المخرج الفرنسي ماتيو باريير لـ"الفجر الفني": لو شاهد ماكرون "عصر الشباب" لاعتبره ديستوبيا بعيدة عن الواقع (حوار)
*أحب أن تكون أفلامي مثل أغاني الراب
*السينما الوثائقية لا تحصل على تمويل كافِ بشكل عام
*الفيلم سيصدر في العام المقبل محققًا أرخص ميزانية في العام
*السينما المعاصرة بعيدة عن الشعب ومتعجرفة مثل زعمائنا
*مصر أكثر بلد شعرت فيها بأن الجمهور يفهم الفيلم
*أنسجم في العمل مع النساء بشكل أفضل وأحلم بالعمل مع منتجة تشاركني شغفي في صناعة السينما
*أتمنى أن يشاهد فيلمي كندريك لامار وجان لوك غودار
الشباب سن محير وخطير، طاقات كبيرة، طموح بلا سقف، توقعات لانهائية، ونتائج مخيبة للآمال في أغلب الأحيان.
عازفة دي جي، مشردة، متظاهرون، طلاب جامعيون، عاطلون عن العمل، باحثون عن الهوية، ساعون وراء شغفهم، وغيرهم الكثيرون من النماذج الشبابية المختلفة التي جمعها المخرج الفرنسي ماتيو بيير في فيلمه الوثائقي الأول "عصر الشباب"، جمعتهم الأحلام في عاصمة الأنوار باريس، وفرقهم الواقع السوداوي.
في تجاربه السينمائية، يحاول المخرج الشاب ماتيو بيير أن يصغى للشباب، يستمع إلى آرائهم، ينقل أحلامهم، يحاورهم، ويشاركهم ليالهم الهادئة منها والصاخبة على السواء.
"الفجر الفني" حاور المخرج الفرنسي للحديث عن كواليس فيلمه، وعن عرضه في بارنوراما الفيلم الأوروبي الشهر الماضي، ولقاءه بالجمهور المصري لأول مرة.
والشكر موصول للمعهد الفرنسي و"مارينا دوبليك"، و"شكيب أرارو" على مساعدتهم في تسهيل إجراء الحوار وترجمته، وإلى نص الحوار.
- في البداية، أود أن تُعرف الجمهور المصري على ماتيو باريير، وماذا درست؟
درست الفلسفة لمدة ٦ سنوات. منذ صغري وأنا أعشق السينما، لكنني أخذت فترة حتى تخيلت نفسي في دور مخرج سينمائي. كنت أصقل فضولي للسينما وحدي، ولم أكن أعرف أحدًا في المجال. في عمر ال ٢٥، وبعد سنة مرهقة من البحث عن قواسم مشتركة بين العلوم والفنون في علم المنطق، قررت أن أترك الفلسفة وأعود إلى اهتمامات طفولتي. اشتريت كاميرا عشوائيًا وبدأت تصوير أول فيلم لي وحيدًا. كنت أحلم أن أخرج فيلمي الأول قبل أن أصل إلى سن الثلاثين. أبلغ من العمر ٣٢ عامًا الآن، ولا أصدق هذا حين أرى نفسي في المرآة كل صباح. وأتذكر بعد هجمات باريس الإرهابية بأيام قليلة، في يوم ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥، قال لي شاب قابلته في ميدان الجمهورية واسمه المهدي: "الزمن زائف وغير واقعي".
- أخرجت أول فيلم تسجيلي قصير بعنوان "نوكتورس" عام ٢٠١٥، حدثنا عن قصة الفيلم؟
هل تعرفين لوحة "الصرخة" للنرويجي إدفارد مونك؟ عندما أتذكر هذا الفيلم، الصورة التي أتلقها هي صورة الصرخة. إنه فيلم وثائقي تبلغ مدته 48 دقيقة، صورته في مضمار سباق فانسن، بالقرب من باريس. تتبعت فيه مجموعة شباب مهتمين بالمراهنة على سباقات الخيول، وكانت هذه العاطفة الجامحة تجعلهم يجلسون وحدهم في هذا المضمار الشاسع المهمل، حيث أن معظم الناس أصبحت تراهن على الإنترنت. أظن أن الفيلم يتناول انعزال جيلي في عالم لا يهمه سعادته. كتب الشاعر الفرنسي لوي أراغون بيتًا كنت أتذكره أحيانًا خلال التصوير: "نحن نتجول عبر منازل قد أُفرغت".
