بوابة الفجر

منال لاشين تكتب: أزمة أصحاب المعاشات فى موازنة «معيط»


مفاجأة: المالية لم ترصد أى أموال لتنفيذ وعود نفين لشيوخنا

الحصار المالى للنقابات أصاب أهالينا بطعنة شديدة

صناديق المعاشات فى العالم كلة تحقق أرباحا كبيرة إلا فى مصر

فى العالم كله يكد المواطن ويتعب طوال عمره المهنى حتى يضمن الراحة والأمان فى شيخوخته، سن المعاش فى دول الشرق والغرب هو الحياة السعيدة بدون مسئوليات والتمتع بالرحلات والفسح والنوادى، إلا فى مصر يدفع أصحاب المعاشات حصة للتأمينات طوال 40 عاما، ولكنهم حين يتركون الوظيفة لا يجدون سوى المعاناة والقلق والحيرة والضغوط الاقتصادية، ففى مصر ينهار دخل المواطن بعد الخروج على المعاش، فالمعاش فى أحسن الأحوال لا يصل إلى 25% من دخل الموظف، وفى حالات كثيرة تنخفض النسبة إلى 15%، وبجانب انخفاض الدخل يفقد أهل المعاشات كل المميزات العينية التى كانوا يحصدوها خلال فترة عملهم، التأمين الصحى الخاص بالوزارة أو المؤسسة التى يعلمون بها، الرحلات وغيرها من المميزات العينية، ورغم الارتفاع الجنونى للأسعار فإن الحكومة تكتفى بزيادة المعاشات زيادة سنوية تعجز عن مواجهة جنون الأسعار، خاصة أسعار الدواء لشيوخنا وأهالينا، وجميع مؤسسات الدولة لا تقدم يد العون لأصحاب المعاشات، بل إنهم معظم أصحاب المعاشات تعرضوا للنصب دون أن تعوضهم الحكومة، كما أن الوعود التى أطلقتها وزيرة التضامن لأصحاب المعاشات لم تترجم لا فى الموازنة الجديدة ولا على أرض الواقع.

1- تجربة شخصية

منذ أكثر من عشرين عاما أحيل أبى رحمه الله على المعاش، وفى ذلك الوقت كان من حق كل من يحال للمعاش مكافأة (نهاية الخدمة) من صندوق التأمينات تحسب بمقدار شهر عن كل سنة من سنوات عمله، على أن يتم حساب الشهر على آخر راتب تقاضاه، وكانت هذه المكافأة كبيرة بالفعل، وأذكر أن أبى وبعض أصدقائه فكروا فى عمل مشروع تجارى مستغلين هذه المكافأة، ثم انتهى الحال بهم مثل معظم أصحاب المعاشات بإدخار المبلغ فى البنوك كوديعة تدر مبلغا شهريا، ولا أتذكر أن أبى كان يحتاج إلينا فى شىء، لأن معاشة كان كافيا مع أرباح الوديعة، وكثيرا ما كان يمنحنى مالاً كمساعدة لا ترد، وكان يخصص من دخله مصروفًا شهريًا لأبناء أختى.

وكانت المكافأة جزءًا من أموال أبى التى دفعها لصناديق التأمينات خلال سنوات عمله الأربعين عاما، ولكن استغلال أموال التأمينات لسد عجز الموازنة عبر حكومات متتالية فى عهد مبارك أخل بأموال الصناديق، وهدد بعجزها عن الوفاء بدفع المعاشات، فاتخذ قرارًا بوقف صرف المكافأة التى كانت تمنح لصاحب المعاش لمرة واحدة وتقدر بأربعين شهرا.

إلى جانب هذه المكافأة كان أبى مشتركًا فى صندوق خاص بالوزارة التى يعمل بها، وكان يدفع اشتراكا شهريا، وعند إحالته للمعاش حصل على مبلغ معتبر من هذا الصندوق مما ساعده على الحياة بكرامة بل ومساعدتى عندما ينتهى الدخل المتواضع الذى كنت أحصل عليه من الصحافة فى ذلك الوقت.

