بوابة الفجر

"الفجر" تكشف "بيزنس العلم".. مافيا لبيع رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات.. والفاتورة 60 ألف جنيه

مكتبات بين السرايات
مكتبات بين السرايات


تجار العلم.. تلك التجارة التي اتخذها بعض أصحاب المكتبات والأساتذة الجامعيين لاستغلال راغبي حمل الرسائل العلمية كـ"الماجستير والدكتوراه"، حيث وصل سعر رسالة الماجستير إلى 35 ألف جنيه، أما الدكتوراه فيصل سعرها إلى 60 ألف جنيهًا، وهو ما كشفته "الفجر" في جولة لمحرريها بمحيط جامعة القاهرة للكشف عن البيزنس العلمي الأعلى سعرًا  في ظل غياب الرقابة.

-هنا إعداد رسائل علمية!!
البداية كانت في منطقة بين السرايات المقابلة لـ"جامعة القاهرة"، التي تنتشر بها المكتبات الدراسية لتصوير المستندات وبيع الكتب والمذكرات، ولفت انتباهنا وجود بعض اللافتات المكتوب عليها "إعداد رسائل علمية"، والتقينا مسؤول بأحد هذه المكتبات المعروفة بتخصصها لكلية الإعلام واستدرجه محررا "الفجر" بعد أن طالباه بمساعدتهما في الوصول إلى مكتبة تمكنهما من كتابة رسالة للماجستير.

-لو عايز تبقى دكتور تعالى واحنا نسهلهالك!!
وكشف مسؤول المكتبة عن إمكانية توفير "دكتور" لكتابة رسالة لنا، قائلاً: "لو الموضوع صعب عليك ونفسك تبقى دكتور سهل إني أجبلك رسالة، تعالى بس بفلوسك ومش هنختلف".

-توفير التعب بـ"شوية فلوس"
كما يروج أي تاجر لسلعته بدأ مسؤول المكتبة الترويج لرسالته "المضروبة"، قائلًا: "إحنا بيجيلنا ناس كتير بتشتري مننا رسايل دكتوراه وماجستير، وأبحاث، الموضوع مضمون متخافوش، وأهو هتوفروا تعب وسهر بشوية فلوس، الناس اللي بيكتبوها متمرسين في الموضوع وده شغلهم فمش هيكون متعب، إنما في زمنا ده اللي بيكتب رسالة ماجستير أو دكتوراه بيتعب كتير على بال ما يوصل".

-مختصون لكتابة الرسائل منذ 25 عامًا
وعن المدة التي تكتب خلالها الرسالة، فأوضح أنه يتم الإنتهاء منها خلال 4 أشهر، أما عن الضمانات بأنها غير مسروقة فأكد أنه يقوم بكتابتها دكاترة جامعيين ومتخصصين تتراوح أعمالهم بين 40 إلى 50 عامًا، مشيرًا إلى أنهم يعملون في مهنة كتابة الرسائل منذ 25 عامًا، متابعًا: "في ناس كتير كتبوها وبقوا دكاترة كمان والموضوع معروف وممكن تسألوا عنه".

-تخصص للكليات الأدبية فقط.. واللغات الأعلى سعرًا
وأشار مسؤول المكتبة إلى أن معدي الأبحاث يقوموت بكتابة الرسائل للكليات الأدبية، وليست العملية، قائلاً: "الدكاترة بتوعنا مش بيكتبوا رسائل لكليات عملية لأن الموضوع بيكون صعب، وبالنسبة للرسائل اللي فيها لغات سعرها بيكون أعلى".

-35 ألف جنيه سعر رسالة المجاستير.. و60 لـ"الدكتوراه"
وعن أسعار كتابة الرسائل، قال موضحًا: "كتابة الرسالة من 25 لـ35 ألف جنيه قابلة للزيادة، بيتدفع نصف المبلغ قبل الكتابة والنصف الثاني بعد تسلمها وتعليم الطالب كيفية مناقشتها، وعن قائمة أسعارنا، التمهيدي من 15 لـ20، والماجستير من 25 لـ35، والدكتوراه من 40 لـ60 ألف جنيه".

-خطوات صفقة بيع الرسالة
وبحسب المسؤول فأوضح خطوات البحص كالتالي، حيث يطرح 4 أفكار على من سيناقش الرسالة، وبعد اختيار أحدهم يقوم كاتبها بكتابة الجزء النظري، لافتًا إلى أن ذلك يستغرق شهرين، ثم يقوم بتحضير الجزء العملي في الشهرين التاليين، ثم يقوم الطالب خلال الشهر الأخير بالجلوس مع كاتب البحث لتعليمه كيفية مناقشة الرسالة مع الدكتور، وبذلك تنتهي صفقة شراء رسالة الدكتوراه أو الماجيستير".

-سوق الرسائل العلمية داخل أسوار الجامعة
وبخلاف مكتبات بين السرايات التقى محرري الفجر مع عدد من الطلاب الذين كشفوا لنا أن هناك مجموعة من الطلبة يطلق عليهم "مجتهدين"، حيث يقوموا بمساعدة الآخرين على كتابة رسائلهم العلمية بمقابل مادي.

وتم التواصل مع إحدى هؤلاء الطلاب وتدعى "م.ع"، والتي قالت: "لظروفي المادية بساعد اللي مش قادرين يكتبوا أبحاثهم، أو رسالة الماجستير بتاعتهم، مقابل الفلوس، فبكتبلهم وبفهمهم ولكن بمقابل، كأنه شغل ليا، ولو عايزني أساعدكم ممكن نشوف فكرتكم ايه ونبتدي نكتب الرسالة وبالنسبة للفلوس مش هنختلف، بس مبدئياً الأبحاث بـ10 آلاف جنيه، ورسالة الماجستير بـ15 ألف جنيه".