-متى بدأت العمل على تجربتك الثانية فيلم "عصر الشباب"؟ وهل كانت الرؤية النهائية للعمل متوافرة منذ بدايته أم تغيرت في مراحل تصويره وإعداده؟
وجدت عنوان الفيلم خلال أسبوع هجمات شارلي إبدو في يناير ٢٠١٥. في عملي، العنوان يمثل أول مرحلة الإبداع، لأن النهاية دائمًا توجد في البدايات. شاهدت الفيلم أكثر من مرة منذ نهاية مرحلة ما بعد الانتاج. أحب أن تكون أفلامي مثل أغاني الراب التي أسمعها أكثر من ألف مرة، أحب أن أكون قادرًا على مشاهدتهم مرارًا وتكرارًا دون ملل. وهو ما حاولت تقديمه في "عصر الشباب". لم أرغب أن تكون فيه أي إضافة أو حذف، وأن اعتبره ذكرى لأجمل أيام في حياتي. لما كنت في سن ال17، قرأت سيرة إنجمار بيرجمان الذاتية "المصباح السحري"، كان يشرح فيها أنه كان يخرج كل واحد من أفلامه كأنه فيلمه الأخير. ولأكون صريحيًا فأنا أخرجت "عصر الشباب" بهذه الروح، كأن كل صورة كنت أصورها كانت الأخيرة.
-كم من الوقت استغرقت مراحل تحضير الفيلم حتى خرج للنور؟ وكم بلغت ميزانيته؟
احتجت أولًا لعدة أسابيع مع المصور السينمائي أمين برادة لنختار الكاميرا المناسبة سويًا. كنت محظوظا بمقابلة مهندس صوت اسمه تيبوه دوفيه، وهو من رافقني في ليالي باريس خلال هاتين السنتين. في رأيي، أكبر التحديات في تصوير الأفلام الوثائقية هو أن تتعلم ألا تخطط لشيء وألا تُصدر أحكامًا مسبقة على التصوير، وأن تكون مستجيبًا لما يحصل في اللحظة.
لقد وجدت مؤخرًا ملاحظات كثيرة قد كتبتها استعدادًا لبعض الدورات في التصوير. بعد فوات الأوان، اعتبر هذا العمل مضيعة للوقت أو آثار تركها الخوف خلفه. أمارس رؤيتي الفنية بالتصوير الفوتوغرافي: أصور الشوارع أو أحبائي مثلا. أتعلم من هذا التدريب أن أكون موجودا في اللحظة المناسبة ومنتبها للآخرين وما يعطوه لنا، وأن أسأل نفسي عن أحسن طريقة للنظر إليهم. خلال التصوير، كنت أكتب جملة للفيلسوف النمساوي لودفيغ فتغنشتاين مرارًا وتكرارًا في مذكراتي: "إن الأشياء هنا، أمام أعيننا مباشرةً، ولا يخفيها أي غطاء".
بالنسبة إلى الميزانية، لم أفهمها حقًا أبدًا، بين الميزانيات المثالية والحقيقية والأساسية والنهائية والسرية والمكشوفة أظن أن "عصر الشباب" سيكون أرخص فيلم فرنسي سيصدر في عام ٢٠١٩. ما أعرفه بالتأكيد، هو أن المال كان ينفذ منا، وأن السينما الوثائقية لا تحصل على تمويل كافِ بشكل عام. الوضع هكذا في فرنسا: على الوثائقي أن يبقى نوعًا فقيرًا، ونقص تمويله مقصود. في أراضينا المسيحية الرأسمالية، يُحكى في الكتب أن الفقر يقربنا من الحقيقة.
