحت للنساء أن يرين الشارع من نوافذهن دون أن يراهن أحد، ومن ناحية أخرى توفر المشربية الظل داخل المنزل بدون إغلاق كامل للنافذة، فتحافظ على حركة الهواء مما يساعد على تخفيف درجة الحرارة في الصيف.

وابتكار المشربيات ساهم في حل مشكلات عديدة من مشاكل العمارة وهي مشاكل التهوية والإضاءة والرطوبة، فالمشربية عالجت مشكلة المناخ الحار في البلاد العربية، فقد عملت على تلطيف حدة الضوء وإنزلاق الهواء على سطحها مما يجعلها تعطي تهوية رائعة للمكان الذي تحتويه، فهي تقلل نسبة الأشعة المارة من خلالها وتكسرها وتعمل على التحكم في مرور الضوء، وذلك باختلاف فراغات المشربية في الأجزاء السفلية والأجزاء العليا، حيث نجدها ضيقةً في الأجزاء السفلية من المشربية ومتسعةً في الأجزاء العلوية، كما أن بروز المشربية عن مستوى الحائط يُتيح لها التعرض لتيارات الهواء الموازية لواجهة المنزل، كما تم التحكم في درجة الرطوبة الداخلة للمنزل، وذلك يرجع لطبيعة المادة المصنعة منها وهي الخشب، فكما هو معروف أن الخشب مادة مسامية طبيعية مكونة من ألياف عضوية تمتص الماء وتحتفظ به مع مراعاة عدم طلائها بمادة قد تسد هذه المسام، وقد تزود المشربيات بضلف مصمتة من الخشب أو الزجاج لاتقاء برد الشتاء، فاستطاع سكان الأمس التحكم في شدة الضوء والهواء والرطوبة من خلال المشربيات قبل ظهور الكثير من الاختراعات .

 وفن المشربيات فن اقتصادي للغاية، فطريقة الخرط نفسها تقوم على توظيف القطع الصغيرة من الخشب.
وقد برع فيها الفنان المصري بشكل خاص في توظيف القطع الصغيرة من الاخشاب٬ حيث ان مصر كانت تعاني فقراً في خام الخشب مما أجبر الفنان علي التعامل مع القطع الصغيرة بمهارة وحرص ودقة٬ لذا نجد ان المشربية تزخر بالكثير من الزخارف النباتية، والهندسية، وأيضًا رسومات لبعض الطيور والحيوانات، أو كتابات مثل "الله"، و"بسم الله الرحمن الرحيم".  
 
في العمارة العالمية
 هي من فنون العمارة الإسلامية التي نقف أمامها حائرين مستمتعين بكل تفصيلة من تفاصيلاتها، لفتت المشربيات انتباه المستشرقين والكثير من الرحـــالة الذين وفدوا على البلاد الإسلامية وخاصة مصر، فقد ظهرت لوحــات عديدة مرســــومة للمشربيات في كتاب وصف مصر٬ ورسمها الكثير من الفنانين في لوحـــاتهم، كما ذكرهـــا إدوارد وليم لين في كتابه فقال (  أما الغرف العلـــوية فنوافذهـــا تبرز بمقدار قدم ونصف وأكثر، وأغلبها مصنوع من الخشب المخروط المشبك ).
المشربية أو الشنشول (ج شناشيل) أو الروشان هو عنصر معماري يتمثل في بروز الغرف في الطابق الأول أو ما فوقه، يمتد فوق الشارع أو داخل فناء المبنى(في البيوت ذات الأفنية  الوسطيّة)، تبنى المشربية من الخشب المنقوش والمزخرف والمبطن بالزجاج الملون، تعتبر المشربية إحدى عناصر العمارة التقليدية الصحراوية في البلاد العربية الحارة.

صناعة المشربية في مصر 
إن الوصف الدقيق للمشربية هو أنّها نافذة (فراغ أو فتحة) في الجدار مغطاة بإطار مكون من تراكب مجموعة من القطع الخشبية الصغيرة اسطوانية الشكل (دائرية المقطع) على شكل سلاسل تفصل بينها مسافات محددة ومنتظمة بشكل هندسي زخرفي دقيق وبالغ التعقيد، من الوصف السابق لنا أن نستنتج الدور الكبير للحرفيين في صناعة المشربيات، إذ أن مهمة الحرفيين لم تقتصر على تكوين مشربيات جميلة ومتقنة الصنع بل استطاعو ان يتحكموا بالطبيعة الوظيفية للمشربية عن طريق تنويع سمات الإطار الخشبي الخارجي، وبما أن المناطق التي انتشرت فيها المشربيات ذات طبيعة صحراوية، ولما كان الخشب قليل التواجد في هذه المناطق، أبدع الحرفيون في استخدام خشب ذو أحجام صغيرة وتركيبها مع بعضها البعض، وذلك بدل أن يتم نحت المشربية من قطعة خشبية واحدة كبيرة، استخدم الحرفيون المخارط لتحويل كل قطعة من الخشب إلى الحجم والشكل المطلوبين، مبتدئين بسلسلة من القطع الخشبية التي يتراوح طولها من 100 ملم إلى 1 متر وفقا لمقياس وتفاصيل المشربية كاملة، تتشكل القطع الخشبية (القضبان) لتكون سلسة من الأشكال الاسطوانية التي يتم الفصل بينها بشكل متكرر بقطع أكبر منها، اسطوانية أو مكعبة الشكل والتي تشكل نقاط الترابط بين القضبان الافقية، ويتم حفر تجويف داخل هذه النقاط ليتم تركيب القضبان من خلالها بدون استخدام لاصق أو مسامير، تحتاج هذه العملية لدقة عالية من الحرفيّ خلال الإنشاء. بعد إتمام صنع شبكة من القضبان حسب المقاييس المطلوبة يتم تأطيرها لتجنب تفككها، حيث يعمل هذا الإطار على توزيع الأحمال (الرياح، الوزن) على الشبكة مما يدعم ثباتها. يتم التحكم بالظروف الداخلية للفراغ المعماري من خلال التحكم بمسامية الشبكة وذلك من خلال تغيير أطوال وأقطار القضبان. ولكل مبنى خصوصيته في التعامل مع هذه النسب لكي تؤدي الوظيفة المطلوبة على أمثل وجه.

صيفاً
بما أن المشربية سمحت بالفتحات الكبيرة في الجدران، فقد أصبح من الممكن لتيار ثابت من الهواء أن يمر عبر فتحاتها الصغيرة إلى داخل الغرف، مما يساعد مستخدمي المكان على فقد الحرارة من أجسامهم عن طريق التعرق، وقد اعتاد السكان المحليون على وضع آواني الشرب الفخارية في المشربيات، مما سمح للهواء الداخل إلى المبنى أن يفقد من حرارته عن طريق تبخير أجزاء من مياه الشرب في الآنية، وبالتالي يدخل الهواء البارد "نسبيا" إلى الغرف.

شتاءً
يسمح تصميم القضبان وفتحات المشربية لأشعّة الشمس في الشتاء بالدخول إلى الفراغ المعماري الداخلي، حيث يتم تصميم هذه الفتحات والأخذ بعين الاعتبار زوايا سقوط الشمس شتاءً، (حيث أنها تكون أقرب إلى الأرض)، وبالتالي يزيد ذلك من درجة حرارة الداخل ويشعر السكان بالدفئ، إن نقطة تحول المشربية من أداة لتلطيف الجو الحار إلى أداه للحفاظ على درجات الحرارة شتاءً هي نقطة حرجة.