2- ضحايا الصناديق الخاصة

وخلال الـ20 عاما الماضية سقط ملايين من أصحاب المعاشات ضحايا عمليات نصب وعشوائية فى معظم الصناديق الخاصة، فقد اكتشفوا بعد الإحالة للمعاش أن مجالس الإدارة كذبت عليهم، ولم يحصلوا على المبالغ التى وعدوا بها، وذلك لغياب الدراسات الاكتوارية العلمية، وعلى الرغم من أن هذه الصناديق كان يجب أن تخضع لرقابة الحكومة، إلا أن جميع المسئولين تملصوا من هذه المسئولية، وهكذا خسر أصحاب المعاشات موردا آخر من دخلهم، وأصبح ما يحصلون عليه من مكافأة نهاية الخدمة من هذه الصناديق لا يتجاوز من 10 إلى 15 ألف جنيه فقط.

وذلك بعد أن وعدوا بالحصول على مائة ألف جنيه أو 60 ألفًا على أقل تقدير.

3- أزمة النقابات

وجاء التضييق المالى على النقابات المهنية ليمثل طعنة جديدة لأصحاب المعاشات، فالسادة الذين يهاجمون الرسوم التى تذهب لصالح النقابات المهنية لا يعرفون شيئا عن بلدنا، فمعاش النقابة يمثل موردًا أساسيًا لأصحاب المعاشات، كما أن هذه النقابات تقدم لهم تأمينا صحيًا مستمرًا يعوضهم عن انتهاء التأمين الصحى المرتبط بوظائفهم، بل هذه النقابات تعد المصدر الوحيد للمتعة لأصحاب المعاشات، وذلك من خلال النوادى النقابية والرحلات المخفضة التى تقدمها النقابات المهنية لأعضائها، وذلك أرجو أن نتراجع عن الحصار المالى على النقابات المهنية لأنها تقدم خدمات لاغنى عنها لأصحاب المعاشات.

4- خدمات الفنكوش

أما الخدمات التى أعلنتها وزيرة التضامن لأصحاب المعاشات، فلا تزال مجرد تصريحات، فأصحاب المعاشات لم يحصلوا على بطاقات مخصصة لركوب وسائل النقل مجانا أو الحصول على رعاية صحية خاصة، وأريد أن أذكر كل من وزيرى المالية والتضامن أن موازنة العام الجديد لا تشمل على تخصيص موارد لتمويل الخدمات المعلن عنها لأصحاب المعاشات، وذلك يدخل هذه الخدمات فى نطاق الفنكوش.

5- حقوق وليس هبة

ومع احترامى للجميع من رئيس الحكومة لوزراء المالية والتضامن والشباب، فإننا نحتاج منهم جميعا إعادة النظر فى مسألة المعاشات، لأن الأصل أن الحكومة مديونة لشوشتها لأصحاب المعاشات، وأنها مسئولة عن اختيار مجالس صناديق المعاشات التى تدير أموال أصحاب المعاشات، والحكومة ممثلة فى وزارة التضامن عجزت عن تقديم خدمات لأصحاب المعاشات، على سبيل المثال يمكن الاتفاق مع وزير الشباب على تخصيص غرفة أو مكان فى كل مركز شباب لنوادى اجتماعية لهم، كما أن مجلس إدارة التأمينات يجب أن يتحول من مجلس مالى إلى مجلس عام مختص بكل شئون أصحاب المعاشات، فيجرى الاتفاقات مع المستشفيات أو الصيدليات لتوفير خصم لأصحاب المعاشات، ويدفع ثمن الخدمة من أموال أصحاب المعاشات، ويعمل المجلس على توفير حزمة من الخدمات بشكل اقتصادى فلديه نحو 10 ملايين مواطن يمثلون قوة كبيرة فى التفاوض مع الشركات أو المؤسسات، بصراحة يجب أن تكف الحكومة على التعامل مع أصحاب المعاشات بنظرية حضن الحكومة أو أخلاقها العالية دفعتها لزيادة المعاش أو تخصيص خدمات خاصة لأصحاب المعاشات، لأن الحقيقة مختلفة تمام الاختلاف، فأصحاب المعاشات لهم حقوق مالية ومليارات فى رقبة الحكومة، وصناديق التأمينات فى العالم كله تحقق أرباحا كبيرة إلا فى مصر، يجب أن تتغير النظرة لصناديق المعاشات باعتبارها ظهيرًا ماليًا للحكومة للاستدانة منه إلى كيان مالى يديره أفضل العقول والخبرات، كيان مهمته الوحيدة هو ضمان أفضل وأعلى ربح للاستثمار الآمن لأموال التأمينات، وعندما يحدث ذلك التغيير سيحصل أصحاب المعاشات على حقوقهم كاملة.