-لماذا اخترت التصوير في فيلم "عصر الشباب" ليلًا؟ وما صعوبة ذلك؟
أعشق الأيام المشمسة، كما نراها في آخر فيلم لعبد اللطيف كشيش "مكتوب يا حبيبي". أما النهار في باريس فيبدو لي مملًا وعنيفًا ومليئًا بالطوارئ والصخب. أما الليل فهو أهدأ أكثر من أي شيء آخر، أبحث عن فكرة معينة عن الحرية في السينما، ويبدو لي أن الليل وحده يستطيع أن يفتح أبواب الرغبات واللاوعي. كان الشاعر الألماني نوفاليس يحدث عن "العيون اللانهائية التي فتحتها الليل بداخلنا". وحتى الآن لم أكن سوى سليل الرومانسية.
-ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال تصوير الفيلم؟
هذه قائمة صغيرة منها: الإهراق الجسدي، قلة الضوء وفيتامين D والتفاوت في توقيت النوم، الشرطة التي كانت تضربنا وتكسر أجهزتنا، الغرباء الذين كانوا يعرقلون التصوير، عدم كوني عادلًا، الناس التي كانت تثبطنا، الناس التي كانت تشرح لنا ما سنصوره، الناس التي تخلط بين الشباب وذكرياتها البعيدة التي لما لم تجرؤ على فعلها، خيانة الأصدقاء، نقص الأموال للزملاء الذين وفروا وقتهم للفيلم، الخوف من الفشل، والصدف التي لم تكن دائما سعيدة.
-عرض الفيلم حيوات العديد من الشباب الفرنسي في مقتبل عمره، وقدم اختلافات ما بين شباب "البلاك بلوك" المتظاهرين وبين شباب تقضي لياليها في السهر والاستمتاع، هل كان لديك أي أحكام على شخصيات الفيلم؟ أم أنك وجدت أن الجميع له وجهة نظر بحاجة للتعبير عنها؟
لم أكن أريد أن أعطي الكلمة للجميع في هذا الفيلم، ولم يهمني فيه التمثيل.أترك الجداول الإحصائية لقنوات الأخبار والجرائد وأصحاب الشركات الكبرى، أنا أهتم بالسينما فقط، بما يحصل فيها، بالأصوات والصور. يجب أن يكون كل مشهد حدث فريد من نوعه. أثناء التصوير والمونتاج، علي أن أتخذ خيارات طوال الوقت. اخترت الناس التي أعجبتني، الناس التي استطاعت أن تعطي أشياء لم تُقال ولم تظهر ولم تعاش إلا أمام كاميرتي.
-لماذا اخترت البدء والنهاية بشخصية "روز"؟، وماذا كان رأيها في الفيلم؟
خلال حوار بيني وبين روز في مطار إشبيلية قبل أن يعرض الفيلم هنا، سألتها عن رأيها فقالت: "يُظهر هذا الفيلم أننا لسنا جيل حثالة وأننا لسنا غير سياسيين وأننا نفهم ما يحدث حولنا تماما".
هناك فيلم قصير لجان لوك غودار بعنوان "السلام عليك يا سراييفو"، الذي أحبه وعرضته خلال إقامتي في القاهرة، وهو يورد فيه الفنون: الرسم والأدب والسينما، ويختم قائمته بفن الحياة. ما هو فن الحياة؟ مدن وألعاب وتقاليد وإنما أيضًا شخصيات استثنائية تعيش حياتها كلها كأنها أنشودة للسعادة. اعتبر روز واحدة من هذه الشخصيات. هي ضوء في ظلام الليل.