-عقوبة غير موجودة بالقانون
وعلق محمود كبيش، عميد حقوق القاهرة الأسبق، بأن بيع الرسائل العلمية لا يعاقب عليه القانون، حيث أنه لا يندرج تحت القضايا الجنائية، ولكنه جريمة أدبية يعاقب عليها الطلاب الذين يقوموا بشراء تلك الرسائل من خلال حرمانهم من دخول الجامعة أو من اللقب الذي قاموا بالتزوير من أجله، برفض رسالتهم وأبحاثهم المزورة بشرط إثبات التزوير.

-الأزهر.. تجارة من أجل الأموال
وقال دكتور عبدالله سرحان، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، إن تلك الظاهرة باتت تجارة لأنها يتم بيع الرسائل بمقابل مادي للباحثين.

وأضاف عميد كلية  الدراسات العليا، لـ"الفجر"، أن جامعة الأزهر يقظة لتلك الأمور جيدًا، لافتًا إلى أن الجامعة تجعل الطالب الراغب في الحصول على درجة الماجستير يمر على جميع الكليات المرتبطة بموضوع بحثه في جميع الجامعات المصرية ليأتي بخطاب يثبت فيه عدم وجود عنوان مماثل لموضوع البحث أي أن البحث غير قابل للنقل من بحث سابق مماثل، وتعتبر تلك الخطوة إلزامية وليست اختياريه. 

ولفت إلى أن سرقة الرسائل العلمية من الباحثين تكون على أكثر من طريقة منها من يأخذ الأبحاث القديمة في الخمسينيات التي لم تنشر ويقوم بتغيير العنوان ظنا منه أنه أبعد عنه الشك لكن سرعان ما يكتشف الأمر، وهناك طريقة أخرى وهي تغيير اسم مؤلف و أخذها كما هي لكن يتم اكتشاف ذلك بسبب أن المادة العلمية تكون أكبر من سن الباحث من حيث المحتوى واللغة كما يتم تحويل الباحث للنائب العام لأنه مألف له رقم ايداع وذلك سرقة لحقوق ملكية وقلما ما تحدث هذه الطريقة .

أما عن الأخطر فهي التي تحتاج لمتابعة من قبل الباحث بأخذ صفحات من مؤلف أو من رسالة و أخذ  فصل آخر من مألف آخر اي يكشف عن تنوع الوجهات وزوايا الموضوع واختلاف الأسلوب كما يكشف الأمر .

- طريقة الكشف عن الرسائل "المضروبة"
وأوضح الدكتور شريف اللبان، أستاذ كلية الإعلام بجامعة القاهرة،  أن الطريقة الوحيدة التي يمكن التفريق بها بين الرسالة التي كتبها الطالب بنفسه والمضروبة، هي خبرة الدكتور الذي يناقش معه الرسالة، قائلاً: "هناك الكثير من الدكاترة الجامعيين لا يقومون بمناقشة الطالب في رسالته لذلك يستغل تجار العلم والطلبة الفاشلين ويقومون بتزوير الرسائل والأبحاث العلمية".

وطالب اللبان، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، قيام الأساتذة الجامعيين بالإشراف والرقابة على الرسائل العلمية بشكل أكثر جدية، ومناقشة الطالب في كل المراجع التي استعان بها حتى يتم التأكد أنه كتبها بنفسه، كما طالب أيضاً رئيس الجامعة بفصل أي طالب أثبت عدم كتابته لرسالته العلمية، وتشديد شرطة المصنفات الرقابة على المكتبات، موضحاً أن عقوبة المكتبات التي تقوم بأفعال منافية للأخلاق الغلق الأبدي.


وأضافت الدكتورة هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام جامعة القاهرة، أنه يتم معرفة مدى إلمام الباحث للرسالة العلمية من خلال القراءة وإدراك حجم الاقتباسات من من بحوث أخرى  و المناقشة التي يتم سؤاله فيها عن أسباب استخدام المنهج المتبع، ومن هنا يتبين للدكتور المشرف حقيقة البحث إن كان منقول أم عن عمل متوالي.

و كشفت أستاذة الإعلام، لـ"الفجر"، عن بعض الأخطاء التي لم ينتبه إليها الباحثين مثل كتابة بعض الدراسات دون الإشارة لمراجعها، مشيرة إلى أن راغبي الدكتوراه والماجستير كُثر للغاية عن الفترات السابقة لسببين لأن  درجة الماجستير متاحة لكل من حصل على تقدير جيد بجانب أزمة البطالة التي وجهت البعض للدراسات العليا ولذلك بات المستوى العلمي للباحث حاليا ضعيف .

-الجامعة الأمريكية.. الفصل مصير الأبحاث العلمية المسروقة 
بينما قالت دكتورة نهى بكر، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، إن كثرة لجوء الطلاب للمراكز لكتابة الرسائل العلمية نتيجة عدم وضوح حجم الجُرم للطالب بخلاف عدم قدرة كافة الأساتذة استخدام الانترنت .

وتابعت  أستاذة العلاقات الدولية، أنها اكتشفت لجوء اثنان من الطلاب للمراكز من خلال أبحاثهم، حيث قام المركز بكتابة نفس البحث العلمي للطالبان ليكشف أمرهما.

وتشير بكر إلى أنه تم فصل طالبة أمريكية منذ أكثر من 20 عاما بالجامعة الأمريكية لاكتشاف سرقة بحث علمي لحصولها على درجة الماجستير ، كما تم فصل طالب من قبل دكتور بالجامعة ذاتها لنقل صفحتين دون الإشارة كما قام بقطع تلك الصفحتين من مراجعها حتى لا يكتشف أحد أمره.