-هل توقعت أن تكون أغلب الشخصيات التي عرضها الفيلم على هذا القدر الكبير من الثقافة والمعرفة؟ وهل أحدث ذلك تغييرًا في رؤيتك لهذه الشريحة العمرية؟
في نهاية الفيلم، تخترع روز جملة عبقرية في الرسالة التي وجهتها إلى الجمهورية الفرنسة: "احتفظي بالكل وحتى بالثقافة". افتخرت فرنسا بثقافتها دومًا وتعتبرها حتى الآن قابلة للتصدير وصالحة للجميع. لكن الثقافة لا تهم. ما يهم هو القلب. لاتهم أبدًا المعرفة، أهم شيء هو الرابط بيننا وبين كل ما نواجهه والاهتمام بمشاعر الآخرين. الذكاء نفسه يصبح خطرًا أو شيء عديم الفائدة إن لم يُستخدم في خدمة علاقتنا بالآخرين ولربط مشاعرنا ورغباتنا ببعضها ولاستكشاف هذه الحمم من الصور الداخلية التي تغدي الروح. اعتبر دقة وصف الانطباعات أكبر دليل على ذكاء شخص.
لم تكن لدي أية أفكار ثابتة عن هذا الجيل. كنت أشعر منذ سن مراهقتي أن ما قامت الأجيال السابقة ببنائه هو عالم يشعرنا بالاستياء والخجل من نفسنا ويقنعنا بأننا جيل دون أفكار وغير مثقف وغير مبدع، كونه أشخاص ضعاف ومنفصلين عن بعضهم البعض. أنا مقتنع بالعكس تمامًا وشغوف بجيلي و"عصري اللعين" حسب تعبير مغنيي الراب ناكفوه ودوسه.
في بداية سنة ٢٠١٧، خلال ليلة من التصوير قبل الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة، قالت لي فتاة قد قابلتها بالقرب من ينبوع الأبرياء في باريس: "نحن لسنا مسؤولين عن هذا العالم. لقد بدأنا للتوّ".
-يجد الكثير من صناع الأفلام الوثائقية صعوبة في إقناع الجمهور العادي بالتصوير، هل وجدت صعوبة في إقناع الشباب بالحديث خصوصًا وأنهم بدوا أكثر صراحة وحميمية في التعبير عن أفكارهم بالفيلم؟
لم يصدر الفيلم حتى الآن، وليس لدي أي فكرة عما سيحصل. ما أعرفه هو أنني حاولت أن أخرج فيلم شعبي. كان الناقد السينمائي أندريه بازان يحلم بإعادة إدخال السينما الطليعية والتجريبية في السينما التجارية. أنا أشترك معه في تلك الرؤية: أريد أن يجذب هذا الفيلم شباب لا يذهبون إلى السينما عادةً. خلال تصوير الفيلم كنت أسأل دائما الناس التي قابلتها إذا كانت تشهد أفلام في السينما، وأريت الشباب الذين صورتهم بعض المشاهد، وإن اعتبروا بعض الوصلات أو اختبارات غير واضحة كنت أزيلها. سبب اختفاء السينما من التصورات الشبابية في فرنسا هو أن السينما الفرنسية لم تعد تحاول أن يمثل هذا الشباب. حينما تعود السينما إلى دورها الأصيل، وهو أن تعكس حياة الشباب، سيعود الشباب إلى قاعات السينما. صنعت هذا الفيلم معارضًا لاتجاه السينما الفرنسي العام: الإنتروبيا الاجتماعية التي تجعل الأفلام على غرار جمهورها المستهدف. أما الشعب فهو يختفي من الشاشات. السينما المعاصرة بعيدة عن الشعب ومتعجرفة مثل زعمائنا.
-هل شاهدت شخصيات العمل الفيلم؟ وماذا كانت ردود أفعالهم؟
كونت صداقات مع بعضها، مثل سوَلّ وروز ونيكولا فحضروا مراحل المونتاج وشاهدوا أكتر من نسخة واختبارات عديدة. شاهد معظمهم المشاهد التي يظهرون فيها في الفيلم والكل وافق عليها. لم أقصد أن أخرج فيلم أملكه بل أن أصنع عملًا فنيًا متاحًا للامتلاك من قبل الأشخاص الذين صورتهم. في يوم 25 نوفمبر الماضي، عُرض الفيلم لأول مرة في قاعة سينما، وحضر العرض معظم الشخصيات. وكنت متأثرا جدًا من فخرهم بالفيلم. قالت لي "سوَلّ" أن أقرابها افتخروا بها وبدورها في الفيلم. هل هناك أفضل من ذلك؟ بعضهم كتبوا لي كي يشكرونني على إهدائي الفيلم لهم، وسروا من مشاركتي للفيلم معهم. كانت أجمل سهرة في حياتي.
-ما أبرز التعليقات الإيجابية والسلبية التي تلقيتها بعد عرض الفيلم؟
التعليقات السلبية كانت من نوعين. أولًا تم انتقادي على صورة الشرطة في الفيلم، بسبب تريبتنا التي تجعلنا نصدق أن الشرطة تحمينا من اللصوص، وتأتي هذه الصورة النمطية من ألعاب الطفولة بسيارات بلاستيكية ضغينة، من لم تجعله ظروفه في الحياة يسأل نفسه عن دور الشرطة التاريخي في مجتمعاتنا، أي الحفاظ على مصالح الأقوياء والسيطرة على الفقراء والاعتداء عليهم وسجنهم، يُصدمون لصورة الشرطة في "عصر الشباب". من الطبيعي أن تصدم الصور عندما تتحدى المعتقدات أدرك ذلك تماما. لكنني لا أخرج أفلام تمجيدًا لأصنام خاطئة: أنا أحطمها.
أما النقطة الثانية فكانت عدم تمثيل الفيلم للشباب كافة. تحجب مجتمعاتنا ضعف تفكيرها تحت جداول إحصاءات ورطانة استعارها من العلوم الاجتماعية تزعم بأنها ستعطينا وجهة نظر موضوعية ومثالية عن الواقع كله فعندما يدخل الواحد في السينما، يتوقع بالطبع أن يرى نسخة مصورة لما قرأه في جرائد الصباح، أي أرقام ونسب مئوية وأعمدة. القليل من كل شيء. تنشر وسائط الإعلان أرقام تزعم بأنها ستؤدي إلى موافقة الكل. أما الأفلام فيُصنع فيها رؤية يمكن الموافقة أو الخلاف معها.
بعض المشاهدين كانوا يبكون بعد العروض. أول يوم عرض في مهرجان لوكارنو، أتى إلى فتى صغير بعمر الثمانية عشر بالكاد، وكان يصافح يدي ويشكرني مرارًا حتى انفجر في البكاء.
-لماذا اخترت إهداء الفيلم للمشاركين فيه؟
عندما بدأت العمل على "عصر الشباب"، كنت أعمل لنفسي. يبدو لي العمل لأجل نفسي شيئًا ممكنًا لمدة محدودة وقصيرة. بعد فترة من الوقت، تنتقل رغبتنا وننسى أنفسنا ونعشق ونسلم نفسنا للآخر، للآخرين جميعًا. قررت أن أهدي الفيلم لهم خلال المونتاج. كانت مرحلة صعبة بسبب الوحدة في المكتب دون خروج، والعمل المستمر لأسابيع طويلة دون راحة، والضغط الرهيب علي. لو أنني صورت هذا الفيلم لأجل نفسي فقط، لكنت تركته. لكنه كان يذكرني بيهم وكانوا لي بمثابة بوصلة.
-حدثنا عن مشاركة الفيلم في بارنوراما الفيلم الأوروبي وتجاوب الجمهور المصري مع الفيلم؟
حتى الآن، كانت مصر أكثر بلد شعرت فيها بأن الجمهور يفهم الفيلم. كان النقاش مع المصريين نقاشًا رائعًا. في فرنسا، كنت أسمع عن العلم الاجتماعي وعن الفقراء والأغنياء واليمين واليسار وشعرت بالملل، أما في مصر، كانت الناس تفسر الفيلم سياسيًا كأنشودة للحرية.
-هل تطمح أن يصل الفيلم لشخصيات سياسية فاعلة أو حتى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وإحداث تغيير ما في رؤيتهم لهؤلاء الشباب؟
هناك فجوة بين إيمانويل ماكرون والواقع الذي يعيش فيه هذه الشباب، فلو شاهد الفيلم لن يفهم أن الأمر يتعلق ببلده وسيعتبره ديستوبيا. ليس في مصلحته ولا في مصلحة مستنسخيه أن يروا فيلمًا كهذا. سيؤدي أي تفكير جدي عن أي مشهد من الفيلم إلى موضع شك في أسس عالمه وتغير أفكاره وحياته وزوجته. سيكون من الأفضل ألا يراه. من الممكن أن يستغل رجل مثل جان لوك ميلونشون كي يكتب تغريدة يقول مثلا: فهمتكم. لم أخرج هذا الفيلم لإعادة تأهيل ممثلين يخلطون بين رسالتهم السياسية ومصلحتهم الخاصة. أخرجته للشباب الذين صورتهم وأصدقائهم وصديقاتهم، على أمل أن يرفع ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم يدركون صورتهم وقوتهم أكثر. أما إيمانويل ماكرون، فهو النموذج الأصلي للواشي الذي يحكي للمفوضية الأوروبية عما رآه في فرنسا. يشبه أمين صف في المدارس، جالسًا في الصف الأول، وتريد تحطيم وجهه في الاستراحة. أنا أفضل الصفوف الخلفية التي يتجمع فيها المخربين لأجل الضجة ورمي الحبر على السقف وإهانة المعلم حالما يستدير كي يكتب على السبورة. على النقيض من ذلك، أتمنى أن تشاهده بعض الشخصيات الهامة بالنسبة إلي: المؤرخ آشيل مبيمبي ومغنيي الراب ناكفوه وكندريك لامار والمخرج جان لوك غودار.
-المشاهد للفيلم يجد تشابه كبير بين أحلام الشباب الفرنسي والمصري خصوصًا مع عرض مشاهد المظاهرات، ما رأيك في ذلك؟ وهل ترى أن أحلام الشباب واحدة في كل مكان؟
هذا طبيعي فالمشاهد هذه تُرى أينما توجد دولة تفضل قلع عيون الشباب على النظر في وجهه.
-ما هي مشاريعك المقبلة، وحلمك في صناعة السينما؟
بدأت العمل في هذا المجال بأفلام وثائقية توفيرًا للوقت، كي لا أنتظر أحد. لكن الخيال كان أكتر إلهامًا لي.
في ربيع ٢٠١٦، بعد فترة وجيزة من مقابلة روز، جاءتني فكرة فيلم خيالي، وهو صدى لـ "عصر الشباب". يستوحى المشروع من حياة روز واكتبه معها. أريد أن أفكر عبر هذه القصة الخيالية عن مواضيع عديدة مثل الجنسانية والرغبة والحب والجنون وعلاقاتها بالأنماط السائدة، استنادًا على شخصية أنثى قوية. أريد أن أعبر عما يحدث في قلب امرأة شابة ليست مثل الأخريات، في الهواء الطلق وأيضًا في تعاملها مع المؤسسات الفرنسية. تصف بعض أفلامي المفضلة نساء استثنائية مثل : فيلم "جان دارك" لدراير، و"أن تعيش حياتك" لغودار، و"امرأة تحت تأثير" لجون كاسافيتز.
أكبر حلم لي هو أن أقابل منتجة تعشق السينما وتشاركني رغبة صناعة الأفلام التي نحتاجها في فرنسا في ٢٠١٨ وتبدو لنا أفلام ناقصة ومطلوبة، وأن تسمح لي العمل المستمر مع زملائي وزميلاتي ماريون سييفر وإزابيل بروست وستيفان ريف وجول فيسوكي، فالمخرج ليس شخص بل فريق، ولو أحبت هذه المنتجة موسيقى الراب، سأكون في قمة السعادة. أجل، أحلم بمنتجة وليس منتج، لأنني انسجم مع النساء أفضل مما أنسجم مع الرجال، هذا يأتي منذ صغري وهكذا نشأت وهكذا أريد أن أعيش حياتي.